-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حركة الرمال المتحركة

عمار يزلي
  • 1128
  • 0
حركة الرمال المتحركة

تتوالى انتكاسات التواجد الفرنسي في دول الساحل تباعا، وتتعدد معها الإخفاقات الأمنية في هذه المنطقة التي تشهد توترات أمنية منذ عقود بسبب التاريخ الاستعماري وما بعده وما خلفه من فوضى وفساد واضطراب سياسي يكاد يعصف بالقارة كلها.

أخيرا، يقرِّر الرئيس الفرنسي سحب قواته من النيجر والتي تعد بنحو 1500 جندي، إضافة إلى الإذعان أخيرا بسحب سفيره هناك، بعد قرار السلطة الانتقالية في النيجر سحب اعتماده ومطالبته بمغادرة التراب النَّيْجَري.

هذا الطلب الذي كان قد قوبل سابقا، برفض قاطع من فرنسا، متذرعة بأنها لا تنصت لسلطة غير شرعية ولا تعترف إلا بشرعية الرئيس المعزول محمد بازوم، الذي بقيت تطالب بعودته إلى كرسي الرئاسة تحت التهديد والوعيد بالتدخل العسكري عبر دول “إيكواس” والعقوبات الاقتصادية. صوت لم يُسمع، وبقي السفير الفرنسي محاصَرا، معزولا، ولم يستجب لطلب التدخل العسكري حتى الرئيس المعزول محمد بازوم، الذي يطالب بعودته عبر محكمة “إيكواس”.

وضعٌ كان على شفا جرف من حرب لا تبقي ولا تذر، تلتهم نيرانُها سنوات وعقودا أخرى المنطقة برمَّـتها، لولا تدخُّل عقلاء القارة الإفريقية والتدخل القوي من أول يوم للديبلوماسية الجزائرية من أجل تفكيك القنبلة الموقوتة وطرد شبح التدخل العسكري الذي كانت تلوح به دول “إيكواس” بإيعاز من فرنسا.

نجحت الجزائر في تجنيب إشعال المنطقة لأجل عيون فرنسا ونفوذها ومصالحها التي تطغى على كل شيء في هذا البلد والمنطقة ككل، وتمكَّنت الجزائر من تفعيل الدور الديبلوماسي، وتحقيق انفراج قد يؤتي أكله على الطريقة المالية، وسياسة الحوار السياسية بين الفرقاء والعودة إلى المسار الديمقراطي عبر انتخابات نزيهة وشفَّافة تضمن الاستقرار للشعب النيْجَري وفي مالي وبوركينا فاسو وغيرها من الدول التي تعاني الانقسامات والفوضى والحروب الأهلية والإرهاب الذي يتمدد كل يوم في المنطقة.

إعلان ماكرون سحب قواته قبل نهاية السنة، وسحب سفيره من النيجر ووقف التعاون العسكري بشأن محاربة الإرهاب في النيجر ومنطقة الساحل، هو إذعانٌ للوضع القائم، واعتراف بعجزها عن تدخل عسكري بأيد إفريقية، لرفض معظم الدول فيها بما فيها الاتحاد الإفريقي وبمن فيها الرئيس المعزول وحزبه، غير أن فرنسا المعروفة برفضها القاطع للتخلي عن مستعمراتها القديمة لما تجنيه وتسلبه من خيرات ومقدرات وعوائد نفعية على حساب البلدان الإفريقية، لن تتوانى يوما في تأليب القوى المناوئة من معارضة ومعارضة مسلحة وحتى دعم الحركات الإرهابية بطرق ملتوية من أجل استعادة نفوذها ليس في النيجر وحدها، بل في كل من مالي وبوركينا فاسو، تماما كما فعلت في الغابون بعد انقلاب ضد الحليف السابق لفرنسا علي بانغو الذي استدار شرقا باتجاه دول آسيا ودول الكومنويلث غربا نكاية في فرنسا التي كانت تأخذ عليه طول بقائه وتفكيره في التوريث.

فرنسا، التي تلعب بالنار تارة، وبقفازات من حرير ديمقراطي إنساني ملطخة بكل ألوان الماضي التاريخي للدولة الاستعمارية وفساد أنظمة تركتها خلفها بعد استقلالها في الـ60 من القرن الماضي، لا تكترث لمستقبل القارة، وسوف تعمل على إذكاء نار الفرقة بين الأفارقة وتدقّ الأسافين بين الأشقاء وبين الجيران وبين أفراد الشعب الواحد، ولو باستعمال سلاح دعم الإرهاب والتشدُّق بمحاربته، تماما كما لم تكن تلك الحركات موجودة في المشرق العربي لولا التواجد الأجنبي الذي أنشأها وسلّحها ودرَّبها لحاجة في نفس يعقوب قبل أن تدور عليها الدائرة وتجد نفسها وجها لوجه أمام الوحش الذي أنتجته مخابرها العسكرية والأمنية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!