-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حذارِ.. ابن باديس خط أحمر!

حذارِ.. ابن باديس خط أحمر!

من الطبيعي، أن تثير واقعة سحب كتاب “العقائد الإسلامية”، للإمام عبد الحميد بن باديس، الغضب الشعبي وتساؤلات النخبة وحتى الارتياب من السلوك المشبوه، لمكانة صاحبه في الذاكرة الوطنية. ومثله أيضا، سحب رسالة “الشرك ومظاهره”، للشيخ مبارك الميلي، لأنّ ميراث الرجلين من مناهل المرجعية الدينيّة.

نحن واثقون تماما من كون حادثة منع الكتابين من التداول في معرض الكتاب الأخير ليست فعلا ممنهجا بإرادة عليا، وإن كان مدانا بشدّة، إذ لا مصلحة وراء التورط في مثل هذا الموقف المحرج، بل هو مناقض بشكل صارخ للتوجُّهات المعبَّر عنها وممارسات الدولة في أعلى مستوياتها.

قد يكون التصرف صادرا عن أعوان مبرمجين، وربما وقع تحت ملابسات أخرى غير معلنة، خاصة بعد ورود الأصداء عن كتاب غير أصلي بنفس العنوان، مع إضافات وتعليقات من آخرين نصّبوا أنفسهم شُرّاحا لمقصود ابن باديس.

إنّ محتوى المادة العاشرة من المرسوم التنفيذي (2878/03) المحدِّد لأنواع الكتب الممنوعة من العرض واضحٌ ولا يحتمل التأويل أو التعليل في ما يتعلق بما حدث مع كتب الشيخين ابن باديس والميلي، فقد نصّ حرفيّا على منع المؤلفات التي “تمجد الإرهاب والعنصرية والجريمة”، وتلك التي تشكّل “مساسا بالوحدة الوطنية والأمن والوحدة الترابية وعناصر الهوية الوطنية”، إلى جانب ما يمثل مساسا “بالأخلاق والآداب العامة أو الإساءة إلى الله والرسل”.

فهل يمكن لمن تصرّف بجهل أو حماقة أو عداوة أو بالوكالة تجاه ميراث أعلام الجزائر الكبار أن يبرّر سلوكه المشين تحت طائلة القانون المذكور؟ أمّ إنّ ثمّة دوافعَ أخرى لا يعلمها الرأي العام أو أخطاء تنظيمية بدائية أو تصفية حسابات؟

طالما لم تفصح إدارة المعرض والجهات الرقابية بها عن خلفيات ما جرى، فمن حقّ الجميع طرْح كل السيناريوهات بل توقّع أكثرها تشاؤمًا، لأنّ تجاهل القائمين على التظاهرة الثقافية لتفسير القضية يؤشر في حد ذاته عن استخفاف بالأمر وعدم تقدير لخطورة ما أقدموا عليه، مع أنهم قد يملكون من المسوغات ما يجعل الخطأ محلّ تفهّم.

لذلك، نتفق مع من يطالب بكشف كل التفاصيل، لأن ميراث ابن باديس خط أحمر، ولا يكفي تبرير سحب الكتاب بالخطإ، ومجرد الاعتذار إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فقد كان من واجب إدارة المعرض كشف كل ملابسات ما جرى، تجلية للحقيقة ودفعًا لشبهة الاستهداف، وهو ما لم تتحمل فيه حتى الآن الجهة الوصيّة على التنظيم مسؤوليتها القانونية والأخلاقيّة.

وإذا ثبتت سلامة تصرُّفها فقد برئت ذمَّتُها، وفي حال العكس، فقد وجب الحساب والعقاب في حقّ المتعدين على رموز الهوية الوطنية والدينية، لكن من غير المقبول اختتام التظاهرة دون أيّ توضيح كاف بخصوص الحادثة، كأنّ الأمر يتعلّق بقاموس أو كتاب شبه مدرسي.

إنّ مما يثير الشكوك حول الواقعة المستهجنة، بروز الكيل بمكيالين في تطبيق قواعد الرقابة على معروضات تظاهرة 2022، فلا يَخفى على أحد أنّ هناك حساسيّة مفرطة تجاه الأعمال الدينيّة، مقابل التساهل مع الأفكار المسيئة إلى الإسلام باسم الحداثة والتنوير، بل حتّى تلك الكتب المدرَجة سياسيّا ضمن خانة الرفض الرسمي تجد طريقها إلى الجمهور.

طبعا، لسنا مع التضييق على الإبداع والفكر الحرّ، طالما لم يطعن في المقدَّسات القطعية وعناصر الهوية الوطنيّة، ولا ندعو إطلاقا إلى مصادرة الكتاب، لكن تلك السلوكات التمييزية تفرض التساؤل الموضوعي: ماذا يعني السماح لكثير من الكتب المثيرة من عناوينها وهويّة أصحابها، على غرار “إسلامي حريتي” و”نساء الرسول” و”أيام محمد الأخيرة” و”الخلفاء الملعونون” و”حياتي ضدّ القرآن” وسواها، مقابل ملاحقة الكتب الدينية باسم محاربة الغلوّ الفكرّي والعقدي والفقهي؟

إنّ التطرّف ملّة واحدة، والنزاهة في محاصرته تقتضي التعامل بندّية ومقاييس واحدة مع كل روافده الدينية والإلحاديّة و”الحداثيّة”، فهو يتغذّى من بعضه البعض، ومحاولة حصره في اتجاه واحد تفضح النيّات الخفيّة والإرادات المبيّتة.

من الواضح تماما، وهو ما تؤكده القرائن والأصداء الموثوقة، أنّ هناك تيارا تغريبيا فرنكوفيليا يسعى إلى أدلجة الثقافة الوطنيّة وفق أجنداته الخاصّة، مسخّرا في ذلك مؤسسات الدولة الجزائرية ومالها وأعوانها العموميين، وهذا أمرٌ خطير ينبغي ألا تغفل عنه السلطات العليا في البلاد.

لا يمكن محاسبة الوزيرة، صورية مولوجي، بهذا الخصوص، باعتبارها وافدة جديدة على الثقافة، لكنها حتما ستكون مسؤولة عن تفكيك هذه التحديات لإبقاء القطاع في خدمة الهوية الوطنيّة، مثلما يستوجب الوضع يقظة مصالح رئاسة الجمهوريّة، لأنّ الجزائر التي تجتهد في تكريس مرجعيتها ضدّ الأفكار الدخيلة والهدّامة، ولا يمكن أن تتخذ الأقليات الأيديولوجية مؤسساتها مطيّة لتنفيذ مخططاتها الضيّقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!