-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حزب‮ ‬الله‮ ‬يكنس‮ ‬الهزائم‮ العربية

الشروق أونلاين
  • 1441
  • 0
حزب‮ ‬الله‮ ‬يكنس‮ ‬الهزائم‮ العربية

بعد عملية كسر العظام التي دامت أكثر من شهر كامل، استعملت فيها أمريكا وإسرائيل كل تقنيات الحرب الحديثة برا وجوا وبحرا وإعلاما وسياسية.. إعترف الآن الجميع أن حزب الله انتضر.. وإن لم ينتصر فإنه لم ينهزم في حرب سادسة هي أشرف حرب “عربية” إسرائيلية في الثماني والخمسين سنة الماضية، وقع الإسرائيليون في عدة “ورطات” لم تخطر على بالهم، خاصة أن تاريخ الحروب الخمس الماضية كان يؤكد أن الإسرائيليين يحاربون الجيوش العربية وكأنهم في نزهة كما قال أول رئيس إسرائيلي وايزمان عام 1950.
عبد‮ ‬الناصر
لهذه‮ ‬الأسباب‮ ‬إنتصر‮ ‬حزب‮ ‬الله
إلى غاية الحرب الخامسة كان الصف العربي شبه متراص، وكان الاتحاد السوفياتي إذا لم يقدم السلاح يمنح الدعم المعنوي، وكانت إسرائيل تخوض الحروب وحيدة أحيانا بدعم فرنسي أو إنجليزي ولم تتبناها أمريكا إلا عام 1973 بعد أن تقوّى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ومع ذلك كانت الأمة العربية تخرج في كل حروبها مصفوعة بالضربة القاضية.. كل محاولات رد الهجمة أو استرجاع الأرض كانت تبوء بالفشل إلى أن أشرق “حزب الله” في بداية الثمانينيات فلجأ إلى المقاومة وحرب العصابات التي حررت جنوب لبنان عام 2000 وخاض حربا أشبه بالمعجزة عام 2006 في خندق لم يجد فيه حتى الدعم العربي المعنوي، بل عانى من تواطىء ثلاثة دول عربية وقفت ضده واعتبرته المسؤول الأول على إشعال نار الحرب.. أما معظم دول الغرب فلم تكن تختلف في تسمية حزب الله “بالإرهاب”، فوجد 30 ألف مجاهد من حزب الله أنفسهم وحيدين في المعركة بدون مدد في السلاح ولا في المؤونة، وبرغم ما سمي من صمود لبنان إلا أنه بقي صمودا أشبه بالجمود، بينما كان الإسرائيليون يتلقون السلاح والنصيحة والدعم السياسي من المنظمات الدولية فلجؤوا إلى الجرائم وما استطاعوا تحريك شعرة من “جيش” حزب الله حيث اعترف الإسرائيليون‮ ‬وهم‮ ‬لا‮ ‬يدرون‮ ‬أن‮ ‬قتلاهم‮ ‬أكثر‮ ‬عددا‮ ‬من‮ ‬شهداء‮ ‬حزب‮ ‬الله،‮ ‬في‮ ‬معركة‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬فيها‮ ‬لحزب‮ ‬الله‮ ‬شيء‮.. ‬وكان‮ ‬لهم‮ ‬فيها‮ ‬كل‮ ‬شيء‮.‬
فلأول مرة في تاريخ إسرائيل، يعيش نصف سكانها في الملاجىء.. ولأول مرة يتم تهجير سكان بلدة بأكملها (كريات شمونة) خوفا من لهيب حزب الله.. ولأول مرة تطعن عمليات سبر الآراء الوزير الأول في قلب المعركة وتمسح بشعبيته الأرض، ولأول مرة تطال النيران دباباته الأسطورية‮ ‬ومركباته‮ ‬الجوية‮ ‬والبحرية‮..‬
ولأول مرة يدخل الحرب وإلى جانبه بعض العرب إن لم نقل معظمهم.. ولأول مرة خلال الحرب يلهث خلف قرار أممي لوقف القتال لينجو من ورطته.. ولأول مرة يعجز ذلك الخصم وأعلامه وقادته.. ولأول مرة بقدر ما ينقل النار إلى معسكر خصومه يلتهب بها في أزقة مدنه.. وأيضا لأول مرة يخرج غير منتصر بعد أن قال إن المعركة لن تزيد عن بضع ساعات أو أيام، وسيمحي من الوجود حزب الله ويلقي القبض على أمينه العام ويحرر أسيريه ويحتل الجنوب كله إلى أن تحل القوة الأممية، التاريخ أعاد نفسه بالمقلوب، فبعد أن حارب الإسرائيليون عام 1948 وكانوا عصابة خمسة‮ ‬جيوش‮ ‬عربية‮ ‬وغلبوها،‮ ‬جاء‮ ‬الدور‮ ‬ليخسروا‮ ‬حربا‮ ‬ساعدهم‮ ‬فيها‮ ‬كل‮ ‬العالم‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬مع‮ ‬حزب‮ ‬الله‮ ‬إلا‮ ‬حزب‮ ‬الله‮.‬

حروب‮ ‬الذل‮.. ‬وحرب‮ ‬العزة
بينما تبذل إسرائيل جهودا ميؤوس منها لأجل إقناع مواطنيها بأنها لم تخسر الحرب، وأن حزب الله لم ينتصر، يبقى أهم ما في مرحلة ما بعد الحرب هو الاستثمار المعنوي في مكاسبها، لأن إسرائيل “القوية” عجزت عن هزم حزب الله.. فكيف لها أن تفعل مع سوريا وخاصة مع إيران النووية.. وهذا ما يجعل مقولة “إن إسرائيل في طريقها إلى الزوال” لم تعد جملة للمزايدة أو المغامرة، فقوتها في جيشها وجيشها خسر تكتيكيا وتكنولوجيا، وخاصة استخبراتيا وأصبحت انتصاراته مجرد حكايا للأطفال فقط.
المقارنة ما بين الحروب السابقة وحرب 2006 غير واردة إطلاقا، ففي حرب 1948 عندما كانت إسرائيل مجرد عصابة من النازحين واجهت العرب بجيش من المغامرين قوامه 35 ألف مسلح جاءوا بأسلحتهم من تشيكسلوفاكيا، وكان الجيش العربي متكون من 40 ألف مصري و21 ألف عراقي و8 آلاف سوري و50 ألف فلسطيني إضافة إلى جنود من لبنان، ونجح الإسرائيليون في صحق الجيوش العربية ونقلوا حوالي نصف مليون مهاجر إلى أرض الميعاد، وأقاموا دولتهم ضمن حرب أكسبتهم الثقة بالنفس وأفقدت العرب “بقايا” العزة التي حافظوا عليها من سنوات الاستعمار الفرنسي والإنجليزي‮.‬
والغريب أن العرب لم يعلنوا بعد ذلك الحرب لأجل رد كرامتهم وإنما إسرائيل هي التي عادت عام 1956، ولكن هذه المرة رفقة فرنسا وإنجلترا ضمن الاعتداء الثلاثي على مصر على خلفية تأميم قناة السويس، ووجدت مصر نفسها المعنية الأولى بالمعركة مع إسرائيل فخاضت حرب شرف ووقف إلى جانبها الاتحاد السوفياتي، ولم تقف أمريكا إلى جانب إسرائيل وانتهى العدوان أيضا بهزيمة للجيش المصري المدعم من طرف سوريا والأردن والعراق والسعودية، ولم تخسر بريطانيا في الحرب إلا 22 جنديا وخسرت فرنسا 11 جنديا وإسرائيل 232 وبدأت أكاذيب الحرب من الجانب العربي‮ ‬إلى‮ ‬درجة‮ ‬أن‮ ‬مصر‮ ‬قالت‮ ‬إنها‮ ‬أسرت‮ ‬15‭ ‬ألف‮ ‬جندي‮ ‬إسرائيلي‮!‬‭ ‬وتحوّلت‮ ‬هذه‮ “‬الكذبة‮”‬‭ ‬إلى‭ ‬نكتة،‮ ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬جعل‮ ‬بن‮ ‬غوريون‮ ‬يقول‮ “‬إذا‮ ‬أردت‮ ‬أن‮ ‬تضحك‮ ‬حد‮ ‬البكاء‮ ‬فاسمع‮ ‬الإذاعة‮ ‬المصرية‮”!‬
ومرة أخرى لم يبادر العرب ومصر بالخصوص لاسترجاع سينا وشرم الشيخ وغيرهما من المناطق التي أصبحت تحت مراقبة القوات الدولية، وبدأ عبد الناصر عملية التحضير العلني للحرب عبر مناورات وتباهي بالسلاح الروسي وبتطوير أسطول الطيران لتحدث أكبر هزيمة في تاريخ البشرية كان للأسف العرب طرفا فيها، وتعتبر حرب 1967 المعركة التي جعلت العرب يؤمنون بأن جيش إسرائيل لا يقهر وهزمه من المستحيلات، والأجدر البحث عن التسويات السلمية حتى لا يبتلع كل الشرق الأوسط وينتقل إلى دول المغرب العربي، حرب 1967 التي أبكت جمال عبد الناصر وجعلت من الجنرال رابين ومن موشي ديان رموزا إسرائيلية لأعظم مخططي الحروب في العصر الحديث، كانت فعلا نكسة مازالت آثارها المعنوية لحد الآن بالنظر إلى سرعة الحرب التي أنهتها إسرائيل في بضع ساعات من ستة أيام، وبالنظر إلى الخسائر الكبرى التي تكبدتها مصر وسوريا والأردن.

وكان بالإمكان أن تكون حرب 1973 الإنتصار الأكبر للعرب، بل كان بالإمكان أن تكون نهاية إسرائيل لو لم يتراجع أنور السادات بعد الضغوط الأمريكية والإنجليزية والفرنسية، وهو الانتصار الذي تحوّل إلى هزيمة بتواطىء مصري، حيث تغيّر هدف الحرب المفاجئة التي قادتها الجيوش‮ ‬المصرية‮ ‬من‮ ‬تحرير‮ ‬كل‮ ‬الأراضي‮ ‬العربية‭ ‬إلى‮ ‬العبور‮ ‬فقط،‮ ‬ومع‮ ‬ذلك‮ ‬خسرت‮ ‬إسرائيل‮ ‬حوالي‮ ‬3‮ ‬آلاف‮ ‬جندي‮ ‬ومليار‮ ‬دولار‮ ‬في‮ ‬أقوى‮ ‬الحروب‮ ‬على‮ ‬الإطلاق،‮ ‬حيث‮ ‬شارك‮ ‬فيها‮ ‬حوالي‮ ‬نصف‮ ‬مليون‮ ‬جندي‮.‬
تباشير‮ ‬حزب‮ ‬الله

إذا كانت إسرائيل قد حققت خلال حربها على لبنان 1982 أهدافها بإبعاد الفلسطينيين عن حدودها الشمالية وتشتيتهم في كل مكان فإنها عادت واستسلمت عام 2000 وخرجت من جنوب لبنان بعد دخول معادلة حرب جديدة اسمها حزب الله وليس الجيوش العربية، وتمكن هذا الحزب من توفير أسباب النجاح، وأهمها إيمان وقناعة مقاتليه بأن الهدف من المعارك هو العزة الدنيوية والأخروية بعيدا عن الجيوش الكلاسيكية المكونة من جنود يتقاضون مرتباتهم ومناصب اللواء والجنرال والعميد التي قادت العرب على مدار الحروب الخمس إلى الهزائم.
حزب الله الذي امتلك أصدقاء ومنهم سوريا وإيران وهذا من حقه، عمل عدة سنوات فحقق لنفسه امبراطورية عسكرية وأخرى علمية وإعلامية ونظامية وتمكن بمفرده من مسح عار المعارك الخمس السابقة بقائد يدعى حسن نصر الله الذي أحرج كل زعماء العرب السابقين والحاضرين، وهو يرفض حتى‮ ‬أن‮ ‬يطلب‮ ‬منهم‮ ‬العون‮ ‬المعنوي‮ ‬أو‮ ‬الدعاء‮.. ‬ويرفض‮ ‬أيضا‮ ‬تبني‮ ‬هذا‮ ‬النصر‮ ‬الكبير‮ ‬الذي‮ ‬من‮ ‬أهم‮ ‬ميزاته‮ ‬أنه‮ ‬أدخل‮ ‬الشك‮ ‬في‮ ‬قلوب‮ ‬الإسرائيليين‮ ‬الذين‮ ‬آمنوا‮ ‬الآن‮ ‬أنهم‮ ‬يمتلكون‮ ‬جيشا‮ ‬بالإمكان‮ ‬قهره‮.‬
يمكن القول إن حزب الله لم ينتصر، ويمكن القول إن لبنان عادت ربع قرن إلى الخلف، ويمكن القول إن إسرائيل لم تخسر.. ولكن الإجماع يصب في كونها لم تنتصر، وتلك في حد ذاتها سابقة هي الأولى منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!