-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
خرج من عالم الإجرام إلى رحاب القرآن

حادثة أعادت الشاب “مليك” إلى الله

قادة مزيلة
  • 849
  • 0
حادثة أعادت الشاب “مليك” إلى الله
ح.م

لم يكن من السهل البتة الحديث إلى الشاب مليك في موضوع يتعلق بمرحلة عسيرة في حياته، رغم أنها أصبحت من الماضي، كما لم يكن من السهل التطرق لجوانب فترة زمنية امتدت لنحو 20 عاما قضاها في الإدمان والمجون والسرقات والاعتداءات.. والشعور ذاته، أي لم يكن من السهل الحديث عن نقطة التحول من هذه المرحلة إلى فترة جديدة تتسم بالتوبة والعودة إلى الله والسبب في هذا التحول المفاجئ، أقول لم يكن من السهل لأنني كمحاور للشاب كنت متخوفا من ملامسة فترات حساسة من حياته، قد يكون متحفظا على الخوض فيها غير أن المفاجأة أن مليك قال كل شيء عن كل شيء.
كيف لا وهو الذي تطرق إلى تورطه في 12 قضية بين استهلاك وترويج للمخدرات والسرقة والاعتداءات حيث حكم عليه بما مجموعه 23 عاما حبسا، جاب خلالها مختلف المؤسسات العقابية غربا ووسطا وجنوبا، قبل أن تهتدي والدته قيد حياتها رحمها الله إلى طلب ضم العقوبات ليسجن بما مجموعه 8 سنوات في عدة قضايا مختلفة، ليخرج من آخر محكومية له بتوبة نصوح غيرت مجرى حياته 180 درجة.
هي حكاية “مليك. ب” ذي 37 عاما القاطن بولاية معسكر… وفي تفاصيلها.. يقول مليك: “كنت تلميذا أدرس في الطور المتوسط، قبل أن أجد نفسي أدخن السجائر ثم أجرب بطريقة تدريجية تعاطي المخدرات عن طريق رفقاء السوء، الذين كانوا يزينون لي سوء عملي على أنه حسن”. وبما أنني كنت الولد الوحيد لدى عائلتي فقد كان والداي لا يرفضان لي طلبا من ناحية الأموال، إذ كانا يمدانني بكل ما أطلبه من مال على أساس أنني أستغله للدراسة أو البحث أو قضاء ديون أو شراء مستلزمات، غير أنني كنت أوجهها لاقتناء المخدرات”، يضيف مليك، بأن من أساليب رفقاء السوء الذين يدخلونك عالم الإدمان، أنهم يمنحونك المخدرات مجانا، فهم من يقتنونها لك ويشجعونك على استهلاكها.. حتى إذا أدمنت عليها وأصبحت مهووسا بها تتحول إلى فريسة لهذه الرفقة، حيث ما إن يلحظوا إدمانك وحاجتك الملحة لهذه السموم حتى ينسحبوا من تموينك ويصبحوا مستغلين لمالك وجهدك من أجل أن توفرها لهم.. فأنت عليك بالمال وهم باقتناء المخدرات من مصادرهم الخاصة.
يضيف مليك: “مرّت السنون، وضيعت دراستي، بعدما تدحرجت نتائجي الدراسية إلى أدنى مستوياتها، فغادرت مقاعد الدراسة، وموازاة مع ذلك، منع والداي الأموال عني، ولم أكن أجد وقتها ما أشتري به السموم، فتحولت من طفل وديع مجتهد في دراسته إلى شاب مفترس مدمن يقوم بالاعتداء على المواطنين، وسرقة أموالهم وممتلكاتهم لتوفير المال، وفي الوقت ذاته فتح باب السجن على مصراعيه أمامي، فباتت المطاردة والتوقيف من قبل مصالح الأمن بشكل دائم، ما جعلني ألج عدة مؤسسات عقابية في عدة مدن من الوطن في قضايا استهلاك وترويج المخدرات والسرقة والاعتداءات، فبلغ مجموع القضايا التي توبعت فيها 12 قضية، وبلغ مجموع أحكامها 23 عاما«.
يتوقف مليك قليلا، يتأفف ويذرف الدموع، حسرة وأسى على ما أضاعه من زهر شبابه ويكمل حديثه.. توفي والدي وبقيت والدتي تعاني وتتكبد عناء ما جنته يداي.. فالعجوز المجاهدة ورغم كبر سنها وعدم وجود معيل أو معاون لها، فقد ظلت تتنقل بين السجون في الولايات لزيارة وحيدها والاطمئنان عليه… يقول مليك: “كل مرة كنت أغادر فيها السجن إلا وتأمل والدتي أن تكون نهاية مرحلة الغبن، غير أن عنادي وتطبعي على الإجرام يجعلني أزيد للسرعة القصوى، بدليل أنني كنت مستهلكا وأصبحت بعد ذلك متاجرا بالمخدرات” بل زادت طباعي سوءا بالاعتداء على الناس في أجسادهم وممتلكاتهم إذ لم أكن وقتها أبالي ما أفعل وأي جرم اقترفت ومن ضحيتي.. ما يهم سوى جلب المال لاقتناء المخدرات..
يتوقف الشاب، تنهمر الدموع من عينيه، ويكمل قائلا: “جاء اليوم الموعود الذي كنت فيه سجينا بسجن العبادلة بولاية بشار، حيث كانت والدتي تقطع مسافة قرابة 700 كلم من معسكر نحو العبادلة، وذات يوم كنت أنتظر زيارتها لي، غير أنها تخلفت ولم يتم استدعائي ضمن من برمجوا للزيارة يومئذ، وطالت أيام غيبتها عني، وبدأ الخوف يتملكني إلى أن نودي علي في يوم آخر، وقيل إن قد والدتك جاءت لزيارتك فقم إليها.. يضيف مليك: “ما إن لحظت أمي حتى رأيت عليها خدوشات وميول لون وجهها للزرقة، فسألت عن السبب فقالت بأنها تعرضت لحادث مرور قبل أيام على الطريق بين بشار والعبادلة، وهي في طريقها إليه، واستدعى ذلك مكوثها في مستشفى المدينة عدة أيام…
هذا الوجه الشاحب للعجوز حول مجرى حياة الشاب من ولد عاق إلى بار بوالدته.ز وهنا قال مليك: “عدت لقاعة الاحتباس وتوجهت نحو الحمام واغتسلت والدموع لا تكاد تتوقف عن الجريان.. وضعت يدي على المصحف وأقسمت أن لا أعود مرة أخرى لما يغضب الله تعالى ويغضب والدتي ويجرها نحو السجون.. واندمجت في أقسام حفظ وتجويد القرآن الكريم والصلاة والذكر، بينما انهمكت والدته في إجراءات طلب ضم العقوبات، حيث قضى 8 سنوات سجنا على عدة مراحل آخرها حكم خمس سنوات التي خرج منها تائبا.
غادر مليك السجن وحاول الاندماح في المجتمع غير أنه لقي مقاومة من قبل رفقة السوء الذين عادوا إليه مرة أخرى لاستدراجه وإعادته لطريق الاعوجاج، غير أن الشاب الذي دخل السجن مجرما وعاصيا خرج منه تائبا محصنا من أي إغراءات أو استدراج، فالشاب صاحب المصحف ودخل المسجد، والتزم الصلاة وحاول العودة للمجتمع بتحسين علاقاته مع الجميع، بل أكثر من ذلك توجه لبعض من كان سببا في إدمانهم أو الاعتداء عليهم وطلب منهم الصفح والمعذرة عن كل ما اقترفه في حقهم. وتوفيت والدة مليك، وبقي وحيدا لا عائل ولا معيل له.. فرغم خروجه من المؤسسة العقابية بعدة شهادات تكوينية، إلا أنه بقي دون مصدر مال ولا سكن يؤويه.. وبما أن المجتمع لا يخلو من المحسنين والخيرين، فقد كان بعض المسؤولين سببا في حصوله على منصب عمل كعون وقاية وأمن ببلدية معسكر، وهو اليوم مسؤول الأمن بذات الهيئة، ليحصل بعدها على سكن اجتماعي في إطار عملية التوزيع الأخيرة ليقرر بعدها الزواج.
أثنى الشاب مليك على بعض الأشخاص الذين ساعدوه على هذا التحول والذين مكنوه من العودة لأحضان المجتمع من جديد، فقد أصبحت علاقته مع مصالح الأمن وطيدة بعدما كان محل مطاردة من قبلهم، موجها شكره لكل من رئيس بلدية معسكر والأمينة العامة للبلدية والأمين العام للدائرة.. وتوجه بنصيحته لكل شاب لا يزال منحرفا، أن يعود لجادة الصواب وتطليق الإدمان، فهو الضار بكل المقاييس، داعيا الجميع إلى مصاحبة القرآن الكريم لأنه رأى فيه المنجي الوحيد من الوضع الذي كان فيه. كما توجه بطلب العذر والصفح من كل من كان سببا في إيذائه تعنيفا أو سرقة أو بإدخاله للإدمان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!