-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حماية صحَّتنا النفسية من جائحة الخوف والإحباط

حبيب راشدين
  • 1217
  • 6
حماية صحَّتنا النفسية من جائحة الخوف والإحباط
ح.م

بعد شهرين من الحجر الصحي، والإغلاق الشامل للنشاط الاقتصادي والتواصل الاجتماعي القاتلين للحياة الطبيعية للبشر، يُفترض أن يُفتح نقاشٌ واسع غير مقيّد، لتقييم جملة من القرارات اتخذتها السلطة، سواء من جهة التعامل التقني مع الجائحة، أو من جهة باقي قرارات الحكومة التي كانت أذانُها في الغالب صاغية لرأي واحد مستبد: رأي ذوي الاختصاص في الطب، والامتثال الأعمى لتوصيات ملغمة من منظمة الصحة العالمية، مع تجاهل جائحة الرعب والوهن والإحباط التي أصابت صحتنا النفسية في مقتل.

بعيدا عن الكلفة المادية لقرار الإغلاق الذي لم يُثبت حتى الآن بالدراسة المستقلة جدارته في منع انتشار الوباء، أو تقليص عدد الوفيات، فإن الكلفة الاجتماعية والنفسية لقرار الإغلاق ظلت  مغيّبة، ولم تُعرها الحكومات، أي اعتبار، فلم تستشر بما يكفي أهل الاختصاص من علماء الاجتماع، وعلماء النفس، ورجال الدين، وأهل الرأي، وهي تعتمد قرار حجر ملايين الناس مثل الدواجن، ومنع التواصل الطبيعي بين الناس دون تمييز، وتعطيل الشعائر الدينية الجماعية، فضلا عما صاحب الإغلاقَ من بث مشاعر الخوف والرعب، وكثير من الإحباط والقنوط، ساهم في تصنيعها إعلامٌ مسيَّر يردد كبنت الصدى دون تدقيقٍ أو نقد.

يقينا لم يكن قرار الإغلاق والحجر قرارا حكيما، لا على المستوى العالمي، ولا خاصة على مستوى بلداننا العربية التي لم تكن في أيِّ لحظة مهدَّدة مثل أوروبا والولايات المتحدة، وكان يكفينا التسريعُ بغلق الحدود، ووقف الرحلات الجوية، وتكثيف الإجراءات الوقائية والنظافة الفردية، سمحت لدولٍ كثيرة بتفادي الحجر والإغلاق، ومنها السويد التي حققت نتائج أفضل من الدول التي اختارت الامتثال لـ”فرمانات” منظمة الصحة العالمية، المتهمة اليوم من قبل ذوي الاختصاص بالمقاولة المفضوحة من الباطن لشركات تصنيع الأدوية واللقاحات.

وفي مثل هذه الأجواء العالمية المضطربة، الموبوءة بتدفق هائل لتصريحات متناقضة بين أهل الاختصاص من عالم الطب، لم يكن من السهل على المواطن البسيط تقبُّل إجراءات الحجر والإغلاق، خاصة في مجتمعات نامية، يعادل فيها قطع الأرزاق قرار قطع الأعناق، وأغلب الناس عندنا تتقوّت من عوائد السعي اليومي بدراهم معدودة، داخل اقتصاد مواز بلا ضوابط، تعلم الدولة أنه يعيل فوق ثلث تعداد الأسر، ولم تكن إجراءات المساعدة الحكومية في مستوى ما لحق بهم من أضرار، ومن خزي مدِّ اليد لمن لم يسعفه التضامن العائلي.

ومع هذا الإغلاق العام لمصادر الرزق، والحجر القاتل للحياة الأسرية والاجتماعية والدينية، تفاجِئنا السلطة بمرسوم لم يدرس حتما كل العواقب، يعِد المواطنين بإجراءات صارمة لمن يخالف أمر ارتداء الكمامات، بتغريمه بعشرة آلاف دينار، وتهديده بالسجن بعد عشرة أيام من نهاية أجل تسديد الغرامة، في بلدٍ ليس بوارد أن يضمن توفير مئات الملايين من الكمامات لـ44 مليون مواطن، تحتاج للاستبدال مرة أو مرتين في اليوم كشرط لتحقيق الجدوى، بما يعني أن شريحة واسعة من المواطنين لن تكون قادرة على الامتثال للقرار حتى لو أرادت، والحكمة تذكِّر الحاكم على الدوام أنه: إذا أردت أن تطاع فأمُر بما يستطاع.

بكل أمانة، ودون إنكار أو جحود لكثير من الجهود الطيبة، والإجراءات الموفقة التي اتخذتها الحكومة، خاصة من جهة ضمان استمرار تدفق الخدمات، وتموين السوق وضبطها، فإنه من الواجب لفت انتباهها إلى الأضرار الخطيرة على الصحة النفسية والاجتماعية والروحية للمواطنين من أي قرار يجدد إجراءات الإغلاق والحجر، التي قد تتواصل بالضرورة بطريق آخر، في حال تطبيق أحكام المرسوم الخاص بارتداء الكمامات، وتنفيذ تدابيره العقابية بصرامة قد تزيد الجبهة الاجتماعية احتقانا.

وفي الجملة، قد لا تحتاج الحكومة لمن يُلفت انتباهها إلى مواجهتها القادمة لتداعيات وآثار هذا الإغلاق والقادم من تداعيات الانهيار الاقتصادي العالمي المستشرَف يبقى مرهونا بمقدار قدرتها على تجنيد مواطنين بصحَّة نفسية سليمة، يُفترض أن تسهر على رعايتها الحكومة، بمحاربة بؤر تصنيع مشاعر الخوف، والوهن، والإحباط، القاتلة للهمم والأمم، بدءا بتلك التي تصدر عن قصد أو غير قصد من داخل البيت الحكومي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • علي زياني

    للاسف ساستنا لا يقرأون ولا يسمعون لامثالك استاذنا الفاضل لكن الحمد بدأت خيوط المؤامرة تتكشف إلا لمن كان اعمى لا يريد ان يعرف الحقيقة.

  • أبو نوفل

    وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.لقد قلت يقينا لم يكن قرار الحجر حكيما كيف ذلك وانت لا تملك معطيات على كلامك حيث أنه لو الشعب إلتزم بالحجر الصحي لأنهينا المشكل في شهر على أقصى مدة وخففنا المشقة على الذين هم يضحون من أجلنا.لأن الصحة هي مسؤولية فردية قبل أن تكون مسؤولية مجتمع أول دولة.ومدى وعي وحرص أي شعب هو الذي يحدد نتيجة أي نازلة.

  • رضوان

    صبرا جميلا، ينبغي أن نحضر أنفسنا للصدمة النفسية الأصعب وهي اكتشافنا للمسرحية الكبرى التي اسمها كورونا من اخراج ال روتشيلد وسيناريو الرأسمال المالي العالمي ومن تمثيل ملاييير البشر دون عقول تفكر، وكم هي الصدمة أكبر لما نكتشف أننا أغلقنا مساجدنا بقرار من الصهيونية العالمية

  • إسماعيل الجزائري

    لقد أصبْتَ كبدَ الحقيقة! أوجزْتَ و أوضحتَ فأحسنتَ يا حبيبُ. جعلك الله من الراشدين.

  • طارق

    تحليل منطقي ورأي صواب. فلا بد من إعادة تنشيط الإقتصادي وذلك من خلال السماح -بشكل تدر يجي وسريع- للعودة للحياة الطبيعية والتجارية وإلى كل ما كان قبل هذه الجائحة. وعلى الحكومة أن تفكر مليا وتتريث عند إصدار أي قرار قد يمس بقوت وجيب المواطن لأن الأوضاع الإقتصادية صعبة.

  • لزهر

    ضربة أخرى للمواطن البسيط والفقير والعامل اليومي الذي لا حول و لا قوة له الذي لا يملك حتى كشف الراتب الشهري

    تقوم بصفعه والذهاب به للخزينة العمومية و ربما لا يجد حتى إسمه ليسدد مليون سنتيم وفي حالة عدم التسديد إلى مليونين و ثلاث ايام حبس
    ويترك عائلة من خلفه و أطفال هكذا نقضي على عائلة بأكملها
    زد على ذالك خروجنا من رمظان و العيد و الجيوب فارغة
    هذا التشريع سيقابل بالرفض وعدم التسديد
    لذالك لا بد من إلغائه في ظرف 24 ساغة
    المواطن من حقه الدفاع عن نفسه.
    لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.