-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرب الصورة في غزة

عمار يزلي
  • 196
  • 0
حرب الصورة في غزة

الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ليست فقط حرب إبادة وتجويع وترويع وتشريد وتصفية، بل هي أيضا حرب سردية ورواية، فشل فيها الكيان الصهيوني فيما نجح في القتل والتنكيل والتدمير. فشله المزوج العسكري والسردي، هو ما دفعه إلى أن يدفع بكل ما يملك من سلاح، إن بقي هناك سلاح لم يجرّبه، طمعا في القضاء على شوكة غزة في خاصرته، ومنه التمادي والإمعان في الإبادة بلا حسيب ولا رقيب ولا رادع، في ظل استحكام القوة في أيدي الداعمين الرئيسيين والمشاركين في العملية برمّتها منذ بدايتها.

رئيس وزراء الكيان وزمرته الفاشية التي فشلت في 7 أكتوبر وقبله، استخباراتيا وسياسيا وعسكريا، تتمسك اليوم بالحل العسكري الاجتثاثي مهما بلغ ثمن قتلاهم وخسارتهم الاقتصادية والمادية في الجنوب والشمال، ومهما كلّفهم ذلك من تمرد جزء كبير من الرأي العام، لاسيما شعوب الدول الداعمة تاريخيا للكيان، الطفل المدلل للغرب الاستعماري. هذه الزمرة الحاكمة اليوم، ترى في عدوانها على غزة والضفة عنوانا لخلاص “أخير” من التهديد الوجودي للكيان الذي أصبح مطروحا حتى على مستوى كبريات المخابر الاستخباراتية في  الولايات المتحدة والغرب. إنها تسوّق اليوم سردية “الدفاع عن النفس” كحالة دفاع عن وجود لا حدود، لهذا فهي ترفض حتى ما يسمى “حل الدولتين”.

غير أن القارئ لخلفيات هذا التمادي وهذه الغطرسة التي يستقوي بها الكيان ممثلا خاصة في رئيس وزرائه ووزير حربه ورئيس أركانه، إنما هو ربط وجود الكيان بوجودهما على رأس هذا الكيان مزعزع الأركان، بمعنى أن نتن ياهو يرى أن مستقبل الكيان برمته إنما هو مستقبله الشخصي، كونه يرى نفسه المخلّص الأخير والرجل الأقوى حاليا على تمثيل وتمثّل هذا الكيان المترهّل من الداخل المهزوم خارجيا وداخليا، وأن زواله هو زوال الكيان. إنه يتقمص دور الزعيم المخلّص الذي إن هوى، هوت معه أركان كيانه، والكل يعلم أن إيقاف وقف إطلاق النار اليوم في هذه الظروف يمثل هزيمة نكراء له ولكيانه ونظامه وبداية سقوط مدوٍ لهذا الكيان من خلال الانقسامات الداخلية المتتالية والتي ستتفاقم بعد العدوان وتنكشف الأوراق ويكون مصير النظام القائم المحاكمات والسجن بلا ريب، فيما يكون على الولايات المتحدة وداعمي الكيان التقليديين في الغرب العالمي، الإسراع إلى ترميم الصدع مخافة انهيار صرح الكيان الرملي.

هذا التفسير السيكولوجي لما يدفع برئيس وزراء الكيان إلى المضي قدما في التقتيل والتجويع والإبادة والقضاء على كل مقومات الحياة في غزة، هو تعبير عن التعطش الدموي إلى الانتقام الأعمى المتوحش الذي تمتشقه معظم الطوائف الصهيونية من اليمين ويمين الوسط المتدينين منهم ومن يسمّون الليبراليين وحتى اليساريين منهم إن بقي هناك يسار في هذا الكيان الموغل في العنصرية.

فشل الكيان في الإبقاء مطولا على سرديته القديمة سائدة مسودة في الغرب العالمي وأمريكا بالذات، قابله من الجهة الأخرى نجاح منقطع النظير للمقاومة في استثمار تكنولوجيا الصورة والتصوير الحربي والقذف به في وجه الكيان والعالم المتحضّر الداعم للكيان، لتشكّل بها سلاحا لم يسبق له مثيل في حروب المنطقة: لقد تمكّنت المقاومة من الاستبسال ميدانيا ولكن أيضا من الاستبسال إعلاميا عبر الفيديوهات والإعلام الحربي المصوّر الذي لم يفلح فيه الكيان، بل وفشل فيه فشلا مريعا وخسر معركة السردية بامتياز.

اليوم، نشاهد كيف أن المقاومة في غزة تقوم بأروع التسجيلات الميدانية لن يتمكّن أي مخرج من إخراجها على النحو الذي يقدّم وبوسائل بسيطة.. كونها واقعية ومقنعة وذات مصداقية لسردية صادقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!