جنازة لمطلقة!
إذا كنت تنوين أن تصبحي مطلقة، فعليك أن تحجزي كرسيا عند أخصائي في الأمراض النفسية والعصبية، وعليك أن تفكري في زيارة طبيب السكري والضغط والقولون العصبي بشكل مستمر، وعليك أيضا أن تجتمعي بنساء العائلة وتقسمي لهن بأغلظ الإيمان أنك لاتخططين للإستيلاء على أزواجهن، وأنك منذ أن تطلقت، نزعت قلبك ورميته للقطة.
وإذا كنت تريدين أن تنالي رضا عائلتك بعد الطلاق، وأن تحوزي على ثقتها، فعليك أن تقاطعي الزيارات العائلية، وتخاصمي الباب والنافذة، وعليك أن تهملي مظهرك، وتنكشي شعرك، وحبذا لو ينبت لك شنبا ولحية.
هكذ يريدك المجتمع أن تكوني، امرأة بلا صوت وبلا صورة، وحتى تلك الأنفاس التي تقطع صدرك جيئة وذهابا من المفترض أن تصمت وتنزوي لأنها تثير الريبة، فلمن تشهقين، ولماذا تزفرين؟.
قد تبدو هذه النظرة للمطلقة، قاسية ومبالغ فيها، ولكن دعونا نشاهد عن قرب كيف ينظر الناس للمرأة التي أنهت أوأنهى الرجل حياتها الزوجية، فحتما لن نجدها تختلف كثيراعن هذا السيناريو الساخر.
أتذكر جيدا ملامح وجهها الشاحب وهي تنتظر في غرفة طبيب الأمراض الباطنية، فتاة في مقتبل العمر، خرجت للتو من تجرية زواج فاشل، جعلها تصاب باضطرابات نفسية وأمراض جسدية، من بينها القولون العصبي الذي زارت الطبيب لعلاجه، ظلت طوال جلوسها على المقعد تردد كلمة”تكلحت”، وكانت تقصد أنها لم تتزوج الزواج المناسب ما جعلها تتطلق بسرعة..
كانت تتحدث عن طلاقها كما لو أنه حدث جلل وعلى المحيطين بها أن يستشعروا وجعها، ومن يغوص في المشاكل النفسية للمرأة المطلقة، بوسعه أن يعرف أن هذا الشعور الذي انتاب هذه الفتاة طبيعي جدا لمن تعاني نفس مشكلتها، حيث يؤكد خبراء العلاقة الزوجية، أن المرأة المطلقة تمر بعدة مراحل نفسية، خاصة إذا كانت هي من طلب الإنفصال، وتميل في البداية إلى التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على طليقها، وتكون في حالة صدمة وإنكار لما حدث.
ولاشك أن المجتمع يتحمل جزء كبيرا من الصدمة، فليس هناك امرأة يتعقب الناس خطواتها، ويحصون أنفاسها، ويأولون حركاتها وسكناتها مثل المرأة المطلقة، فلو ضمنت هذه الأخيرة أن تستأنف حياتها بعد الطلاق بشكل عادي، وأن نظرة المجتمع إليها لن يطرأ عليها أي تغيير، لكانت أقل تأثرا، وأكثر تقبلا لوضعها الجديد، ولكن؟؟؟
ماذا ننتظر، والحال هكذا، من شابة تطلقت بعد فترة قصيرة من الزواج، عندما تطلب خطيبة أخيها منه أن يجد لها حلا قبل أن يحين موعد زفافهما، أي أن يبعدها عن البيت حتى لا تندلع المشاكل بينهما، ولم يخطر ببالها أنها قد تتطلق وتعود إلى أهلها وقد تجد من يطلب أن يرمى بها في صفيحة زبالة.
وماهو الشعور الذي سينتاب حلاّقة مطلقة كانت مدعوة في أحد الأعراس، حينما يرفض أهل العريس أن تقوم بتسريح شعر عروسهم التي تسكن في منطقة نائية، خوفا من أن تصيبها ب”عدوى”الطلاق؟ وكيف يكون إحساس أي مطلقة حينما تسمع من يلصق بالمطلقات كل خلق وضيع، وتصرف طائش؟.
إن هذا المجتمع الذي نعيش بين جنباته، هو من يصنع عقدنا النفسية، ويجعلنا نفرض على أنفسنا ضرائب وأتاوات، وطالما أن هذا المجتمع القاسي هو من يصدر الأحكام و ينفذها، يبقى الرجل المطلق أوالمخلوع بمنأى عن كل محاسبة، فلا أحد يسأله لماذا طلّق أوخلع، لأن الجواب من المفترض أن يكون عند الطرف الآخر-المرأة- التي كانت سببا في وقوع الطلاق، وكأنه الملاك الطاهر الذي تشرئب له أعناقنا كل مساء وهو يحلّق في كبد السماء.
صحيح أن هناك نساء كن السبب المباشر في طلاقهن بتهورهن وسوء أخلاقهن وقلة تربيتهن، ولكن من الظلم أن ننعت كل المطلقات بصفات مشينة، فكل امرأة أتت بفعل قبيح، ومناف للأخلاق، فليس لأنها مطلقة، بل لأنها تلقت تربية خاطئة جعلتها تستغل أي موقف في الخسة والنذالة، ولوكانت متزوجة لصدر منها نفس الفعل، فلاتضطروا كل مطلقة أن تعدّ لنفسها جنازة وتدعوكم لتمشوا فيها حتى تطمئن قلوبكم.