-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جمعية الخوارزمية تحتضن مخيم الرياضيات

جمعية الخوارزمية تحتضن مخيم الرياضيات

ليس سرا أن المستوى العام للتلاميذ والطلبة في مادة الرياضيات يتدنى في منظومتنا التعليمية. وهذا الوضع صار هاجس وزارة التربية وأساتذتنا ولدى غيرنا أيضا من مختلف البلدان، والكل يسعى إلى تحسين الوضع بما أوتي من وسائل.

وقد دفع هذا الهاجس الكثير من المهتمين من مربين وأساتذة وباحثين ومسؤولين سياسيين في الداخل والخارج إلى البحث عن الحلول المواتية. منهم من يبحث عنها في المناهج، ومنهم من يراها تكمن في “الحجم الساعي”، وهناك من يؤكد أن علتها في المكونين، إلخ. ومن بين المبادرات الطيبة في هذا السياق تلك التي جاء بها عبد الغني زغيب، الباحث الجزائري المنتسب إلى المركز القومي للبحث العلمي الفرنسي (CNRS  ) الذي كان قبل عقدين أستاذا بجامعة عنابة.


الوالي يتبنّى المشروع ومدير التربية يُثمّن

تتمثل هذه المبادرة في تنظيم ورشات تكوينية سمّاها صاحبها “مخيم الرياضيات”، وهي موجهة لخيرة التلاميذ والطلبة في مادة الرياضيات عبر القطر. وهكذا جمعت الورشة نحو 20 تلميذا وطالبا من هؤلاء اللامعين في عنابة خلال شهر أوت الفارط. وعرفت التظاهرة نجاحا باهرا رغم انعدام الوسائل وعدم اكتراث السلطات المحلية بها آنذاك. كانت تلك الطبعة الأولى لهذا المخيم.

وولاية الوادي التي ذاع صيتها بإنتاج البطاطا لها فضل آخر، وهو ترحيب معظم أهلها بالمبادرات العلمية والثقافية والتربوية. ومن حسن حظ الرياضيات أن في عام 2005 تم تنظيم ورشة تكوينية أكاديمية ضخمة في الهندسة دامت نصف شهر بالوادي أشرف عليها المركز الدولي للرياضيات البحتة والتطبيقية التابع لليونسكو. وعلى هامش تلك التظاهرة أنشئت جمعية ولائية تعنى بفنون الرياضيات، تدعى “جمعية الخوارزمية”!

وهكذا تعاونت الجمعية المذكورة هذه السنة مع مديرية التربية والسلطات المحلية ومخبر الرياضيات بجامعة الوادي لتنظيم “مخيم الرياضيات” الثاني الذي أطلق عليه اسم عالم الرياضيات التونسي الكبير المرحوم عباس بحري (1955-2016)، وهذا تخليدا لمآثره في باب الاهتمام بالنخبة العلمية التونسية. ويستغرب زائر مدينة الوادي خلال هذه الفترة في كثافة النشاطات العلمية والأدبية والثقافية والرياضية التي تنظم في الولاية (منها ملتقيات وطنية في الزراعة، وحفظ القرآن الكريم، والسباقات الرياضة على مستوى العالم العربي، وعيد المدينة، والأنشودة المدرسية، والكشافة الإسلامية، ومنتدى الشعر …).

وعلى سبيل المثال، شارك في مهرجان الأنشودة المدرسية في طبعته الـ 22 نحو ألف تلميذ من مختلف مناطق الوطن. ورغم هذا الاكتظاظ تمكنت الخوارزمية من توفير الظروف المادية لاحتضان الطبعة الثانية لمخيم الرياضيات، وهي ورشة أقيمت خلال 8 أيام في ثانوية عبد الرزاق عيدة بالمدينة جمعت حوالي 40 مشاركا من تلاميذ وطلبة ومؤطرين من مختلف أنحاء الوطن. والمؤطرون كلهم جزائريون، أتوا من وهران والعاصمة والوادي وفرنسا والإمارات العربية. أما البرنامج فكان حافلا بالمداخلات الرياضياتية المتنوعة حيث كلف المشرف العلمي على الورشة، عبد الغني زغيب، جل التلاميذ والطلبة في وقت سابق بتحضير مواضيع محددة لعرضها، وهذا إضافة إلى محاضرات المؤطرين. ونشهد للمشرف أنه لمع في تنشيط جميع المداخلات من بدايتها حتى نهايتها وتفاعل معها الطلبة أيما تفاعل.   

لا بد أن نعترف أيضا بأن السلطات المحلية قد أحاطت هذه التظاهرة بعناية خاصة رغم كثافة النشاطات وتداخلها في الولاية خلال هذه الفترة، كما أسلفنا. فهذا والي الولاية يزور المخيّم خلال التكوين ويطيل الاستماع إلى مشاغل الساهرين على المخيم، ويَعِد بتبنِّيه وبجعله من النشاطات الدورية السنوية للولاية، وهذا مدير التربية وطاقمه يزور عدة  مرات المخيم ويتفقد أحوال التلاميذ وسير الأشغال، ويوفر ما لديه من إمكانيات.

كما سهر مدير الثانوية وطاقمها ليلا نهارا على مرافقة الجميع وبصفة خاصة التلاميذ. أما مخبر الرياضيات بالجامعة فبذلت مجموعة من خيرة أعضائه، وعلى رأسهم مدير المخبر، جهودا مضنية لإنجاح الورشة. والجدير بالذكر أن الخوارزمية عقدت على هامش هذا النشاط جمعيتها العامة وانتخب بالإجماع الأستاذ المتقاعد مسعود عبد اللاوي رئيسا لها نظرا لما قدمه لها في الماضي والحاضر.


خزى الله من أهان هؤلاء الفتية

قد يعتقد القارئ أن المخيم كان منحصرا في موضوع واحد. الواقع أن مواضيعه طافت بعديد الفروع الرياضياتية، بل تطرقت، فضلا عن الرياضيات البحتة، إلى مواضيع تطبيقاتها كما هو الحال في علم البصريات وفيزياء الكم. ومست التعقيبات جوانب كثيرة عرف المنشط كيف يربط في كل مرة هذا بذاك مع إثارة التساؤلات التي تتمخض من بعضها أجوبة أصيلة.

ولعل القارئ يستغرب في هؤلاء التلاميذ والطلبة الذين يقضون يومهم يتدارسون المواضيع المطروحة، وحين يُطلب منهم في السهرات حضور حفلات ثقافية وفنية التي تقيمها مختلف النشاطات الأخرى الموازية بالولاية يفضلون البقاء في الثانوية لمواصلة العمل ليلا. وقد “أرغموا” ذات مرة على حضور أمسية شعرية شارك فيها 8 من ألمع شعراء المنطقة… ولا نعتقد أنهم لم يستمتعوا بهذه اللفتة، إذ الشعر عروض، والعروض قنّنته القواعد الرياضياتية… ومن لم يستوعب ذلك فليرجع مثلا إلى أطروحة الدكتوراه لأستاذ الرياضيات مصطفى حركات الذي تبحر فيها باحثا عن روابط العروض بالرياضيات!

كما أن المخيم كان مناسبة للفت الانتباه على مستوى طاقم مديرية التربية بالوادي للاهتمام بالمتفوقين داخل الولاية في مختلف المراحل التعليمية، ودار الحديث حول تعاون جامعة الوادي مع مديرية التربية في هذا الباب. وهو أمر باركه الجميع.

ولم يبخل الخيّرون من وادي سوف على التلاميذ والطلبة بالهدايا واللفتات المشجعة. وبقدر ما يثني الجميع على هؤلاء -من رسميين ومواطنين- بقدر ما يستنكرون الطريقة التي صَدم بها مدير المركّب السياحي “الغزال الذهبي” تلاميذ المخيم الذين قصدوا المنتزه أثناء رحلة سياحية بعد الحصول على موافقة المركب على هذه الزيارة. فبئس هذا “الغزال” الذي لا يعير للشباب المتفوّق قيمة، بل سمح لنفسه بإهانتهم! فما قيمة “ذهبه” إذا ما قيس بميزان الغباء والجهل؟… خزى الله من أهان هؤلاء الفتية.

كانت الفكرة التي كررها المشرف العلمي على المخيم، عبد الغني زغيب، أثناء الافتتاح والاختتام تقول ما معناه : المستوى العام في الرياضيات ليس جيدا، ومن الصعب أن نقوم بجهد يسمح برفع هذا المستوى في أجل قريب. فلنجتهد لتحقيق هذا الهدف ما استطعنا. وبالموازاة مع ذلك، لنأخذ بيد النخبة لتمكينها من المزيد من التألق… وإن تمكنت هذه النخبة من التوسع والانتشار فستسهم لا محالة في تحقيق أحلام الكثير في رفع المستوى العام، ليس في باب العلم وحده بل في جميع القطاعات ذات الصلة بالمجتمع. ما نظن القائل مخطئا في تصوره.

نتمنى أن تكون هذه المبادرة العلمية مثلا يُقتدى به في جميع الولايات وجميع المواد التعليمية، وأن تتضافر جميع الجهود لتحقيقها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • قدور

    كلام لا ينطوي الا على البؤس والحقد ويراد منه التثبيط والاحباط خدمة للاستدمار والتدجين والمسغ ومن الجنوب ينبع الابداع والانطلاق الواعي

  • azer_DZ

    1) ياحبذا تشجيع مثل هذه المبادرات وتشجيع الاطارات التي لها هذا التوجه .
    2 ) ارى ان بعض التعليقات لاترقى الى مستوى الحدث وانما ركزت امور هامشية وخرجت عن المعقول

  • منصف

    واضح أن صاحب التعليق علي-الجزائر خارج مجال التغطية.
    لا رياضيات يفهم ولا معنى مخيم يفقه.

  • علي

    جمعية الخوارزمية في مخيم الرياضيات ، الرياضيات من العلوم الدقيقة ، لا تتشكل في جمعيات ولا في مخيمات لأنها ليست سياسة ولا سياحة بل جد وجهد وفكر ، فالخوارزمي يفكر وحده وليس بجمعية ولا في مخيم صيفي ، هكذا يجرون الرياضيات إلى الهاوية