الرأي

“حرب” الانتخابات.. تكون أو لا تكون؟

حسان زهار
  • 1253
  • 9
ح.م

أن ترفض الانتخابات فهذا من حقك، لكن أن تمنعها بالقوة، كما صرح بذلك بعض الناشطين، فهنا المشكلة.

المعركة الكبرى التي ستدور رحاها في الأيام والأسابيع المقبلة، ستكون حول إجراء الانتخابات، بين سلطة ومعها جزء واسع من الشعب تريد “تمرير” هذه الانتخابات، مهما كان الثمن، لإنقاذ الجزائر من خطر الفراغ والذهاب إلى المجهول.. ومعارضة لا أحد يدري حجمها الحقيقي، وسط الصياح والصراخ الذي تتركه خلفها، أعلنت وهدد رموزها بأنهم “سيمنعون” هذه الانتخابات بكل الوسائل بما في ذلك استعمال القوة.

هنا، نكون أمام منعرج خطير وصعب، لأن زمن “المهادنة” على ما يبدو بدأ يتراجع، وإذا ما تم استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر أو بعدها بأيام، فإن مرحلة جديدة من الصراع ستفتح، قد لا يكون بالضرورة بـ”السلمية” التي شهدتها فعاليات حراك الشعب طوال الشهور الماضية، لأننا باختصار بدأنا ندخل مرحلة الحسم و”كسر العظم”.

“المعارضة” التي تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، ضد ما تسميه “انتخابات العصابات”، وترفع من سقف التخوين، كما لو أن أطرافا منها تبدو “مدفوعة الأجر”، يبدو أنها تمتلك مخططا متكاملا لإجهاض الانتخابات، ليس عبر “العصيان المدني” الموعود فقط، وإنما عبر منع العملية الانتخابية في حد ذاتها، خاصة في ولايات بعينها، ومنع الحملات الانتخابية، بذات الطريقة “الخشنة” في مطاردة وطرد أنصار الحل الدستوري من داخل الحراك.

بالنسبة لهذه المعارضة، التي تتصدرها أقلية أيديولوجية معروفة التوجه، فإن منع الانتخابات هو بالنسبة لها قضية حياة أو موت، وأن سيناريو التصعيد بالنسبة لها مفتوح على مصراعيه، بما في ذلك استخدام العنف.

في المقابل، ترتفع النبرة بشكل غير مسبوق، ضد من سموا بـ”الشرذمة” الضالة، ورفع التحدي بأن الانتخابات سوف تجرى في آجالها المحددة “رغم أنف هذه الشرذمة القليلة الباغية”، وأن مشاركة الشعب ستكون قوية ومكثفة.

وهنا يمكن قراءة عملية بدء اعتقال وتوقيف بعض الناشطين، من أمثال طابو، الذين هددوا بمنع إجراء الانتخابات بأي طريقة، هو رد على هذه التهديدات بالتعطيل، وربما على مخططات خطيرة، تم كشفها في هذا الصدد، وتملك الجهات الأمنية تفاصيلها.

والمثير هنا، أن الانتخابات التي هي من المفروض وسيلة وأداة لإضفاء الشرعية على السلطة، تحولت إلى غاية في حد ذاتها، سواء لدى المعارضة أم السلطة، وهنا يكمن الخطر، لأن الانتخابات في مثل هذه الحالات “الحدية” من الصراع، قد تفقد قدرتها على حسم الصراعات والتجاذبات السياسية بطرق سلمية، ما يهدد بانزلاق الأوضاع إلى دائرة العنف، وإلى دوائر حمراء، ظل الجميع يتحاشاها سلطة ومعارضة، لإدراك الجميع أن هذا هو بالضبط ما تنتظره القوى الدولية المعادية المتربصة، حتى يتم إلحاق الجزائر بمشروع الفوضى والتخريب الذي ضرب عددا كبيرا من الدول العربية.

لقد تم إسقاط أو إجهاض انتخابات الرئاسة ليوم 4 جويلية، وقد كان ذلك أمرا مفهوما، وحتى السلطة كانت مدركة وقتها لصعوبة تمريرها، لعدم توفر شروط الشفافية اللازمة لإجرائها، لكن اليوم، وبعد مرور كل هذا الوقت الثمين، والقبول بتعديل قانون الانتخابات، وإنشاء السلطة العليا للانتخابات، وإبعاد الإدارة والداخلية والسلطات المحلية عن العملية، يكون الوضع قد اختلف تماما، ومعها تصبح فكرة القبول بتعطيل الانتخابات مرة أخرى، فكرة بائسة، بل وعدمية، تنطوي على مخاطر كبيرة.

المشكلة الآن.. أن الرافضين للانتخابات يريدون ممارسة وصاية من نوع خاص على الشعب، بدعوى أنهم هم الشعب.

بينما المنطق يقول إن ترك الناس أحرارا في اختياراتهم، هو من سيحدد من هو الشعب ومن هي “الشرذمة”.. فالإقبال الشعبي على الانتخابات المقبلة، لن تحدده فقط النسب المعلنة، بل ستكشف عنه طوابير الناخبين على صناديق الاقتراع، وهذا أمر لن تقدر على تزييفه لا السلطة ولا وسائل الإعلام.

أما منع الشعب من ممارسة حقه في الانتخاب، بدعوى أنه “ما يعرفش صلاحو”، فهذه وصاية أيضا من نوع جديد، سيتصدى لها الشعب قبل أن تتصدى لها السلطة والقوى الأمنية.

مقالات ذات صلة