الرأي

حتّى تكون الانتخابات طريقًا للتغيير

أرشيف

بمجرد الإعلان عن تاريخ 12 جوان المقبل موعدا للاستحقاق البرلماني المرتقب، تحرَّكت المياهُ الراكدة وسط الطبقة السياسية، وظهرت الأحزاب مهتمّة في عمومها بالحدث الانتخابي، مثلما تهافت الكثير من الحالمين بدخول مبنى الغرفة السفلى، خاصة من فئة الشباب وشخصيات نخبويّة.

لكن بالمقابل، لا يمكن إغفال وجود شريحة أخرى من التشكيلات السياسية التي قررت باكرا مقاطعة الانتخابات، ويبدو موقفها مدعومًا كذلك من نشطاء حراكيين رفضوا الانخراط في العملية الانتخابية وفق الظروف القائمة.

وإذا كان من العسير عمليّا تحديد قوة كل طرف إلى غاية إجراء الانتخابات نفسها، لقياس مصداقيتها في الشارع، من خلال نسبة الإقبال الشعبي على صناديق الاقتراع، فإنّ الاستعداد المبكّر للموعد ومثلها التعبئة المسبقة أيضا لإجهاضه، يؤكدان قناعة الجزائريين بأن الطريق السياسي الفعلي يمرّ عبر الانتخابات.

لذلك وجدنا من يُسارع إلى الإعداد لخوض هذه المنافسة النيابية، لاعتقاده أنّها فرصة مهمة لإحداث التغيير وتجسيد أفكاره النضاليّة، كما برَز من يحشُد في الاتجاه المعاكس لإيمانه بأنّ شروط الاستحقاق النزيه غير متوفرة، ما يعني في الحالتين أن الانتخابات هي قطبُ الرحى بين المُختلفين، مع تسليمنا بوجود إرادات أخرى في الجانبين، تحرِّكها نوازع خاصّة ومآرب ضيِّقة.

لكن ذلك لا ينفي البتّة أنّ العملية الانتخابية تبقى وحدها المسار الآمن والأقلّ تكلفة، مقارنة بمسارات بديلة، لتكريس الانتقال الديمقراطي وتحكيم الإرادة الشعبية، كمصدرٍ وحيد للشرعية السياسية لنظام الحكم بكل مؤسّساته الدستوريّة.

إنّ هذا المعطى يفرض صدق الإرادة المشتركة بين السلطة وقوى المجتمع، وتوفير كافة الشروط القانونية والسياسيّة، للذهاب نحو انتخابات مختلفة، تشكل أملاً حقيقيّا في التقدم خطوة أخرى على مسار التغيير المنشود من الجميع.

الظاهر، وفق ردود الفعل، أنّ قانون الانتخابات الجديد لا يحمل ثغرات واضحة قد تشكل منافذ متاحة لتنفيذ جريمة التزوير المعتادة، ولو أنّ المعضلة لم ترتبط يومًا بالنصوص، بل بسطوة اللصوص المحصَّنين من العقاب، الذين طالما كانوا سابقا في خدمة برمجةٍ ممنهجة للانتخابات.

لكنّ القوانين بمفردها ليست ضمانة لتحقيق استحقاق نزيه ومتكافئ الفرص بين جميع المتسابقين، بل يتعلق الشرط الأساسي بتوفر الإرادة الجادّة في تنظيم انتخابات مفتوحة، يعلو فيها صوتُ الشعب وحده، خدمةً للمصلحة الوطنية العليا، بعيدا عن رغبات الأشخاص ومصالح العُصب.

وإذا كانت الإرادة السياسية المعبَّر عنها، ما فتئت تؤكد مرارا على القطيعة مع ممارسات الماضي والتوجُّه إلى إرساء قواعد الجزائر الجديدة، فإنّ الطمأنة تجسِّدها مبادرات فتح الفضاء العامّ بكل مساحاته أمام الفاعلين من مختلف الآراء والاتجاهات.

كما يستوجب الأمر الحياد الكامل في تقرير دعم الدولة المالي للقوائم الشبابيّة الحرّة، حتى لا ننتقل من هيمنة المال الفاسد التي أسقطها النظام الانتخابي المعدّل إلى تحكّم مادّي مقنّن في قواعد اللعبة.

لقد أظهرت حتى الآن مؤشراتُ التفاعل السياسي والشعبي مع الاستحقاق القادم تحمّسا واسعًا لدى أحزاب كثيرة وشرائح مجتمعية واسعة لدخول المشهد الانتخابي، وعلى السلطة أن تقرأ تلك الرسالة قراءة صحيحة في اتجاه حرص الجزائريين على التغيير السلمي وتفويت الفرصة على المصطادين في ظاهرة العزوف العامّة لفرض أجندات خاصّة.

مقالات ذات صلة