-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرقُ المصحف ولعبة الثور الإسباني!

حرقُ المصحف ولعبة الثور الإسباني!

مرة أخرى ولن تكون الأخيرة، يفعلها التطرُّفُ الغربي الحاقد على الإسلام، بسلوك همجي أرعن موروث من عصر الحروب الدينية الأوروبيّة الطاحنة، وهو يُقبل على جريمة حرق المصحف الشريف في السويد، في فعل مشين لاستفزاز المسلمين عبر العالم، وهو بلا شكّ يعكس خطورة التيار الشّعوبي المتطرف على الإنسانية في بلاده وخارجها.

ينبغي أن نسجّل أولا تجريم ما أقدمت عليه السلطات السويدية بإصدارها قرارا إداريّا يسمح لزعيم حزب الخط المتشدد، الدانماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان، باقتراف هذه الجريمة الأخلاقيّة أمام مبنى السفارة التركية في ستوكهولم، وعلى جميع الدول الإسلامية التي تعبّر فعلا عن إرادة شعوبها أن يكون لها ردّ فعل دبلوماسيّ قويّ، يضع السويد أمام مسؤوليته السياسيّة تجاه الأفعال المسيئة لمقدسات المسلمين، وإلا وجب محاصرة مصالحها الاقتصادية بكل الآليات الممكنة، لأنّ قبول الدنيّة في الدين ليس من شيم المسلم الحرّ، خاصّة أنّ هذا التصرّف الشيطاني متكرّر منذ عام 2017 على يد السّفيه نفسه.

وإذا كان الغرب يعتبر تلك الأفعال العدوانية الخسيسة في حق مقدسات المسلمين العقديّة ورموزهم الدينية من قبيل “حرية التعبير” المطلقة، فهو كاذب، لأنّ للحرية مفاهيمَ ومستويات وضوابط تقيد ممارستها، ولا يمكن اتخاذها ذريعة للمساس بمعتقدات الآخرين وازدرائها ونشر الكراهية، مع إلزامية التفريق بين حق الاعتقاد وحرية التعبير تجاه الأديان، إذ لا يزعجنا إطلاقًا أن يعتقد الآخر أنّ ديننا خرافة ولا نحمله على التصديق به، لكن ذلك لا يبرّر له أبدا سبّ ملّتنا أو شتم نبيّنا، ولا نحن كشعوب وحكومات مسلمة نرضى بالإهانة.

في ثقافة الغربيين أنفسهم يسود موقفٌ بخصوص حرية التعبير، إذ يوجب أن “تكون مقدسة ما لم تبدأ بتحقير الغير، والسعي لإهانتهم، والنيل من سمعتهم ومعتقداتهم، وإلا تحوّلت إلى خطاب كراهية”، لكن النفاق الرسمي يتستر على الجريمة عندما تتعلق بالدوس على حقوق المسلمين، بينما يصطف وراء تجريم ما يُسمّى “معاداة الساميّة”، تعاطفا مع الصهيونية العالميّة، وبسببها زجّت فرنسا بفيلسوف من وزن رجاء غارودي في الحبس، فقط لإنكاره واقعة الهولوكست.

بالمقابل، إذا كنا ندين مبدئيًّا الإساءة إلى الإسلام ونؤكد على العقوبات ضد مقترفيها من الأفراد والشعوب، فإنه ينبغي التحذير من الوقوع في فخ لعبة الثور الإسلامي التي نبّه إليها المفكر الكبير، مالك بن نبي، رحمه الله، قبل نصف قرن، لكن خطط الحرب النفسية لأعداء المسلمين لم تتغير في شيء، بل ظلت تكرر نفسها ولو بأشكال مختلفة.

لقد أثار بن نبي في كتابه “الصراع الفكري في البلاد المُستَعمَرة” مسألة تلهية الغرب للجماهير المسلمة بلعبة الثور الإسباني، مشيرا هنا إلى تلويح اللاعب الإسباني بالقماشة الحمراء في وجه الثور لتثور ثائرته في ملاحقة القماشة دون أن ينال منها، قبل أن تهون قواه ويسقط على الأرض.

ويشرح بن نبيّ أن خبراء الغرب يطبّقون على المسلمين نظرية “الاستجابة الشرطية” لإيفان بافلوف، وخلاصتها “وضع الإنسان في ظروف تجعل ردوده آليةً”، وقد حدث ذلك عمليّا أكثر من مرّة خلال العشرين سنة الأخيرة، عبر مظاهرات حاشدة، انزلقت أحيانا إلى العنف، ثم تفرّقت بعد تنفيس شحنات الغضب والعاطفة الهائجة من دون حسم المعركة الحقيقية.

لا يعني هذا التحذيرُ الاستخفافَ بأهمية الفعل الاحتجاجي السلمي، لأن من يُستغضب ولا يغضب فهو حمار، أكرمكم الله، بل نريد التوجيه إلى التركيز على المشاريع الرائدة التي تغرس القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهّرة في مجتمعاتنا الإسلامية، تعلّمًا وقيمًا وسلوكًا في حياتنا اليومية، وذلك هو أكبر دفاع عنهما أمام الآخرين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!