حمَّالة الحطب لمحرقة ما بقي من جغرافية العرب
من يتابع هذه الأيام قناتي “الجزيرة” و”الميادين” يخيل إليه أن العالم يحبس أنفاسه قبل المواجهة القادمة بين ولي العهد السعودي والصفوة من قادة الرأي ونخب المجتمع المدني في دول المغرب الكبير الذين تجتهد القناتان على مدار الساعة لتجنيدهم كأدوات لإفشال الزيارة، وحرمان بن سلمان من فرصة يقال إنها مجيَّرة لـ”تبييض” أياد ملطخة بدماء خاشقجي.
الأشقاء في تونس رفعوا عاليا شعار “لا لتدنيس أرض الثورة” التي قادها الصهيوني برنار هنري ليفي، ويحكمها رئيس من مخلفات عهدي بورقيبة وبن علي، واحتاجت إلى استوزار يهوديٍّ لإنعاش سياحتها، وهي مقبلة على نسخ أحكام الميراث الإسلامية، كانت قد استقبلت من قبل بحفاوة مجرم الحرب ساركوزي وخلفه هولاند وماكرون. وفي الجزائر، خرج زعيم حمس من سباته الشتوي ليُدين الزيارة، وكأن البلد سوف يستقبل نتنياهو وليس مسؤولا عربيا تتعرض بلده (أرض الحرمين الشريفين) لتهديدات حقيقية بالتفكيك ولضغوط تريد أن تلقي بها في أحضان الكيان الصهيوني والتطبيع القسري معه.
ومع التسليم بحق الشعوب ونخبها في الانتقاد المشروع للحكام ولسياساتهم، نحتاج إلى قدر من الحذر في التعاطي مع الأحداث، وما تروِّجه الآلة الإعلامية الغربية الرهيبة، التي كان لنا منها أكثر من درس في العدوان الغربي على العراق وليبيا وسورية، وفي ما سُوِّق لنا من أساطير وأكاذيب في المتشابه من ربيع الشعوب، حتى لا نكرر الأخطاء القاتلة، ويتحول قادة الرأي إلى محض “دواعش” تقود حروبا بالوكالة لصالح أجندات غربية وإقليمية تعمل على تفكيك ما بقي من جغرافية العالم العربي.
بالمنطق الذي استند إليه زعيم حركة “حمس” وبعض النخب الإسلامية والعلمانية، وقد تناغمت مواقفها في إدانة زيارة ولي العهد السعودي إلى دول المغرب الكبير، كان يفترض من زعيم “حمس” أن يدين من قبل زيارة آردوغان، فهو مثل بن سلمان، يداه ملطختان بدماء العرب في ليبيا وسورية، وهو ليس مداناً مثل بن سلمان بنوايا التطبيع مع الكيان، بل يقيم معه علاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية، ومثله وجب عليه وعلى هذه النخب المحرَّكة عن بُعد، أن تمنع حكوماتنا من التطبيع مع أكبر دولة مجرمة في التاريخ، وغلق أبوابنا في وجه أغلب الدول الأوروبية الملطخة أيادي حكامها بدماء العرب والمسلمين، ولا نستثني لا روسيا ولا الصين، وجميعهم أراق ويريق دماء العرب والمسلمين.
وبنفس المنطق، وجب علينا المبادرة إلى قطع العلاقات مع مصر والأردن المطبِّعتين بالكامل مع الكيان حتى في عهد الزعيم الإخواني محمد مرسي، وعند التدقيق سوف نحتاج إلى قطع العلاقات مع ثلاثة أرباع الدول العربية المطبِّعة من الباطن ومع أغلب الدول الإسلامية المجاهِرة بالتطبيع، وحيث إن ذلك ليس واردا لا عند حكامنا ولا حتى عند هذه النخب التي تركب اليوم حملة غربية مسعورة تلبس الحق بالباطل، وتتاجر بدماء أحد عملائها، فقد وجب علينا مع الاحتفاظ بحق إدانة جميع الجرائم، ومساءلة قادة السعودية ودول الخليج عن تبعات خياراتها السياسية الخاطئة في حق العرب، بدءا بضياع العراق وانتهاء بما جرى ويجري في ليبيا وسورية واليمن، وبين حق حكوماتنا في إدارة علاقاتها الخارجية والعربية تحديدا بقدر من البراغماتية والعقلانية، حفاظا على الحد الأدنى المطلوب، وبداعي الحاجة الماسَّة إلى تطويق مسار التدمير المنهجي المتواصل لجغرافية العالم العربي.