-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتّى لا تُسلب أغلى ما تملك

سلطان بركاني
  • 803
  • 0
حتّى لا تُسلب أغلى ما تملك
أرشيف

في يوم الأحد قبل الماضي، أُعلن عن وفاة كاتبة مصرية مشهورة، عمّرت في هذه الدنيا تسعة عقود كاملة، وكانت النّجمة التي تنافست وسائل الإعلام اللاهثة خلف الإثارة على استضافتها، ونالت عدّة جوائز غربية وحظيت بألقاب رنّانة في عالم الدّفاع عن حقوق المرأة بالمنظور الغربيّ، ليس لأنّها حملت فكرا بنّاءً يمكن أن يخدم الأمّة التي نُسبت إليها ويخرجها من دركات التخلّف التي ترزخ فيها، ولكن لأنّها بكلّ بساطة تحلّت بجرأة نادرة قلّ أن يعرف التاريخ لها نظيرا في إعلان الحروب الآثمة على الله ودينه ورسوله، تحت غطاء الدّفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة.

عاشت الكاتبة ما لا يقلّ عن ستّة عقود من عمرها، معلنة الخصومة لخالقها والحرب على دينه، مشكّكة في ثوابت الإسلام وقطعياته، نابذة أحكامه، مناكفة لشرائعه، منافحة عن الشّذوذ والعري والفساد، وماتت ولم يُعلم أنّها تزحزحت عن مواقفها قيد أنملة؛ أنكرت على الخالق سبحانه أنّه قال: ((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ)) ولم يقل “قل هي الله أحد”!!! واتّهمته –جلّ وعلا- بالانحياز ضدّ المرأة، واتّهمت كتابه الخاتم ودينه بالعنصرية، ودافعت عن إبليس، وحاربت الحجاب، وأنكرت سكرة الموت والحياة بعده، وتبنّت من الأقوال والمواقف ما يكفي واحد منها للحكم بمروقها من الإسلام.

هذه الكاتبة، قد أفضت إلى ما قدّمت، وحسابها عند خالقها، لكنّ مسيرتها ينبغي أن تكون درسا لكلّ من يبالغ في الاعتداد والثّقة بنفسه ويتّبع هواها في حبّ التصدّر والشّهرة، ويصغي بسمعه وقلبه لصوت الباطل ويغامر بدينه.. هذه الكاتبة عندما كانت في العشرينات من عمرها في خمسينات القرن الماضي، كانت داعية ترتدي الحجاب الواسع في وقت كان فيه الحجاب نادرا، وافتتحت مسجدا في كلية الطبّ التي تدرس فيها، وكانت تؤم الطالبات في الصلاة، وتلقي الكلمات التوجيهية في المناسبات الإسلامية وفي الحفلات.. لكنّها –مع ذلك- كانت كثيرة الزّهو والاعتداد بنفسها.. تزوّجت بعد تخرّجها من الكلية رجلا لم تمكث معه أكثر من سنتين لتنفصل عنه، ثمّ تزوّجت رجلا آخر ولم تلبث معه سنتين حتى فارقته هو الآخر، لتتزوّج في المرّة الثالثة رجلا يساريا ماركسيا نشأ في حجر أمّ إنجليزية وفي كنف أب إقطاعي تعلّم تعليما غربيا.. تزوّجت الكاتبة بالرّجل الماركسيّ، فأثّر في فكرها وفي نظرتها للدّين والحياة، فكان ذلك من أهمّ أسباب نكوصها على عقبيها، لتصبح ناشطة في مجال حقوق المرأة وفق المنظور الغربيّ، ثمّ أخذت زاوية الانحراف في فكرها تتّسع شيئا فشيئا؛ من انتقاد المسلمين، إلى انتقاد الدّين، إلى محاكمة القرآن الكريم والنبيّ الأمين، ليصل بها الأمر إلى حدّ الإساءة إلى الخالق جلّ في علاه..

وخلال هذا المشوار كانت الأعين الحاقدة في الغرب تؤزّها وتشجّعها وتوجّه إليها الأضواء، رغم ضحالة فكرها وركاكة أسلوبها.. تلقّت عروضا من جامعات أمريكيّة وفرنسية، وحازت جوائز من جهات غربية عدّة، ليس لأنّها أثْرت الثقافة العالمية بشيء يستحقّ الإشادة والتكريم، ولكن لأنّها حاربت الحجاب والعفاف ودافعت عن العري والشّذوذ، وأزرت بالدّين وخاصمت الإله، وظلّت سادرة في غيّها معتزّة بإثمها حتّى توفيت يوم الأحد قبل الماضي، تاركة خلفها مئات اللقاءات التلفزيونية التي تجرّأت فيها على الله وكتابه ورسوله، إضافة إلى أكثر من 40 كتابا في الدّعوة إلى التمرّد على الدّين والاستهزاء بأحكامه، يستحي المسلم من ذكر عناوين بعضها، بعد أن أوصت في آخر وصاياها بألا تقام لها جنازة وأن يقتصر الحضور على أولادها وبعض المقربين منها.. عاشت تلهث خلف الشّهرة، فنالتها، ولكنّها دفنت كما يدفن المغمورون، والأنكى من ذلك أنّها دفنت لتحاسب وحيدة في قبرها: ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُون)).

يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ

لعلّ أوّل درس يحسن الوقوف عنده في مسيرة هذه الكاتبة، هو رسالة أولى ينبغي أن تصل إلى الآباء أن يتّقوا الله في بناتهم ولا يزوّجوهنّ إلا بالصّالحين الذين يأخذون بأيديهنّ إلى ما يحبّه الله ويرضاه، ورسالة ثانية ينبغي أن تصل إلى الفتيات المسلمات ألا تفتنهنّ الدّنيا وتسلبهنّ المظاهر، فيتزوّجن من يأخذ بأيديهنّ إلى ما يسخط الله.. ليكنِ المعيار الأوّل والأهمّ في اختيار شريك العمر هو الدّين والصّلاح؛ فكم من فتاة مسلمة كان حلمها أسرة تبنى على تقوى من الله ورضوان، تساهلت في شرط الدّين، وأقنعت نفسها بأنّها ستأخذ بيد شريكها إلى حيث تريد وتتمنّى، لكنّه أخذها إلى طريقه، فنسيت حلمها وأصبحت غاية أمانيها أن تكسب ما تفاخر به القرينات، وربّما وصل بها الأمر إلى حدّ التذمّر من أحكام الدّين!.. ورسالة ثالثة إلى الشّباب ألا يفتنهم جمال الصّورة عن الاهتمام بالدّين والخلق، فكم من شابّ كان يحلم بأسرة مسلمة يسعد بها في الدّنيا والآخرة، تحوّل حلمه بعد الزّواج بسبب تهاونه في معيار الدّين إلى لحظة يلين فيها قلبه وتصفو روحه!

لا تغامر بدينك وأنت الذي تجهل دلائل أحقيته

ثاني الدّروس التي ينبغي أن تستخلص من مسيرة الكاتبة المصرية، أنّ الدّين ينبغي أن يظلّ أغلى ما يملكه المسلم في هذه الدّنيا، وأنّه ينبغي أن يحافظ عليه ولا يغامر به..

كثير من إخواننا الشّباب تجد الواحد منهم يصلّي مع المصلّين ويحبّ الله ودينه ورسوله، لكنّه مع تثاقله في عبادته وميله إلى الشّهوات من حين إلى آخر، يعتدّ بنفسه ويلقي بسمعه وقلبه لهؤلاء المفتونين الذين انتدبوا أنفسهم أو انتُدبوا لإثارة الشّبهات على دين الله، يعتدّ بنفسه وهو الذي لا علم له بدين الله ودلائل أحقيته ولم يفتح موقعا أو صفحة من المواقع والصّفحات المتخصّصة في الردّ على الشّبهات المثارة على دين الله الحقّ، فلا يلبث حتى تملأ الشّكوك قلبه، وبدلاً من أن يبحث عن إجابات لما حيّره، ينحرف عن دين الله ويصبح معلقا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ثمّ لا يلبث طويلا حتى يترك الصّلاة، ويبدأ في الاستهزاء بشعائر الدّين بحجّة أنّها ليست من الدّين، وببعض نصوص الوحي بحجّة أنّ المسلمين لم يفهموا معناها الحقيقيّ لأنّهم قطيع من الأتباع الجاهلين المقلّدين! ولأنّهم من أمّة ضحكت من جهلها الأمم! إلى آخر ما هنالك من العبارات التي يردّدها ويكتبها بمناسبة ومن دون مناسبة ويختمها بالمعزوفة المشهورة “ههههه”.. يحسب أنّه على شيء، وأنّه قد اكتشف ما لم يكتشفه غيره، وهكذا يظلّ مكبّا على مواقع ومقاطع الشهوات والشبهات حتى يعلو قلبَه الرّان، فلا تنفع معه موعظة ولا يكفّه ردّ علميّ رصين ((كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا)).. يتّخذ هواه إلها لا يخالف أمره ولا يحيد عن إشارته، فيُختم على قلبه وعلى بصيرته، ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُون))، وربّما إن لم يتداركه ربّه برحمته، تكون عاقبته تلك الآية المخيفة: ((وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)).

ألا فلتحذروا إخواني الشّباب، يا من يستهويكم الإبحار في عالم الإنترنت، ويعجبكم كلّ جديد برّاق.. الغوص في البحر من دون عُدّة غوص ينتهي بالمغامر إلى الهلاك، وهكذا من يغامر بدينه ويرتمي في بحر الشّبهات من دون عُدّة من علم وتقوى، قد يفقد أعزّ ما يملك في هذه الدّنيا.. حجج الباطل أوهى من خيوط العنكبوت، لكن لمن أرسى لنفسه قواعد متينة في دلائل الحقّ السّاطعة وحججه الباهرة.. مرض الشّبهات ليس مرضا فتاكا لمن يمتلك مناعة كافية ضدّه، لكنّه يصبح قاتلا لمن أهمل مناعته الدينيّة وأغرته الدّعوات البرّاقة التي تُلقى على غير أهلها، من قبيل: “اقرأ لكلّ الأطراف حتّى تعرف الحقيقة.. تجرّد من قناعاتك المسبقة قبل أن تبدأ البحث…”.

المواقع والصفحات والقنوات الدعوية المتخصّصة في الردّ على الشّبهات، أكثر من أن تعدّ أو تحصى، فانفضوا عنكم غبار الكسل وتعلّموا ما تحفظون به دينكم، واسألوا قبل أن تتبنّوا وتعتقدوا.. كثيرة هي الدّعاوى التي ظاهرها برّاق وباطنها ليل حالك، يخالها الجاهل حقا، لكنّها عند صاحب العلم جهل مطبق وباطل محض.. فتعلّموا -إخواني الشّباب- ولا يكوننّ أحدكم كالإسفنجة يتشرّب ما يقع فيه، أو كذنب الدّيك يميل مع كلّ ريح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!