الرأي

حتى “بابا غنوج”!

جمال لعلامي
  • 946
  • 3
ح.م

أغلب الجزائريين أصبحوا يخافون رمضان والعيدين، ويخافون الدخول المدرسي، ويخشون الأعراس، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.. إنهم يرتجفون عندما يقرؤون أو يسمعون عن قانون المالية، ولا ينامون الليل عندما يتكلم مسؤولو الضرائب والبنوك والخزينة وغيرهم ممّن لهم علاقة مباشرة بالشؤون المادية!
سبب هذا الخوف الأزلي، مصدره الفوضى التي تسيطر على الأسواق، وانهيار القدرة الشرائية، والتهاب الأسعار، فما معنى أن يرفع التجار سعر “بابا غنوج” حتى في رمضان؟ ولماذا يشعل التجار النار في أسعار الملابس كلما اقترب عيد الفطر؟ وكيف تموت الرحمة من قلوب الموالين والوسطاء كلما عاد عيد الأضحى، فأصبح سعر الكبش بسعر الجاموسة؟
من البديهي أن يتسلّل الهلع والفزع إلى دواخل الجزائريين، خاصة الغلابى والزوالية منهم، وهم دون شك الأغلبية المسحوقة، فكيف يتجرّأ تجار على زيادة ما نسبته 40 بالمئة في ملابس العيد؟ وهي نفس النسبة أو أكثر التي عرفتها تعريفة الخضر والفواكه، الظاهرة الفلكلورية التي أضحت متكرّرة كلّ سنة، مع اختلاف الأرقام فقط!
ماذا لو تمّ مثلا حلّ جهاز الرقابة وقمع الغش؟.. قد يقول القائل: “الحالة تسيب”، فإذا كان وضع الأسواق بهذه الوضعية الخادشة، بوجود هؤلاء، كيف ستكون يا ترى من دونهم؟.. أسئلة بلهاء بإجابات حمقاء، لأن ما يجري من تجاوزات وخروقات واستفزازات، تؤكد إلى أن يثبت العكس، أن القانون لم يعد يخيف المتورّطين والمتواطئين!
أسهل تشخيص أن تتهم المستهلكين أو جزءا منهم، بالتسبّب في ما يحصل، وإن كان ذلك حقيقة نسبيا، فإن أطرافا أخرى تبقى الحلقة المفقودة في ما يجري، وهي الرقم الفاعل في معادلة الفوضى التي تسيطر على تجارتنا واستيرادنا وفلاحتنا وأسواقنا واستهلاكنا!
هل يُعقل أن الفلاح يتزاحم في طابور بيع “بطاطا الخنازير” المستوردة؟ هل يُعقل أن يتزاحم الموّال عند الجزار الذي يسوّق اللحوم المجمّدة؟ هل يُعقل أن تتزاحم العجوز عند بائع “المطلوع” و”المحاجب”؟ هل يُعقل أن ينتقل ساكن الأرياف والمناطق الخصبة بالمتيجة وغريها إلى أسواق المدن لملء قفته بالخضر والفواكه؟ هل يُعقل أن تـُنهب المزارع والمستثمرات الفلاحية ويتمّ تحويلها إلى مدن من “البيطون”؟
نعم، القضية يا جماعة الخير معقدة ومتشابكة، ولا تخصّ البائع فقط، أو الأسعار، أو المراقبة، أو أسواق الجملة والتجزئة، ولذلك المطلوب هو البحث عن بدائل سريعة، حتى لا تصبح كلّ الأرض عاقرا، وينقرض كلّ البائعين، ونتحوّل جميعا إلى زبائن نشتري ما لا يجب شراؤه!

مقالات ذات صلة