-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حاجتنا إلى علم وثقافة الحوار والتعايش البيني أوّلا!

حاجتنا إلى علم وثقافة الحوار والتعايش البيني أوّلا!

تابعتُ منذ أيام فعاليات افتتاح منتدى الفكر الثقافي الإسلامي، في جلسته الحوارية الأولى، ضمن الجلسة الرمضانية الأولى التي دشنها الأستاذ (بومدين بوزيد) وقدّمها الدكتور (جمال يحياوي) تحت شعار (الحوار والتعايش)، مُزكى بتدخل من وزيرة الثقافة التي دشّنت عهدتَها الوزارية على غير سابقاتها بأمرين عظيمين -مع استخدامها في كلمتها الافتتاحية لمصطلحات أدبية تهويمية كـ(تيمات) في نشاط فكري إسلامي كله جدّ- والأمران العظيمان في نظري هما: (ترميم مائة وخمسين (150) مسجدا تراثيا عبر اثنين وعشرين ولاية)، وثانيهما (إخراج قانون تعميم استعمال اللغة العربية المتدثر بالغبار الاستكباري من تاريخ 16 جوان 1991م وفرض استعماله في وزارة الثقافة). وهما أمران تُحمد عليهما وزيرةٌ قدِمت من (معهد الكراسك) لتخدم العربية والإسلام، فجزاها الله كل خير عن الأمة وهوية ولغة الوطن.

وتنويرا للقائمين على هذا النشاط والذين رفعوا شعارهم (الحوار والتعايش) أحبّ فقط أن ألفت انتباههم إلى أن الشعار المرفوع في غير محله، ولا علاقة له بالسلسة الحوارية من جهة، ولا بالموضوع الذي سمعناه وقرأناه، لأن موضوع ومصطلح الحوار والجدل والمناظرة مادة علمية منضبطة، قد تصبح سلوكا وثقافة، وقد يعجز صاحبُهما عن أن يحوّلهما إلى ثقافة وسلوك كما هو الحال لدى الغرب المتغطرس الذي دمر شعوب وأمم ودول العالم الإسلامي ونهب خيراتهم وأذل شعوبها ودولها، وهو ما نراه اليوم أيضا من صحافة وإعلام وقنوات الكذب والتضليل المنتشرة عبر بقاع الأرض.

أما مصطلح التعايش فهو مصطلح لمساق وفضاء ديني ومعرفي وثقافي وسلوكي وتواصلي وواقعي.. برز بعد استفحال هيمنة الدولة العثمانية على العالم أواخر القرن السادس عشر، وظل ينمو ويتوسع ويتطور منذ قوانين السلطان سليمان القانوني ت 1566م وصولا إلى عهد الرجل المريض والصراع لاجتثاث بقايا وممتلكات الخلافة العثمانية الآيلة للسقوط إلى أن تم إسقاطها نهائيا سنة 1924م. ولكنه عاد بقوة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد أن تآمر المنتصرون (أمريكا، بريطانيا فرنسا) وحلفاؤُهم في الحرب العالمية الثانية ومنحوا فلسطين لليهود يوم 15/05/1948م، وما أن اطمأنوا على دويلة اليهود الغاصبين حتى أصدروا البيان العالمي لحقوق الإنسان يوم 10/12/1948م لحماية اليهود الغاصبين، الذين نشاهد عنجهيتهم وجبروتهم ضد سكان فلسطين العزل. وعليه، فمصطلح “التعايش السلمي” في الأدبيات الإسلامية من خلال وثيقة المدينة المنورة التي دوِّنت بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قانونٌ ووحي نبوي ينظم العلاقة بين المسلمين واليهود والنصارى ومشركي العرب لاحقا، مؤسس بضوابط شرعية وقواعد أصولية قامت عليها دراساتٌ وأبحاث كثيرة تملأ رفوف المكتبة الإسلامية. أما وثيقة مكة التي وردت في موضوع صاحب الحلقة الأولى، فهي وثيقة أعدّها بشرٌ لا يمكنها أن تضاهي وتتجاوز الوحي النبوي مهما أحكمت بنودها، وإن ذهب البعض إلى اعتبارها وثيقة ملزمة، فنحن لا يلزمنا إلاّ وحي الله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا من جهة المصطلحين، أما من جهة الموضوع المطروق من قبل الأستاذ (بومدين بوزيد) فهو موضوعٌ ومضمون وتحت شعار (الحوار والتعايش) نودّ أن ننبه القراء إلى أن المسألة التي تبحث في التعايش بين أمة أو مجتمع مليء بالطوائف (اليهودية، المسيحية، الإيزيديين، العلوية، النصيرية، الإسماعيلية، الدرزية، الصابئة، الآشوريين، عبدة الشيطان، الديصانية..)، وأنا أتساءل هنا: هل توجد طوائف دينية أو عرقية أو إثنية في الجزائر حتى نتعايش؟ وهل توجد طوائف وفرق وشيع حتى نبحث في موضوع التعايش؟

أعتقد أن المسألة في نظري -إن أخذتها بحُسن نية- أنها مجرد قلة اطّلاع وثقافة ومعرفة بخبايا المصطلحات التي اعتدناها فيمن يُعِدّون مثل هذه النشاطات ويسيطرون على مثل هذه الفضاءات الرسمية، بل حتى صياغة القوانين والمراسيم، وأرجو ألا تكون سمّا من سموم معهد (الكراسك)، لأن المصطلح العلمي وتجييراته السياسية والإيديولوجية ليس له سوى تفسير واحد، وهو وجود مجتمع متعدد الأديان والمعتقدات والمِلل والنِّحل.. وأرجو من حكومتنا أن لا تفتح عليها باب جهنم بمصطلح (التعايش)، وأرجو من القائمين على هذا البرنامج أن يدفعوه إلى مراكز وهيئات أخرى وأن يسارعوا بإخراجه من (المركز الثقافي الإسلامي) إلى معهد (الكراسك) مثلا، فغدًا يطلّ بغاث المِلل والنِّحل الغريبة عن ديارنا.. ممن سيقولون: نحن مسيحيون، بل لمَ لا يقولون: نحن يهود أو غيرهم من المِلل والنِّحل والمعتقدات.. وسيفرّقون هذه الأمة باسم المخالفة والحوار والتعايش.. وعليهم أن يقرأوا تاريخ الحروب الصليبية في المشرق وحروب طرد المسلمين ومعهم اليهود من الأندلس ومحاكم التفتيش واحتلال وغزو شواطئ المغرب العربي والعالم الإسلامي.. واستعمار أمريكا وإفريقيا واستعباد الملايين من السود ونقلهم للعبودية في القارة الجديدة، وتحطيم حضارة الأزتيك وإفناء شعوب الهنود الحمر.. ساعتها ستعرفون سياسة التعايش الغربية الجهنّمية القديمة.. وستكتشفون الجديدة.

وإن أسأت الظن -ولكم نحاول أن نحسن الظن- بهؤلاء فأخبركم بموضوع التعايش هذا، هو موضوعٌ تشرف عليه ثلاث دول عربية اثنتان مطبِّعتان والثالثة تحت المحجن، المقصود منه التمهيد للديانة الإبراهيمية، وسبق أن عرضت إحدى هذه الدول قبل ثلاث سنوات (جائزة التعايش الإنساني المشترك)، ورصدت لها جائزة قدرها (50) خمسين ألف دولار موزعة على ثلاث جوائز، وبعد أن قُبل موضوعي ووافقت عليه اللجنة وانطلقتُ في الكتابة مدة أشهر في (التعايش والحوار الإنساني المشترك) من وجهة النظر الإسلامية الصحيحة، جاءني الاعتذار بالخروج من المسابقة والجائزة لأنّ المساهمين في الجائزة يعترضون على اسم (أحمد عيساوي)، فكيف تقيَّد جائزة يُفترض أنها مفتوحة لكل من استوفى الشروط وقُبل مشروع بحثه؟ طبعا وللإفادة فقد ُقبر مشروع هذه الجائزة، لأنها اصطدمت بالسلوكات القمعية والعدوانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل.

ولعلني أنبه هنا إلى أننا نحن الأحوج إلى الحوار البنّاء بيننا نحن الجزائريين، وأننا نحن الأحوج إلى التآخي وحسن الجوار والتواصل بين الأرحام المقطوعة وإلى العدل والمساواة والاحترام والتكريم والتيسير رفع الحرج والتعاطف والتواشج والثقة المفقود بيننا حكومة وشعبا.. والقرآن والسنة زاخران بموضوعات وكيفيات وصيغ وطرق الحوار والمناظرة والجدل والحِجاج.. وكتبُ التراث الإسلامي عامرة بمحاسن ومزلات وآفات المناظرات والجدل.. وما أخشاه أن يكون هذا المنبر غير بريء، بل هو من سموم زيارة وزير الخارجية الأمريكي، لأنها سياسة الغرب الآفل اليوم بعد سقوط وتهاوي العلمانية والعقلانية والعولمة والحداثة وما بعد الحداثة والربيع العربي وتقسيم السودان ومحاولات تفكيك وتفتيت العالم العربي والإسلامي.. وسطوع نجم الإمبراطوريات الناهضة القديمة (روسيا، الصين، الهند، تركيا) التي ستكيل للإمبراطوريات الآفلة من نفس ينابيعها ومكاييلها، فما لنا نحن في صراع الكبار؟ فنحن مع التعايش شريطة أن يُرجِعوا لنا حقوقنا وأراضينا المسلوبة (فلسطين، الصحراء الغربية..)..

ورجائي الأخير أن يطّلع المستشارون وهم يُعِدّون مشروعاتهم اطّلاعا علميا ومعرفيا دقيقا وواسعا وشاملا، فالمصطلح يُخفي تحته ما يخفي، وله تفريعات وتفاصيل وتعريفات ونظريات وفرضيات ابحثوا عنها في ما يكتبه الأصحاء.. وإن كانت لكم رسالة أخرى تريدون من خلالها تقديم شهادة حسن سلوك للغرب الآفل فأرجوكم اغتنموا الفرصة السانحة، وانفضوا غبار التبعية عنا، فلن يستطيع الغرب أن يحجب الشمس عنا، والموضوع يحتاج إلى حبر مديد وقول آخر سديد.. والمهم عندي: أللهم اشهد أني بلّغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!