الرأي

خاسرٌ.. مرشح لـ”العضّ”

عمار يزلي
  • 553
  • 2
ح.م

 يبدو أن رحى ترامب لم تعد تجد ما تجترّ من فراغ طحين، فعمدت إلى تآكل فكي الرحى الحجرية لوْكا لنفس الهدير عن التزوير الشامل وعن التشكيك في كل المؤسسات، من القضاء إلى الانتخابات إلى مسئولي التحقيقات والأمن السيبرالي والحكّام: الكل عنده لا يقول الحقيقة ويتواطأ مع خصمه بايدن وفريقه من الديمقراطيين و”السفهاء” الذين صوتوا له حسب تعبيره.. فقط هو من يقول الحقيقة. هذا الهراء الذي مس مصداقية كل المؤسسات الأمريكية، في حالة ما إذا لم يعفُ عن نفسه وعن عائلته قبل المغادرة، فإنه قد يجلب له متاعب قد لا تنتهي حتى مع انتهاء حياته. الأمر غير متعلق بحرية التعبير، بل بموضوع أمن وطني، كونه يدعو أصحابه إلى رفض النظام القائم برمَّته. ولو كان ترامب على مستوى عال من العفة السياسية، لكان الجميع شهد أن ذلك حق، وأمّا أن يكون الرئيس الخاسر، على عكس هذه الأخلاقيات السياسية كلها، فإن غالبية الناس حتى ممن انتخبوه وصوّتوا له سيقولون في قرارة أنفسهم إنما هو “حق أريد به باطل”.

ترامب الغاضب، الرافض لكل ما هو “غير هو”، لتضخُّم الأنانية وفرط الشعور بالكِبْر والتعالي عنده، ورفض الواقع برفض الخسارة، هو تجسيدٌ لبارانويا واضحة، حتى عند الأطباء ومنهم: ابنة أخيه الطبيبة النفسانية، في كتابها الأخير.

الكل يعرف أنه بات في ذمّة الرؤساء السابقين، ولكنه يرفض إلى اليوم أن يعترف ويصمت. يكابر ويزايد ويطرد كل من لا يقف معه ويسانده في وهمه. هذه النماذج العقلية، كنا نجدها فقط في الأنظمة الشمولية الحديثة من خروتشوف إلى القدافي.. إلى بوتفليقة.. الذين يتخذون “موشطاش ـ ارين” ليس للاستشارة، بل لتنفيذ رأيهم بلا منازع، وإذا ما ناقشهم المستشار وأشاروا عليهم بما لا تهوى أنفسهم، كان عاقبتهم العزل. ترامب عزل وأقال خلال ولاية واحدة أضعاف ما شهده هذا البلد منذ عدة رؤساء مجتمعين. هذا يؤكد أن من بقي معه اليوم، إلا قليل منهم، هم من المسايرين له والمتزلفين القائلين نعم ولو كانوا يعلمون أن نَعمهم تعني لاءً.

آخر نكت ترامب المسلية أنه طلب من بايدن إذا أراد أن يدخل البيت الأبيض، أن يعطي الدليل على أن 80 مليون صوت هي فعلا حقيقية وليست مزوَّرة. وهذه من أغبى الأمور عند الحقوقيين، فالكل يعرف أن “البيِّنة على من ادَّعى”، وهذه كما يقال عن أحد قضاة خلفاء العباسيين، تتطلب العضّ وليس شيئا آخر: فقد كان قاض يعضّ بعضا من المتداعين أمامه، لأنه لم يجد وسيلة أخرى يعاقبهم بها، فشكاه أحدهم للخليفة، فحضر يوما الخليفة بنفسه المحاكمة من خلف الستار وراح يستمع إلى الحجج: تقدم رجلٌ أمام القاضي قائلا: أيها القاضي، هذا الرجل يدَّعي أني مدانٌ له بدينار. فقال له القاضي: وهل هذا صحيح؟ قال: نعم.. دينار فقط، لكن لا مال معي. قال له القاضي: ردّ دينك بالتقسيط. قال له: لا دخل لي. قال له: عليك أن تردّ الدين كاملا ولو بالتقسيط. تدفع للرجل كل شهر دانقا؟.. (ميليم) ممكن؟ فقال له: ممكن لكن بشرط: أن يدخل الرجل السجن طيلة السنوات التي أردّ له فيها دينه حتى لا يزعجني كل يوم بطلب الدانق كل شهر. هنا خرج الخليفة من مخبئه وصاح في القاضي: إما أن تعضّه أو أعضّه أنا شخصيا.

هكذا ترامب: من المفروض أن يجد أحدا يعضّه.. لا من “يعِظهُ”.

مقالات ذات صلة