-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خارطة طريق لحلّ أزمة قطاع التربية

محمد بوالروايح
  • 4907
  • 14
خارطة طريق لحلّ أزمة قطاع التربية

لا أقصد بالأزمة حالة الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تكون نتيجة حتمية لإفلاس الأنظمة، وإنما أقصد بالأزمة حالة اللاإستقرار النسبي التي يولدها الصراع الذي يحدث بين طرفين أو أكثر بسبب سوء التفاهم وغياب ثقافة الحوار، وهذه الحالة الأخيرة هي التي نعيشها في الجزائر منذ ثلاثة أشهر أو تزيد ممثلة في الإضرابات التي مست قطاعات كثيرة ومنها قطاع التربية، ويهمني في هذا المقال الوقوف عند الأزمة التي يشهدها هذا القطاع الذي يمر بمنعطف خطير قد يعصف -لا قدر الله- برمزية المدرسة الجزائرية، التي تعيش وضعا لا تحسد عليه يستدعي تضافر الجهود من داخل القطاع ومن خارجه بغية تجنب حالة الانسداد وقطع الطريق أمام دعاة الفساد.

يمكن أن أقدم بداية توصيفا عاما لأسباب هذه الأزمة، التي تتلخص في رؤية نقابية ترى الأستاذ شخصا مهمشا في سلم الحقوق المادية والاعتبارية، ورؤية رسمية ترى أن التربية تحتل صدارة اهتمامات الدولة، وفي ظل التضارب بين الرؤيتين من حيث الظاهر وغياب التقارب، استحال الإجماع على رؤية توافقية تضعنا على طريق حل الأزمة حفاظا على أمننا التربوي.

يجب الابتعاد عن لغة الاتهامات المتبادلة وبخاصة في الفضاءات الإعلامية، والتركيز على الفضاء التربوي وهو الفضاء الطبيعي لكل نقاش تربوي، ولا يعني هذا الدعوة إلى إقصاء الإعلام؛ إذ لا خلاف بأنه يؤدي دورا مهما في تنوير الرأي العام، ولكن بشرط ألا يتجاوز هذا الدور التنويري إلى لعب أدوار أخرى ليست من اختصاصه.

إن مشهد الإضرابات والاحتجاجات في قطاع التربية التي نصبح ونمسي على وقعها واقعٌ مر لا يخدم المؤسسة التربوية، بل لا يخدم المؤسسة المجتمعية برمَّتها، ومن ثم فإن التفكير الجاد في حل هذه الأزمة هو العاصم من حالة الانسداد، ولا يتأتى ذلك في نظري إلا بتوظيف فن إدارة الأزمات الذي جرَّبته كثيرٌ من الدول فأتى بنتائج باهرة بعد أن كان يغلب على الظن أنها مستحيلة أو عصية على التحقيق، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل نحن مؤهلون لإدارة الأزمات؟ إذا كنا غير مؤهلين فإنه لا يحق لنا أدبيا وأخلاقيا أن نتصدى لحل المشكلة، لأننا جزء من المشكلة أو المشكلة نفسها، وهنا تنطبق علينا مقولة “فاقد الشيء لا يعطيه”، وإذا كنا مؤهلين فينبغي ألا نتردد في استخدام هذه الأهلية لحل هذه المشكلة، لأنه واجب لا يقبل التأخير. 

إن رؤيتي لحل أزمة قطاع التربية تتلخص في النقاط الآتية :

1- الاتفاق على أن الأزمة التربوية هي أزمة مجتمعية، ومن ثم فإنها تحتاج إلى إرادة ومبادرة وطنية شاملة قادرة على تحويل الاحتقان الاجتماعي الذي يراهن عليه المرجفون والنافخون في الأزمة إلى احتكام اجتماعي يتم بموجبه الاحتكام إلى الضمير الجمعي بغية اقتراح الآليات التي يجب اتخاذها من أجل إنقاذ المدرسة الجزائرية، مع ضرورة التزام نقابة الأساتذة بمبدأ تحديد سقف المطالب، والتزام الوصاية بالاستجابة لهذه المطالب حسب الإمكانات الوطنية المتاحة.

2- الاتفاق على أن التربية تأتي في صدارة الاهتمامات الوطنية، وضرورة استبعاد النظرة السلبية القائلة بأن المدرسة قطاعٌ غير منتج، وأنها تشكل -حسب بعض الآراء- عبءا ماليا على الدولة، ومن باب التحفيز على  تحقيق هذا المسعى أسوق النموذج الياباني في المجال التربوي، حيث جعلت اليابان الوظيفة التربوية في قمة الوظائف وجعلت المربي في أعلى السلم الاجتماعي.

إن تحقيق ذلك ممكن عندنا، لأنه ليس في دستورنا ونصوصنا القانونية ومواثيقنا الاجتماعية ما يحول دون تحقيق ذلك، بل كلها تؤكد أن التربية

هي الغاية وأن المدرسة هي صمام الأمان لتحقيق الاستقرار الاجتماعي .

3- من المؤسف أن نقول إن بعض التربويين عندنا لا يحسنون إدارة الأزمات؛ إذ يلقون بالأزمة التربوية إلى الشارع فيتخطفها من ليسوا بأهلها ممن يندسون ويتسللون لزيادة الاحتقان والحرص على إفساد كل مبادرة للتسوية وإجهاضها في مهدها، إن الشارع لا يحل أزمة، بل يزيد في تعقيدها وتعميقها.

4- يجب المسارعة إلى عقد ندوة وطنية تخصص لأزمة قطاع التربية يحضر لها صناع القرار ويحضرها ممثلون عن نقابات التربية والقطاعات الأخرى ذات الصلة من أجل بحث الأزمة، ورصد الحلول الممكنة، وهذا بعد مناقشة لائحة المطالب وتصنيفها إلى ثلاثة أصناف: مطالب ممكنة، ومطالب مؤجلة، ومطالب مستحيلة.

5- القبول بمنطق التنازل من الطرفين حرصا على المصلحة العليا، ومن أشكال التنازل تأجيل المطالب المختلَف عليها إلى غاية تحقق شروطها والظروف المواتية لتحقيقها.

6- عدم الزج بالعدالة في حلبة الصراع، لأنها جهة قضائية مهمتها النظر في الشكاوى وإصدار القرارات التي توجب على الأطراف المتخاصمة الالتزام بها بصفة حرْفية وعدم الاعتراض عليها إلا وفق أطر التقاضي المتعارف عليها، أقول هذا حتى لا يتحول الصراع من صراع تربوي تربوي إلى صراع تربوي قضائي أو نقابي قضائي.

7- الابتعاد عن لغة الاتهامات المتبادلة وبخاصة في الفضاءات

الإعلامية، والتركيز على الفضاء التربوي وهو الفضاء الطبيعي لكل نقاش تربوي، ولا يعني هذا الدعوة إلى إقصاء الإعلام؛ إذ لا خلاف بأنه يؤدي دورا مهما في تنوير الرأي العام، ولكن بشرط ألا يتجاوز هذا

الدور التنويري إلى لعب أدوار أخرى ليست من اختصاصه .

8- التزام النقابات بميثاق الأخلاقيات والآداب التربوية وبشروط العمل

النقابي الذي ينص عليه التنظيم، وعدم تحويل الحق النقابي إلى آلية ضغط على الوصاية من أجل حملها على الاستجابة للمطالب المرفوعة، فالحق النقابي يحكمه من جهة مبدأ الموازنة بين الحقوق والواجبات ويحكمه من جهة أحرى مبدأ: “تنتهي حريتك حينما تبدأ حرية الآخرين”.

9- أن يفكر الجميع في مستقبل الأجيال وحقها في التمدرس بعيدا عن الضغوط النفسية التي يمكن أن يتسبب فيها صراع ليسوا طرفا فيه بأي حال من الأحوال.

10- تكريس تقاليد تربوية راقية نتبنى من خلالها تغليب ثقافة الحوار التي لا غنى عنها لحلحلة الوضع المعقد الذي يشهده قطاع التربية.

11- تشكيل لجنة وطنية عليا للمتابعة، مهمتها وضع الاتفاقات التي تم

التوصل إليها موضع التنفيذ، أقول هذا، لأن مشكلة غياب المتابعة في كثير من الخلافات هي التي تؤدي في بعض الأحيان بطريقة أو بأخرى إلى عودة حالة الفصام والصدام أو العودة إلى نقطة الصفر.

هذه هي خارطة الطريق لحل أزمة قطاع التربية، لا أزعم أنها مبتكرة وغير مسبوقة، بل هي معهودة ومكرسة، وغاية ما أقوم به هو التذكير بها من باب “وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، لقد أردت إرسال صيحة تحذير من وضع تربوي نخشى فيه على حاضرنا ومستقبلنا وأجيالنا، وأتمنى أن تساهم النخبة الثقافية والأسرة التربوية والوطنية في دعم هذا المسعى بآرائها وتوجيهاتها .

أقول في النهاية إن المؤسسة التربوية هي فخرنا جميعا وهي حجر الزاوية في عملية النهضة والتنمية الوطنية، فما جدوى تحقيق مطالب مهنية وتضييع أو تمييع المهنة، أرجو أن يتقبل التربويون هذه الرسالة، فإنما دفعتني إلى كتابتها الغيرة على المؤسسة التربوية التي أحسب نفسي جنديا من جنودها، ودفعني إليها قبل ذلك الحرص على مستقبل الأجيال الصاعدة في الجزائر العامرة التي هي أمُّنا جميعا. والله وليّ التوفيق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • كمال

    حسب معلوماتي هو رد الاعتبار لنقابي اعتدى على المدير
    و نقابي قضى 19 شهرا في فرنسا

  • Lم،ص

    في. هذا. النقاش. العقيم. أتحفتنا. الجزائرية. الثالثة. بنقاش. مفتوح. وهو. في الواقع. مغلق. لا. وجود. لممثلي النقابات. المضروبة بل. شخصيات. مثقفة. وجدت. نفسها. تدور في. نقاش. مغلق. حول. اخلاقية المهنة. و. وضيفتها الاجتماعية حتى ظهرت. فكرة. من الذريعة. تشير الى. ضرورة. منع. الإضراب في التربية وكان الإشرافي. السوق. اوفي. شركة. المياه او توزيع. البنزين. ليست. خدمة. عمومية. بإمكان أصحابها الإضراب. عيب. يا. قناة. كان بامكانكم. استضافة ممثل. عن الادارة. ومثل. عن النقابةفيكون. النقاش. مفتوح

  • مجيد

    اذا ارادت معالي الوزيرة تحسن قذاعها يجب عليها تفكيك التنطيم الانتهازي المسمى الكناباست الذي اصبحت مطالبة مادية مثل المرنزقة كسب المال وفقط ( الكناباست تستعمل الطلبة والتلاميذ كدروع بشرية لتحقيق مكاسب مادية وتخاف من الوزيرة كما يستعمل الارهاب الابرياء من اجل الهروب من قاوت الامن)
    الكناباست هو تجمه انتهازي لبقايا الجل المحل هدفهم واحد هو زعزعة استقرار البلد ونشر الفوضى ويطالبون بمطالب تعجيزية هي ليست من احتصاص الوزيرة والخطير انا الكناباست تقوم بمراقبة مدراء التربية والوزيرة ذاتها وهذا خطا كبير

  • مدوخ

    السلام عليكم ، المنظومة التربوية يراها القائمون عليها واجب مفروض على من يشتغل بها و لو لم يأكل و يشرب ، كيف تريدون من المربي أن ينسى نفسه و عائلته من أجل أولاد الجزائر لماذا لا تطلبون هذا الطلب من الجيش لإن الجيش حسبكم يحمي الجزائر إذن ألغوا الخدمة الوطنية حتى يتفرغ وحده لحماية الوطن ، لماذا لا تتكلم الصحافة عنه مثلما تتكلم عن المربي ، لماذا لا تجرون استفتاء عام على المواطنين في من له الأولوية في العناية و الإهتمام لدى الدولة ، أنا أرى أن المنظومة التربوية مظلومة و أنا كنت فردا منها و أشعر حتى ا

  • chamok

    شكرا يا سيدي وجهة نظركم واضحة ومفيدة ومعقولة
    الصراع في مدرستنا له عدة أوجه
    1-الصراع من أجل البطن يمثل % 90
    2-سياسي %05
    3-هويي % 3
    4-التربوي %2
    الأستاذة بن غبريط ورثت مدرسة منكوبة بمعلميها ومتعلميها (لاحظوا المطالب المنح و العتبة)
    و هي تحاول أن تضعها على السكة بمقاييس عالمية
    أما دور الأساسي للمدرسة هو تكوين إنسان حرا فقط بكل معاني كلمة الحر

  • بدون اسم

    لا فض يا أخي لقد أثلجت صدري ,حتى العجائز عندنا يعرفن أين الخلل .والله اني لاعجب من الاستاذ هل يعيش بيننا أم يعيش في بلد اخر والسلام.

  • الطيب ـ 3 ـ

    خارطة الطريق يا أستاذ لإصلاح التربية لن تخرج لوحدها بل هي جزء من خارطة طريق لإصلاح حياتنا كلها و إلا نحن بصدد " ترقيع " جزء من مجتمعنا و حتى و إن نجحنا في ترقيعه لن يُكتب له النجاح بغير سند يسنده و السند هو المجتمع الصالح ..

  • الطيب ـ 2 ـ

    و بمناهج معينة تهدف إلى تكوين تلميذ بتصورات معينة و فكر معين للوصول إلى إنسان معين ...نحن على اختلاف حول مشروع مجتمع و بالتالي هذا يتسبب في اختلافنا حول جميع مناحي مجتمعنا و منها المنظومة التربوية . و مشروع مجتمع تقرره في الحقيقة الأمة بكل مسؤولية و شفافية بإشراكها بحق في الكبيرة و الصغيرة و على الفئة القليلة الالتزام و احترام ما تقرره الفئة الغالبة عندها توكل و تفوض الغالبة أمورها كلها إلى خيرة طاقاتها من علماء و خبراء و أهل اختصاص للانطلاق في التأسيس لمشروع مجتمع الذي هو مشروع أمة ...يتبع

  • الطيب ـ 1 ـ

    نعم قد تكون خارطة طريق و لكن إصلاح المنظومة التربوية هو إصلاح لجزء من كل ، الخلل ضرَب المجتمع كله بجميع مناحيه و قطاعاته يا أستاذ ... نعم يمكن أن ينطلق إصلاح مجتمع بأكمله من إصلاح منظومته التربوية و لكن مَن يسهر و مَن يقوم بهذا الإصلاح و هل نحن على اتفاق أصلاً بضرورة الإصلاح !؟ لأنّه يوجد فينا مَن يقول: إصلاح ماذا ؟ كل شيء على مايرام ! هل نحن على اتفاق يا أستاذ حول المدرسة التي نريد !؟ أم كل منا يريد مدرسة بمواصفات معينة ....يتبع

  • احمد

    حين تفشل الدولة و المجتمع في ادارة و تنوع مواطنيها وعندما نهرب من الاسئلة التي في حقيقتهابلا اجابات لان الواقع عندنا اكبر من ان يختصر في الرئاسة او رئيس الحكومة وانما في التعدد السياسي فلا تكفي البيانات ولا توقعات و لا الاعلانات و لذا ليس من الغريب ان تقسم السودان و يحرق الجيش البرومي مواطنيه ويذهب الاكرا دالى الاستفتاء و يرفع الامازيغ عندنا علما بديلا لما مات من اجله مليون و نصف مليون شهيد و تفصل بن غبريط الالاف باسم القانون الذي نسج بعيدا عن ارادتنا و تفقر الاف البيوت و يعامل المواطن بمكيالين

  • امازيغي قح

    شكراجزيلا على هذا المقال الشيق -وعليه لأنجاح خارطةطريق لحل الازمة في التربيةالواردة في المقال الصحفي يجب ان يكون الوزير كفؤا نابغة وله دراية علمية وحنكة في التربية والتعليم أهل للأختصاص ويفتح قلبه لكل الحوارات فهو راع ومسؤول عن رعيته -أما الوزيرة الحالية سدت كل الابواب الحوار في قطاعها تعنتر تخويف زبر وخصم وتهديداستدعاء المستخلفين المراهقين فشل ورداءة في المستوى الرسالي والتصريحي بكثرة الاخطاء والزلات اللغوية منذ تعيينها على رأس اعلى هرم وقطاع في الجزائر لأن فاقد الشيء لايعطيه قطارهاوضع في الرمل

  • فوضيل

    لا أظن أننا وصلنا إلى مستوى التخطيط العلمي لإدارة الأزمات في بلادنا بل الأمر مرتبط أساسا "بموازين القوة "« rapport de force"،من المفروض عدم ترك المشاكل تتراكم ويجب حلها بشكل دوري ودائم... وحل المشكلات والأزمات يتطلب بذل الجهد وإعمال العقل....أما البحث عن الحلول السهلة يزيد المشكلات ويعقدها ويحولها الى أزمات،للأسف اغلب إداراتنا تعمل وفق منطق ماشي الحال ولا يبحثون عن حلول جذرية وجدية، وغالبا السلطة ترفض الاعتراف بوجود أي خلل في كيانها الإداري...وعلى المسؤول آن يقلع عن أسلوب التهديد والوعيد ..

  • شعيب السطايفي الثائر

    السلام على من اتبع الهدى .أما بعد لدي سؤال بسيط ها أطلعت على قانون الذي يسير النقابات حتى تتهجم عليها . ثانيا هل إطلعت على سبب الإضراب

  • ابو ايمان

    و نعم الرأي