حول الحركة الوطنية لإنقاذ الجزائر
أثار الاقتراح المقدم، الأسبوع الماضي، حول ضرورة إنشاء حركة وطنية لإنقاذ الجزائر، العديد من التعاليق والملاحظات، سواء على موقع الجريدة أو على الشبكة الاجتماعية “الفايس بوك”.
مقال الأسبوع الماضي تعرض للأسباب التي تفرض علينا العمل بجد وبنشاط لإنشاء هذه الجبهة؛ وحتى يكون الهدف واضحا، لا بد من التأكيد بأن الاقتراح لا يعني أبدا إنشاء تنظيم شبيه بحزب سياسي أو جمعية، فالمعروف أن المواطنين الجزائريين أصبحوا يأنفون من مثل هذه التنظيمات، بل نقترح أن يبدأ نقاش واسع، على كل المستويات وفي كل جهات الوطن، حول الانتخابات الرئاسية المقبلة ومن يصلح، من أبناء الجزائر، ليكون رئيسا. النقاش يتطور ويتوسع، مع الوقت، ليفرز خلايا على مستوى الأحياء والمدن تتولى عملية تعميق النقاش وتوجيه الرأي العام نحو مناقشة القضايا الأساسية واكتشاف أفضل الرجال من بين أبناء الأمة ودعوتهم لإلقاء المحاضرات والاستماع إليهم ومناقشتهم، وبالتالي التمكن من التعرف عليهم وتقييمهم للاتفاق في الأخير على الأجدر لانتخابه؛ وفي يوم الانتخاب، تتولى خلايا الأحياء والمدن مهمة حماية الصناديق من التزوير.
قد تكون هذه الفكرة شبه خيالية، أو غير ناضجة، لكنها تبقى، في نظري، الطريقة الوحيدة التي يضمن بها الرأي العام الجزائري وصول من يختاره فعلا إلى منصب الرئاسة.
إن الرهان جد كبير، والمصالح لا حدود لها بالنسبة للذين هم في السلطة، وهؤلاء ليس لهم أي استعداد لمغادرة الحكم والتحول إلى مجرد مواطنين عاديين، الذين استولوا على السلطة سيستعملون كل الوسائل، بما فيها شراء الذمم وترويع المواطنين وتخويفهم، للديمومة في الحكم. هؤلاء تربت عندهم قناعة بأنهم خلقوا ليحكموا الجزائر وليتمتعوا بخيراتها وبالتالي فسيلجأون حتى لاستعمال “بلطجياتهم” لفرض من يريدونه أن يكون خادمهم في رئاسيات 2014.
بدأ البعض يتكلم عن تحالف جديد من أحزاب كانت في السلطة وأخرى أنشئت أصلا لتدعيم مسعى العهدة الرابعة المقبورة. إنه تحالف المصالح والركود وقوى الفساد وكل الذين أفرغوا المؤسسات الجزائرية وأضعفوا البلد وحولوه إلى مجرد تابع وصامت أمام مؤامرات القوى العالمية والإقليمية التي تستهدف ثرواته وأمنه.
التحالف الجديد سيدفع بالجمعيات والمتملقين وبائعي الكلام وحثالة الجامعة لإقناع الناس بضرورة الاستمرار. هؤلاء سيوهمون المواطنين، كما تعودوا، بأن الأخطار محدقة بالجزائر مما يستوجب الالتفاف حول الشخصية التي تضمن “الاستقرار”. إنها نفس الأساليب التي يتبعونها منذ 1999.
التحالف الجديد سيعتمد على الإدارة لتزوير الانتخابات، ولا توجد أية هيئة أو مؤسسة قادرة اليوم على منع التزوير، وبالتالي فإن الرئيس المقبل سيكون، بهذا المنطق، كغيره من معظم الذين سبقوه، نتاج تزوير واغتيال لإرادة الشعب الجزائري؛ ولنتصور كيف يكون الرئيس الذي يصل إلى أعلى منصب في الدولة عن طريق التزوير وما إذا كان هذا الرئيس يستطيع مواجهة الفاسدين الذين أوصلوه أو مفاوضة الدول الكبرى بما يخدم الجزائر.
هكذا يخطط التحالف الجديد، غير أن الأمور تغيرت كثيرا هذه المرة فوسائل الاتصال المختلفة من صحافة خاصة وقنوات تلفزيونية خاصة ومواقع اجتماعية تمكن من كشف خطط دعاة المواصلة والاستمرارية، كما تمكن من ربط علاقات بين مختلف الشباب الطامح إلى التغيير وإلى السير بالجزائر نحو وضع أفضل بكثير.
الأمر، هذه المرة، يتعلق فعلا باستقرار الجزائر وبمصيرها. كل المؤشرات تبين بأن النظام الحالي سار بالجزائر إلى مستوى الخطر وأن لا حل أمامها سوى إحداث التغيير الحقيقي الذي ينظف مؤسسات الدولة من كل الفاسدين والانتهازيين والمصلحيين وهو ما لا يتم إلا عن طريق حسن اختيار الرجل الذي يعمل بدوره، وبالتفاف القوى الحية والنظيفة من الجزائريين حوله، على اختيار أفضل الرجال وأكثرهم شباب لتبوء المناصب الحكومية.
إن أي تغيير إيجابي لا يمكن أن يتم في الجزائر عن طريق النظام الحالي الذي أصبح غارقا في الفساد وراضخا لضغوطات الدول الكبرى، كما أن أي تغيير إيجابي لا يمكن أن يأتي عن طريق الأحزاب السياسية الحالية لكونها إما معنية مباشرة بتركة التسيير السيء أو لأنها فاقدة للقاعدة الشعبية والبعد الوطني أو لأنها مجرد إطار أنشأه أصحابه لربح المال عن طريق بيع المواقع الأمامية على القوائم الانتخابية أو لأن أصحابها هم من الوجوه المنبوذة اجتماعيا؛ لذلك يبقى الحل الوحيد يكمن في هذه الجبهة الواسعة من الشباب الجزائري الرافض للفساد والرافض لمصادرة أصواته.
إن أي تغيير عن طريق العنف لن يزيد الوضع إلا سوءا، كما أن العنف سيخدم النظام الحالي ويجعله يستمر أكثر، لذلك فلا يبقى أمام الشباب الجزائري سوى السعي، بكل جد، للاهتمام بالانتخابات الرئاسية المقبلة وبدء الحوار والنقاش حول: من يصلح لحكم الجزائر؛ ولما يحين الوقت نلتف كلنا حول الشخصية التي نراها الأكثر قدرة على تسيير الشأن العام.