-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرية فلسطين بلا ثمن!

حرية فلسطين بلا ثمن!

إذا لم يكُن من فضلٍ لملحمة الانتفاضة الجديدة في القدس وغزّة سوى كسر الحواجز الجغرافية بين أجزاء فلسطين التاريخية، حيث التحم فلسطينيُّو الداخل مع شعبهم في الضفة والقطاع لدحض وهم التعايش، متحيّزين إلى الهوية والانتماء، فهو مبررٌ كافٍ للتشبُّث بخيار المقاومة الباسلة مهما كان الثمن، وإسقاط ذرائع المتخاذلين في نصرة القضية المركزية للأمة، بل المتواطئين مع العدو الإسرائيلي بسكب دموع التماسيح وإظهار تعاطف زائف مع الشهداء وضحايا الهمجية الصهيونيّة، بحجّة أنها تكلّف الشعب الفلسطيني الثمن الباهظ من أرواحه الزكيّة، وكأنّ الأجناس البشرية الأخرى عرفت سبيلها إلى الحرية المفدّاة دون تضحيات جسيمة خلّدت تاريخها المُلهِم بين الأمم.

لكن المقاومة البطوليّة المباركة لها فضائل أخرى كثيرة لا تحصى، يأتي في ذروة سنامها أنها حالت حتى الآن دون تحقيق مطامح الكيان الصهيوني في بناء الدولة الكبرى من النيل إلى الفرات، ما يجعلها عمليًّا السدّ المنيع الوحيد في وجه المشروع الاستيطاني الغربي في قلب الجغرافيّا العربيّة، وهي من يحارب بالنيابة عن النظام العربي الخانع في الدفاع، ليس فقط عن أرضهم المغتصَبة، بل عن المقدسات الشريفة للمسلمين في كل مكان، وتواجه بدلاً عن المجتمع الدولي كلّه غطرسة الصهيونية العنصرية التي تهدِّد الإنسانَ عبر العالم الواسع.

في كل جولات المقاومة، كانت فلسطين تكسب على الأرض وتردّ جحافل الصَّهاينة خائبة مذعورة، كما تستقطب دعم الشارع القومي وتعاطف الرأي العام الإنساني، فضلاً عن كونها تُكبِّد العدوَّ خسائرَ فادحةً بمعاييره هو على الأقل، ومن يطالع قراءات الصحافة العبرية وتحليلات أقلامها يدرك حجم الألم الصهيوني من فعل المقاومة الباسلة.

وفي كل محطة جهادية، كشف الإعلام الإسرائيلي عن كلفة نفسيّة كبيرة في صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه، فضلا عن الخسائر الاقتصادية والعسكريّة، التي وصلت إلى الانتحار والفرار من الخدمة والهجرة العكسيّة لشُذّاذ الآفاق وتبخّر حلم العيش بسلام في “أرض الميعاد” المزعومة.

بل أشارت تقارير كثيرة إلى تدافع غير مسبوق للصهاينة في مواسم المقاومة على مراكز العلاج النفسي والعقلي بفعل الصدمات والرعب من “الآخر”، بل إنّ مصادر بحثيّة أكدت تنامي حالات الفزع وسط الحيوانات، وعلى رأسها الكلاب والقطط، بسبب مفعول الصواريخ وصفارات الإنذار في مناطق فلسطين المحتلّة، ومثل تلك المؤشرات الخطيرة، لمن يعرف الطبيعة النفسيّة الجبانة للصهاينة، تُعدّ من علامات زوال إسرائيل عاجلا أو آجلاً، لأنها ببساطة تُجسِّد الفرق العملي بين عشق الشهادة لأجل الحياة على الأرض والهُروب خوفًا من الموت فوقها.

إنّ الجزائريين هم أكثر الشعوب في العصر الحديث إيمانًا بقدرة الشعب الفلسطيني على إحراز النصر الموعود، مهما طال الزمن وتكالب الأعداء وارتفعت قوافل الشهداء، لتجربتهم التاريخيّة الاستثنائية في معركة التحرير المريرة من الاستدمار الفرنسي الغاشم والاستيطان الحضاري طيلة 132 سنة.

ذلك أنّ بطولات شعب الجبّارين في أراضي الـ48 المجيدة، وفي غزة العزّة، وحول حمى الأقصى، وفي أكناف بيت المقدس على أرض الرباط، تذكّرنا بملاحم الآباء والأجداد المغاوير في مظاهرات 08 ماي 1945 وأحداث الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 وإضراب ثمانية الأيام (28 جانفي- 04 فيفري1957) ثم مظاهرات 11 ديسمبر 1960 و17 أكتوبر 1961، دون الحديث عن المقاومات الشعبية منذ عهد الأمير عبد القادر إلى ثورة التحرير المباركة…

خلال تلك المحطات الملحمية، قرر الشعب الجزائري بكل بسالة مواجهة إرهاب الاحتلال الفرنسي الغاشم بصدور عارية ثم بثورة مسلحة تكاد تكون مُهمَلة القوّة قياسًا بإمكانات العدوّ، دفاعًا عن الأرض والعرض، دون حساب لفارق موازين القوى، بل مُنطلقًا من حسابه الخاص في تثبيت الحق وسقي شجرة الحرية بدماء التضحية حتى لو أثمرت متأخرة مع أجيال لاحقة، لأن المعركة في تقديره كانت تقوم على غرس الوعي بمبدئية القضية، والإبقاء على جذوة المقاومة متَّقدة لدحر روح الاستسلام والهزيمة النفسية، حتى إذا تلقّف جيلٌ عن جيلٍ مشعلَ الجهاد المبارك أثمرت بطولات الأحرار يومًا ما نصرًا مُبينًا، رآه فاقدو الكرامة بعيدا فكان قريبًا.

لذلك، نقف اليوم في خشوع أمام شجاعة الفلسطينيين الذين ينافحون وحدهم عن حياض القدس، ومهما كانت كلفة الشهداء والضحايا باهظة، فإنَّها الطريق الوحيد لطرق باب الحرية الحمراء بكل يد مضرّجة، ولا نامت أعين الجبناء والخونة والمطبّعين من العُربان الذين آثروا حياة الأنعام في كنف الذل والمهانة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوغرطة النوميدي

    قال تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا سابقا : اذا مات العرب ماتت الخيانة وقال احد السياسيين الامريكان : العرب ظاهرة صوتية كلامهم كثير وافعالهم منعدمة. يا سادة يا كرام ايها العرب والاعراب والعربان مللنا من الكلام والانشاء والفلسفات العقيمة وقيل وقال ونعيق الغربان نريد افعالا حقيقية في الميدان نريد تحريرولو شبرا من فلسطين ورفع الحصار عن غزة عندكم خيارين اثنين يا عربان اما ان تحاربوا كالرجال الاحرار الشجعان او ان تصمتوا الي الابد كالموتي في المقابر