حينما يخاف المسلمون كذلك من الإسلام!
كان يمكن لليوم الدراسي الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى يوم الإثنين 26 أكتوبر 2015، حول الاسلاموفوبيا أن يعقد بقاعة المحاضرات التابعة للمجلس بدل القاعة التي خصصت لذلك بالشيراطون وهذا حتى نوفر على المحاضرين والمشاركين وعلى المدعوين عناء التنقل الذي أضحى يشكل فوبيا الطرقات، هذا وللأسف شهد اليوم الدراسي حضورا باهتا أفقد النشاط حيويته وبالخصوص بعدما فقد رئيس المجلس الدكتور بوعمران الشيخ، شفاه الله، حركته التي كانت تصبغ على الملتقيات التي ينظمها نكهة خاصة من خلال الحوارات والجدل الذي كان يثيره من حوليه على طريقة المشائين كمفكر تشبّع بعقلانية المعتزلة النقدية التي انحصرت دائرتها وفقدت روادها أو يكادون وترك المجال مفتوحا لأصحاب الدروشة ليمارسوا التضليل على المجتمع بكل حرية مقابل دراهم غير معدودة.
إن موضوع الإسلاموفوبيا في نظري، قد توسعت دائرته الجهنمية بعد أحداث 11 سبتمبر التي أعطت الذريعة والشرعية للكثير من النخب الثقافية والأكاديمية والسياسية إلى التخويف من الإسلام ومن المسلمين وكذلك يمكن القول إننا أو جزء من الضالين منا قد تسبب في تغذية حملة الكراهية ضدنا وضد ديننا الحنيف، نقول ذلك دون أن ننفي أن خميرة الكراهية هذه موجودة منذ الحروب الصليبية ونتيجة عقيدة الكفاح المسلح للتحرر من الاستعمار الغربي الذي فشل في الثأر لأسلافه.
ولكن اليوم وللأسف ونتيجة تخلفنا وجمودنا أعطينا لهذا المستعمر بالأمس السلاح الذي يستعبدنا به مرة أخرى ولو معنويا على الأقل وبالخصوص حينما فشلنا في معركة التنمية والحكم الراشد ومعركتنا التربوية والتعليمية والثقافية وأم معارك وهي ثورة الإصلاح الديني، فكثير من الأفكار ومن الخطب الدينية المغلوطة التي نسمعها في مساجدنا هي نفسها تقريبا يتم ترديدها في المساجد المُقامة في العالم الغربي وأعني بالخصوص أوروبا بحكم الجوار، فمقولة تقسيم العالم إلى “دار إسلام” و”دار كفر” أو “دار حرب”، بالرغم من أن المسلمين المقيمين في “دار الكفر” حسب زعمهم الذي تجاوزه الزمن، يبذلون كل ما في وسعهم للإقامة في هذه البلدان بما فيهم السادة الأئمة ورجال الدين الذي يدعُون على اليهود والنصارى بالويل والثبور وعظائم الأمور، بل وقد يلجؤون في بعض الأحيان حتى للطرق غير القانونية أو غير المشروعة لضمان الإقامة في “دار الكفر” لأنها توفر لهم العديد من الامتيازات التي هم في حاجة إليها، إنهم يمارسون تجارة الرقية الشرعية مقابل العملة الصعبة وما خفي كان أعظم، فهل من المعقول الإيمان ببعض المواطنة والكفر بالبعض الآخر؟ ألا يعد ذلك انتهازية ونفاقا؟ بالتأكيد أصحاب القرار في العالم الغربي لهم ملاحظات على هذا السلوك الذي لا يقره دين وشرائع وضعية.
في الوقت الذي غاب فيه التسامح فيما بيننا نطلبه من غيرنا، وفي الوقت الذي نطلب ونطالب الغرب بتوقيف سفك الدماء ضدنا من خلال الحروب التي يفتعلها في ديارنا، نمارس أبشع التقتيل في بعضنا البعض وعلى صيحات “الله أكبر” وما ذلك إلا لأن كل طائفة من أمتنا تدعي بأنها على حق وهي “الطائفة المنصورة” وغيرها على باطل.
هذه النوعية من البشر كما ذكرت سابقا ممن نقلت الأمراض والعلل من بلدانها الأصلية إلى العالم الغربي الجديد الذي تقيم فيه وحاملة مقولة “دار الإسلام ودار الكفر” في عالم السياسة، ففي الجانب الاجتماعي: هل من المعقول ومن المقبول حين الحديث عن حقوق الرجل على المرأة الاستشهاد بحديث مشكوك في صحته وندعي بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيما معناه إنه لو أن سائلا من حديد صدئ وقيح نزل من أنف الرجل وشربته الزوجة، ما وفت بذلك حقه؟ هل تحول الزوج إلى إله يُعبد؟ وهل يقبل هذا الكلام المقزز للنفوس حتى في بيئتنا البدوية فما بالك في بيئة تحظى فيها المرأة بكل الرعاية والتكريم والتفضيل والتقديم في المجالس؟
أمر آخر له علاقة بالمرأة لأن شكل لباسها يسفر عن مظاهر الإسلام أكثر من الرجل: هل من المعقول استنزاف طاقة المسلمين في قضايا خلافية مثل النقاب؟ أم هو العناء وحب التحدي وفقط؟ ولكن مرة أخرى أقول إن جهلنا بديننا هو الذي فتح الباب للغارة علينا، ففي الوقت الذي غاب فيه التسامح فيما بيننا نطلبه من غيرنا، وفي الوقت الذي نطلب ونطالب الغرب بتوقيف سفك الدماء ضدنا من خلال الحروب التي يفتعلها في ديارنا، نمارس أبشع التقتيل في بعضنا البعض وعلى صيحات “الله أكبر” وما ذلك إلا لأن كل طائفة من أمتنا تدعي بأنها على حق وهي “الطائفة المنصورة” وغيرها على باطل، الأمر الذي دفع حتى ببعض المسلمين إلى الخوف من الإسلام الذي ينتمون إليه بالفطرة، وإلى البحث عن دين آخر وهذه فتنة أخرى أخطر من الإسلاموفوفيا، إذن لا يمكن أن تتقلص دائرة الإسلاموفوفيا أو تتلاشى إلا بإحداث إصلاح ديني عميق وجريء حتى نعطي الصورة الحقيقية والإنسانية للإسلام الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق.