حسنين هيكل والثورة التونسية

محمد حسنين هيكل رقم صعب في الإعلام العربي على الأقل، هكذا يقتنع الكثيرون وهو كاتب صحفي عاصر مراحل عديدة مختلفة، وكان له الحظ في أن يلتقي الزعماء والملوك والرؤساء، وأن يصاحب ثورات وانقلابات، فأعطاه كل هذا بريقا خاصا وهو يجيد شد الانتباه إليه ببراعة فائقة.

• كل هذا صحيح، لكن هناك مشكلة رافقت الأستاذ الكبير دوما، عندما يتكلم عن غير مصر من بلاد العرب.. فهو حينـئذ يتجه الى إثارة الشكوك وإضفاء صفة البساطة وعدم النباهة عند الرؤساء العرب والملوك العرب والنخب العربية، بل والثورات العربية والأحزاب العربية.. إنه حينئذ يجلس في مقعد الأستذة والتنظير، هكذا فعل مع الفلسطينيين والجزائريين والليبيين والعراقيين واليمنيين وغيرهم، وهو في كل هذا يتحرك من مركز بيكار موقعه القاهرة.
• وفي محاولاتها لتغطية إعلامية متميزة للحدث، اجتهدت قناة الجزيرة القطرية في استضافة عشرات المفكرين والمحللين، وكان الأستاذ هيكل من أبرز المدعوين لإلقاء الضوء على أحداث تونس، وهنا فوجئ المشاهد العربي بسطحية كلام الأستاذ عندما تكلم عن الجيش التونسي وعن الأوضاع في تونس، الأمر الذي يكشف عن عدم معرفته بالخريطة السياسية والاجتماعية في تونس، ولا يعرف مواقف الحركات السياسية ومؤسسات الدولة.. وبدا الأستاذ كأنه يتكلم عن عالم آخر، ولا أدري لم يتورط الأستاذ في مثل هذا الموقف،  فلقد كانت إجابته على الدعوة بأني لا أعرف ما يجري في تونس  أفضل من أن يتورط في حصة لا يفقه منها شيئا.. أم أنه لابد من الحديث كيفما اتفق ولا مجال لترك فرصة مثل هذه الثورة دون المشاركة.
• ثم يتكلم الأستاذ هيكل عن العلاقة مع أمريكا وفرنسا، وأن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لجأ إلى واشنطن التي اتهمها بأنها هي من ورطته عبر وثائق ويكليكس، إلا أنها رفضت مساعدته هي وفرنسا باعتبار أن نظامه انهار ولم يعد قادرا على حماية مصالحهما..
• ما هي مصالحهما في تونس؟ ثم من سواه سيحمي مصالحهما في تونس؟ ثم ألم تستعد الحكومة الفرنسية في بداية الثورة التونسية إلى أن تزود الأمن التونسي بخبرتها في قمع الانتفاضة.. ثم ما هو حقيقة الموقف الأمريكي الذي يحاول تطويق الثورة وتحريفها عن مسيرتها والتدخل في خريطة مكوناتها السياسية.
• والمثير للدهشة هو حديث الأستاذ هيكل على أن رد فعل الأمريكان والإسرائيليين على الثورة التونسية سيكون في لبنان.. كلام غريب فعلا، فالأزمة اللبنانية سابقة على الأحداث في تونس، ثم لماذا صرف الأنظار هكذا الى لبنان؟ هل انتهت الثورة من مهماتها في تونس..؟ إن رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي سيكون في تونس وجوار تونس، لإحباط الثورة عن الوصول إلى غاياتها وتفريغها من مضامينها الحضارية بشتى الوسائل.
• كنا نتمنى أن ينتبه الأستاذ الكبير أنه ليس من داع للدخول في كل حلبة للكلام، لأن هذا لا يزيده بريقا وحضورا، ونحن نحتاج تدخلا مستندا للمعرفة ليمتعنا الأستاذ بتحليلات واستنتاجات علمية.