-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ثاموغلي

جهود الشيخ السعيد البيباني الإصلاحية

جهود الشيخ السعيد البيباني الإصلاحية

يعتبر الشيخ السعيد بوثقجيرث (المدعو البيباني)، أحد تلامذة عبد الحميد بن باديس الذين ساهموا في نشر الفكر الإصلاحي في الجزائر وفي الأراضي الفرنسية، عن طريق التعليم، والكتابة الصحفية، وإلقاء المحاضرات. كما أنه لم يتخلف عن الالتحاق بالثورة الجزائرية.

 

نبذة عن حياته(1)

  ولد الشيخ السعيد البيباني يوم 11 نوفمبر1908 بقرية سيدي إبراهيم (ولاية برج بوعريرج)، من أسرة متواضعة، اشتغل أبوه أعمر المولود بالفلاحة والتجارة.

ورغم رقة حال الأب، فقد عقد العزم على بذل ما في وسعه من أجل تعليم ابنه، وبالفعل فقد حفظ القرآن في سن الرابعة عشرة بمسقط رأسه، ثم أرسله والده إلى المدرسة الابتدائية الفرنسية بقرية بوجليل، أين تعلم كتابة وقراءة اللغة الفرنسية، وعقب ذلك توجه إلى  زاوية سيدي بوداود بناحية أقبو (ولاية بجاية)، فدرس فيها العلوم الشرعية وعلوم اللغة، زار خلال هذه الفترة عدة زوايا لعل أهمها زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي بولاية تيزي وزو. وبعد أن أكمل دراسته في الزاوية سنة 1928، قرر السفر إلى قسنطينة لمواصلة دراسته على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس، لكنه أصيب بوعكة صحية أثناء مروره بزاوية الحملاوي فعاد إلى قريته مريضا. وبعد أن تعافى من المرض، كلف بالإمامة وتدريس القرآن بمسجد قريته لمدة عامين، قام خلالها بإصلاحات تربوية انعكست إيجابا على المتعلمين. وكتب له أن يزور مدينة الجزائر سنة 1930 حينما كانت فرنسا بصدد الاحتفال بمرور قرن على احتلال أرض الجزائر، وبدل أن يصاب بالانبهار بعظمة فرنسا كما كان يتمنى الاستعمار، فقد حضر بالصدفة محاضرة ألقاها الأستاذ الطيب العقبي بمقر نادي الترقي بساحة الشهداء الحالية، فأعجب بأفكاره الإصلاحية، وقرر الانضواء تحت لواء جمعية العلماء من أجل الحفاظ على الشخصية الجزائرية المسلمة. ولم يتسن له الالتحاق بمدرسة ابن باديس بقسنطينة لمزاولة دراسته إلا سنة 1935، وبعد الامتحان وجه إلى السنة الثالثة، واستغرقت دراسته سنتين كاملتين.

 

 نشاطه في فرنسا

  واعتبارا لمستواه الجيد فقد اختير ليكون عضوا ضمن البعثة التي أرسلتها جمعية العلماء إلى باريس سنة 1937، بقيادة فضيل الورثلاني، من أجل تأسيس فروع لها، قصد حماية المهاجرين الجزائريين من خطر الفرنسة، وتداعيات الغربة. وساهم في تأسيس جمعية حياة البيبان، التي ترأسها بن ضيف الله بن سليمان، للإشراف على المهاجرين المنتمين إلى منطقة سيدي إبراهيم، وتوعيتهم اجتماعيا وسياسيا. ومكث هناك إلى حين اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939.

 

فترة الحرب العالمية الثانية

    تعطل نشاط جمعية العلماء خلال الحرب العالمية الثانية، فعاد الشيخ السعيد البيباني إلى قريته، واشتغل بالنشاط الفلاحي، وتقديم دروس الوعظ وعقد الصلح بين الأطراف المتخاصمة، وينشط سريا مع أعضاء الحركة الإصلاحية، ومع المهاجرين، أثناء عودتهم إلى أرض الوطن، لتدارس المستجدات السياسية.

 هذا ولم يكن نشاطه الوطني الكثيف الذي أداه في باريس خافيا على عيون الإدارة الفرنسية، لذا حاولت -بمجرد عودته- تلفيق تهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي، للزج به في السجن. وعندما قدم إلى محكمة المنصورة، دافع عن نفسه بشجاعة، فأخبر رئيس المحكمة أنه لا علاقة له بالحزب الشيوعي، وإذا كان لا بد من إدانته، فإنه يفضل أن يتم ذلك باعتباره عضوا في جمعية العلماء. وفي الأخير أعجب رئيس المحكمة بصراحته، فأعلن ببراءته.

   وعقب تقديم فرحات عباس للمطالب الجزائرية (البيان الجزائري)، لقوات الحلفاء التي نزلت بالجزائر سنة 1942، شرع السعيد البيباني في تشكيل [جمعية أحباب البيان] بناحية سيدي إبراهيم لتعبئة الجماهير حول المطالب الوطنية. وعندما ارتكبت فرنسا مجازر 8 ماي 1945 في العديد من مناطق الشرق الجزائري، دعا السعيد البيباني الجماهير إلى التزام الحذر واليقظة، لتفويت الفرصة على الفرنسيين. والحق أن نشاطه الوطني السري لم يكن خفيا على عيون فرنسا، لذا حكم عليه بالسجن لمدة سنة واحدة قضى منها عشرة أشهر في سجن سطيف.

 

عودته إلى التعليم

    بعد خروجه من السجن عينه الشيخ البشير الإبراهيمي،سنة 1946 مديرا ومعلما  لمدرسة باتنة، واستغل وجوده هناك ليساهم في تأسيس فروع الجمعية والمدارس في العديد من المناطق، وفي سنة 1951 كلفه بإعادة تنشيط فروع الجمعية بفرنسا. ثم نقل بعد عودته مباشرة إلى مدرسة أقبو، مديرا ومعلما، ومكث بها إلى سنة 1954. وبموازاة عمله التربوي، كان ينشط أيضا من أجل تأسيس مدارس وفروع جمعية العلماء في وادي الصومام، مثلما فعل في مسقط رأسه سيدي إبراهيم، وباتنة((2.

 

عودته إلى فرنسا

  أرسل الشيخ السعيد البيباني من جديد الى فرنسا، لتجديد فروع الجمعية التي توقف نشاطها أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت وجهته نحو باريس، وبالضبط الى حي

[سان دونيس] أين أسس فرع الجمعية برئاسة رواق محمد (تاجر من قسنطينة)، بمساعدة الحاج لونيس (تاجر من  آث يجر)، وانضمت عدة شخصيات وطنية الى هذا الفرع، منها عبد الحفيظ أمقران، وآيت حمودة عميروش (العقيد عميروش)، والبشير إزمران، وأرزقي  سايغي، والسعيد بلقندوز، وأعمر سيدي الصالح، وتيطوح السعيد، وعزوقي علي، وغيرهم. وتنوعت نشاطات هذا الفرع فشملت الدروس الليلية، والمحاضرات، والحفلات، والرحلات. ثم أسس أيضا فرعا آخر في بلدة بلغراد Bellgrade قرب الحدود السويسرية، استغل كنقطة عبور الى السويسرا.

 

التحاقه بالثورة

  كان الشيخ السعيد البيباني على صلة دائمة بالشيخ العربي التبسي، وكان دوره يتمثل في توعية المهاجرين، ومكنته مصداقيته العالية في أوساط العمال من كسب الكثير منهم الى صف الثورة. لكنه اضطر أمام تزايد ضغوط الشرطة الفرنسية من جهة والمصاليين من جهة أخرى، إلى  مغادرة التراب الفرنسي، فتكفلت جبهة التحرير بنقله الى الشرق الأوسط عبر السويسرا في شهر أكتوبر سنة 1956. ونشِط في إطار اللجنة الخارجية للجبهة، في دمشق إلى جنب محمد الغسيري وعبد الحميد مهري، ثم نقل في أفريل سنة 1958 إلى مدينة جدة كمساعد للشيخ العباس بن الحسين ممثل الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، إلى أن تم استدعاؤه سنة 1964.   

    وبعد عودته الى الجزائر عاد إلى مهنة التعليم التي شب عليها، مدرّسا بمدرسة أشبال الثورة بالقليعة، ومكث بها إلى أن أحيل إلى التقاعد سنة 1975، لكنه لم ينعم به إذ فارق الحياة سنة 1976، ودفن بمسقط رأسه.

 

نماذج من مقالاته

    لم يتوان الشيخ السعيد البيباني عن استعمال أساليب نضالية مختلفة، من أجل بعث الشخصية الوطنية، ومنها الكتابة الصحفية بهدف الى تنوير الرأي العام، ومساعدة الجماهير على تجاوز ذهنية الانحطاط،  والأخذ بيدها للتوجه نحو عالم المعرفة الرحب، والصحوة الدينية، باعتبارهما سلاحا قويا يساعد على مقارعة الاستعمار. وترك عدة مقالات، كان بعضها عبارة عن تغطية نشاطات فروع جمعية العلماء بفرنسا، نذكر في هذا السياق -على سبيل المثال- ما كتبه عن المؤتمر السادس لجمعية التهذيب بباريس جاء فيه: “يوم الأحد 14 أوت 1938، على الساعة الثانية بعد الزوال، انعقد المؤتمر السادس لجمعية التهذيب بنادي أفرفيلي (سان)، وحضره ممثلو النوادي الباريسية التهذيبية جميعا، وتداول الحديث فيه بضعة عشر مندوبا ، كل منهم قدم آراء صائبة واقتراحات مهمة فيما يخص حركة الجمعية وسيرها ونظمها. إن مائة وعشرين ممثلا للنوادي المختلفة في مؤتمرهم السادس المنعقد بنادي أفرفيلي (باريس)، بحثوا بحثا دقيقا في شؤون الجمعية، وبصورة خاصة مسألة ماليتها، ولم يجدوا فيها أدنى خلل يستوجب ولو مجرد وهم في نظامها…”((3.

   وكتب مقالا آخر بعنوان [المظاهر الإسلامية العربية بباريس] وهو عبارة عن تغطية لزيارة الشيخ السعيد الصالحي الى فرنسا جاء فيه قوله: “ما كاد ينتشر النبأ بالنوادي التهذيبية بأم العواصم باريس، بمجيء الشاب الناهض المخلص الأستاذ الشيخ سعيد صالحي، العضو الإداري لجمعية العلماء، والمدرس الحر بمسجد قنزات، حتى توافد رجال وتلامذة جمعية التهذيب -حرسها الله- الى محطة “ليون” لملاقاة أستاذهم الفاضل الذي كان من أول المؤسسين لهذه النهضة الإسلامية، التي يتمتع بها أبناء الإسلام بالديار الفرنسية، في مظهر جليل ومشهد عظيم -يا له من مشهد- تجلت فيه روح العروبة الصادقة، وبدا فيه شعور بيقظة الأمة الجزائرية العميق. وما كاد يستقر الأستاذ بنزله المهيء له، حتى قررت الجمعية أن تعقد عدة اجتماعات بنواديها المفتوحة بباريس….”((4.

   وفي مقال آخر لخص محاضرته التي ألقاها بمدينة مرسيليا، قارن فيها بين دور المهاجرين العرب الايجابي في أمريكا، وبين دور المهاجرين الجزائريين السلبي في فرنسا، جاء فيه قوله: “… وكان موضوعها: ن والقلم وما يسطرون الخ، وفي الأخير جعلت موازنة بيننا نحن معشر الجزائريين المهاجرين الى أرض أروبا وإخواننا المسلمين الذين هاجروا الى أمريكا. وما كان لأولئك الأبطال من اثر حسن يحفظه التاريخ والأجيال، ومن تبييضهم لوجه الإسلام لدى الأجانب، حتى اغتبطهم الأجانب في هذا الدين ودخلوا أفواجا ولا يزالون يدخلون إليه في كل حين. وما كان لنا نحن الجزائريين من أثر سيء يحفظه التاريخ والأجيال، إن لم نبادر لإصلاح الغلط ودرأ الفساد، فبذلك نجني على أنفسنا وجنسيتنا بل وعلى الإنسانية جمعاء…”(5) 

 

رأيه في عادة الزردة (لوزيعة)

   اشتهرت بلاد الزواوة (القبائل) بتنظيم “الزردة” المعروفة محليا باسم [لوزيعة] أو [ثيمشرط]، وهي في جوهرها عادة إيجابية، لها دلالات اجتماعية عديدة كتكريس التآزر والتضامن والاحتفال بالأعياد الدينية والمواسم الفلاحية عن طريق ذبح عدد معين من الحيوانات (ضأن أو بقر) يتناسب مع حجم سكان القرية، لإشاعة الفرح والحبور في أوساطهم. وهناك أنواع عديدة من لوزيعة، فقد يوزع اللحم مجانا على الناس عندما يتبرع البعض بالحيوان أو بمبالغ مالية لشرائها، أو قد يتفق سكان القرية على شراء الحيوانات، وفي هذه الحالة تدفع كل عائلة نصيبا من المال يتناسب مع عدد أسهم اللحم التي تأخذها كل عائلة. وأشار الشيخ السعيد البيباني إلى هذا التنوع في أشكال لوزيعة (الزردة)، لذا لم يرفضها لذاتها، بل رفض بعض أشكالها التي لا تنسجم مع مقاصد الشرع. وهذه مقتطفات من مقاله: “… إلى أهل العلم ورجال الدين، وجماعة أولاد سيدي إبراهيم، المسؤولين عن قريتنا دنيا وأخرى المحترمين.

السلام عليكم وعونه وبركاته. وبعد أيها الإخوة الأفاضل لا داعي للقول بأنكم تعلمون يقينا، بأن كل لوم يوجه إلى أبناء قريتنا أمام الله وأمام العباد، فهو موجه إلينا معشر العلماء قبل كل أحد… هذا وقد بلغني بكل أسف، أن القرية كلها في هذه الأيام في هرج ومرج عن الزردة أو لوزيعة أو لا أدري كيف يسمونها. وكنت ملازما لداري هذه الأيام -كما تعلمون- استرجاعا للراحة، ولكثرة تعبي في الشهور الفارطة، ولا سيما أيام كنت بباريس. ولكوني سئيما من الحديث عن مثل هذه المسائل التي فرغنا منها منذ أمد بعيد.

  ولقد كثر الكلام عليها (لوزيعة) حتى صارت معلومة عند العامة فضلا عن الخاصة، وفي هذين اليومين الأخيرين كثر السؤال عليّ من أبناء القرية عن شان هذه الوزيعة، أيجوز أكلها أم يحرم؟ وإن كانوا كما أظن يعلمون قبل اليوم قولي وقول العلماء في مثل هذه الزردة -كما أظن- أنهم لا يجهلون قول الله في الصدقة ومَن الأحق بها، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المتصدق الذي يعود في صدقته، والتشديد الذي شدد عليه، حتى وصفه بالكلب الذي يعود في قيئه، بل حتى حرم على المتصدق أن يشتري صدقته بماله الخاص…”(6)

     ثم أسهب في التركيز على حق الفقراء في الصدقات دون الأغنياء. وفضّل صرف الأموال التي تجمع، في الأعمال الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع، كبناء المدارس وإرسال البعثات الطلابية إلى الخارج.

    وفي الأخير أقترح أن تكرم هذه الشخصية المتسمة بالتضحية ونكران الذات، التي جمعت بين الفكر الإصلاحي، والنضال السياسي الوطني، بإطلاق اسمه -على الأقل- على مؤسسة تربوية أو ثقافية، وهذا من باب العرفان بما قدمه لوطنه المفدى من خدمات وجلائل الأعمال طيلة حياته، دون أن ينتظر جزاء ولا شكورا.

——————–

 

الهوامش

1-Ali Boutkedjirt, La vie de Cheikh Saïd El-Bibani, ( el_bibani.blogspot.com)

2- محمد الحسن فضلاء، من أعلام  الإصلاح في الجزائر،ج3، منشورات وزارة الثقافة ،2002، ص133

3- البصائر، المجموعة الأولى، السنة الثالثة، العدد 130، بتاريخ 9 سبتمبر 1938.

4- البصائر، المجموعة الأولى، السنة الثالثة، العدد 131، بتاريخ 19 سبتمبر 1938.

5- البصائر، المجموعة الأولى، السنة الثالثة، العدد 139، بتاريخ 11 نوفمبر 1938.

6- البصائر، المجموعة الأولى، السنة الرابعة، العدد 146، بتاريخ 30 ديسمبر 1938.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حقائق تاريخية

    يقول سي فراد : " ... اختير ليكون عضوا ضمن البعثة التي أرسلتها جمعية العلماء إلى باريس سنة 1937، بقيادة فضيل الورثلاني، من أجل تأسيس فروع لها، قصد حماية المهاجرين الجزائريين من خطر الفرنسة ... " ويتجاهل أن جمعية العلماء تشجع على تعليم اللغة الفرنسية وأكثر من ذلك تعتبرها " لغة الأمة " وها هو الدليل والبرهان : جاء في جريدة الصراط الناطقة باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و بتاريخ 23 أكتوبر 1933 : ..نحب لأبنائنا أن يتعلموا اللغة الفرنسية لأنها لغة عالمية و لغة الأمة .

  • ابوسند

    عقبال لليبيا ان شاللة والف مبروك لريسمحمد مرسى ولجميع المصرين