-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خديجة دحماني.. شهيدة الإعلام الجزائري

بقلم: المهدي ضربان
  • 496
  • 0
خديجة دحماني.. شهيدة الإعلام الجزائري

كانت تجربة مميزة ورائعة ترصد فعلا.. لغة وأحاسيس ورؤى عايشتها عبر تفاصيل حياتية صادقة.. أتذكر تلك الأيام في مؤسسة الشروق.. كيف كان لي أن ألتقيها أمامي في المؤسسة.. سمعت باسمها وعرفت أنها من مدينة سيدي عيسى بالمسيلة.. تلك التي عاشت عند أخيها في العاصمة.. الراحل دحماني البغدادي الذي يقطن مدينة براقي حيث كانت تعيش هناك.. هكذا رسمت عنها صورة نظرية عنها ومن بعيد.. لكنني لم أكن أتصورها يوما بذلك العطاء… وذلك الزاد الذي رسم لي توليفة عطاءات كبيرة.. عشت جيدا تفاصيلها ولغتها وحركاتها.. بل حراكها الجميل في تثوير الأفكار وتلوينها بكوكتيل معارف أكاديمية وتجربوية..

تلك كانت حكايتي مع الراحلة خديجة دحماني التي كان يراسلها باستمرار الشاعر أحمد مطر وقرأت من عندها ما بعثه لها من دواوين بعنوان “لافتات”.. سعيدة كانت وهي تعيش على وقع كلمات كتبها لها أحمد مطر.. كبيرة هي حينما أتذكّر تواجدي يوما مع أخيها الحاج قدور دحماني في أروقة إذاعة الحضنة.. تكلم عنها الحاج قدور بإسهاب تراجمَ ومحطات رافقت حياتها.

ساهمتْ في تشكيل مضامين رؤاها ومعارفها.. بل كتاباتها الراقية التي ارتسمت في صفحات “الشروق العربي” الأسبوعية.. وكذا ملحقها “الشروق الثقافي” الذي اشتغلتُ فيه أمين عامّ التحرير.. حينما انصهرت حكاياتها في أروقة المؤسسة… تحيلك جيدا على معدن بنت طيبة من طينة الكبار.. حركاتها.. تفاصيلها.. كلها ألوان من حديقتها اليانعة.. كانت الأقرب لي في التخمين والتناغم والألفة.. بل هي عِشرة رسمتها الكينونة والمكان.. حينما إنصهرت رؤانا دون بروتوكول أو كليشيهات مصطنعة.. كانت فعلا الأنموذج الإنساني الذي نفتخر به في معمعة الإعلام والكتابة.. كانت سيدة للحرف والبوح والاضافات العجيبة.

نعم هي بالتأكيد من أقصدها.. وهي بالطبع من رسمت لوحدها حكاية من رسائل تؤدي المعنى والإضافات.. إنها الراحلة الإعلامية خديجة دحماني التي عرفتها عن قرب في “الشروق الثقافي”.. جاءت هكذا ترسم لمؤسسة “الشروق العربي” لمسة جادة في ثنايا المشهد الإعلامي.. حينما صنعت كتاباتها وعبر أنواع صحفية عديدة… أن تكون أنموذجا لم أشاهد مثله من قبل طيلة حياتي الصحفية..

يقول لعموري عليش:

” خديجة دحماني نشأت في عائلة محافظة في مدينة سيدي عيسى بالمسيلة، تتكون من 8 ذكور و3 إناث، وخديجة هي البنت الصغرى بينهن، وُلدت سنة 1966، درست المرحلة الابتدائية في مدرسة لكحل عبد العزيز للإناث، والمرحلة المتوسطة في متوسطة أول نوفمبر سابقا، علي بن أبي طالب حاليا، ثم شدّت الرحال رفقة أخيها الأكبر البغدادي يرحمه الله لتكمل المرحلة الثانوية بثانوية معركة اليرموك ببراقي، فالجامعة بجامعة العلوم الإسلامية ببوزريعة…”

نعم.. كانت محطة من تعارف جمعتني بهذه الكبيرة الإعلامية خديجة دحماني التي عرفت جيدا أنها من طينتي ومن فصيلتي.. هذه التي كانت بمثابة الأيقونة واللؤلؤة التي انصهرت كل آراء الإعلاميين في صحيفة “الشروق العربي” على أنها وليّة من أولياء الله الصالحين.. إنسانة عجيبة ولها تميز وذكاء و روحانية.. كان لها الوقع الجميل في كل نفوس الزملاء.. كانت بمثابة الإنسانة التي جمعت كل الخصال الخيّرة.. من نفس لها تلك الطيبة التي تجعلها الأقرب للكل.. بل كانت الفراشة التي تغذي بطلتها هذا الذي يجمع الكل على مائدة واحدة.. تعطينا نفسا جميلا.. حينما كانت صديقة الكل.. في كل زوايا وأركان أسبوعية “الشروق العربي”..

خديجة تكاد تكون الوحيدة في الجزائر التي تكتب في كل الأركان والزوايا.. بل على صلة بكل ما يتعلق بعالم الصحافة مضمونا وإخراجا وحتى ما تعلق بالخط والعناوين وما إلى ذلك من صفحات الجريدة الأسبوعية.. وصلت خديجة إلى درجة أنها تكتب في زوايا مختلفة.. كالتسلية فكانت خبيرة في الكلمات المتقاطعة.. فكل عددٍ يحمل تخمينا لها وفواصلَ من تفكير يرصد لعبة العقل والمحطات التي لها صلة بالألعاب والتسلية.. حتى الأبراج كانت تلونها بلغتها الساخرة.. كأن تتلاعب بأسماء تعارفنا عليها في الأبراج.. فيتحول عندها الثور إلى العجمي.. والأسد إلى السبع.. والدلو إلى البيدون.. هي إذن حكاية تغوص في تخمينها.. هذه المتخصِّصة في الشريعة الإسلامية التي لوَّنت مقالاتِها رؤى ترصد كل ما يبني قيما وأخلاقا ومحطات من المعاني التي كانت تنشد الإصلاح والفلاح للأمة.. في زمن كان يعيش نظرة من التشدد لكنها عُرفت بوسطيتها التي لامست المعنى والمضمون.. تكتب كتاباتٍ لها صلة بكل ما يصلح المجتمع ويعطي نظرة واعدة لما ينبغي أن يكون عليه السلوك المجتمعي الذي ينصهر عادة في رؤية تعي جيدا خديجة كيف تحيل القارئ وكلَّ مُطالع.. لهذا الزخم من المضامين التي تغذي الروح وتسكب في النفوس.. لمسات من الخير والإصلاح والمضامين المميزة..

هكذا كانت خديجة دحماني تنشر رسالتها وتوزع مضامين منهجيتها الإصلاحية المطعمة بعرف اجتماعي يهدف إلى الجمع لا التفرقة.. عاشت لهذا حينما نشرت رسالتها الواعية وحينما عرفنا وقتها أنها.. كانت سيدة الاستطلاعات والتحقيقات بلا منازع.. كانت خديجة تكتب تحقيقاتٍ مطعمة بفلافل من المعاني والإضافات والأرقام والدلالات التي تجعل من مادّتها لغة للقارئ الواعي والذي يملك جيدا هذه النّاصية التي تجعل من المادة الإعلامية خلاصا ومتعة.

كذلك سنت خديجة منهاجا لهذا البُعد القيَمي الذي لوّن فواصلها وجعلها محبوبة كثيرا لدى المدير العام الراحل علي فضيل وجميع زملائها.. لقد كسبت القلوب وأصبحت أنموذجا يرسم الإضافات لنا ولكل الإعلاميين الذين عرفوا بالدليل أنهم أمام عبقرية واعدة وإنسانة متميزة خارقة ومذهلة.. لها باعٌ في الإعلام وفي التواصل وفي الجمع بين الناس.. كانت أنموذجا فريدا من نوعه في ثنايا أروقة “الشروق العربي”.. من هناك ترى بعينيك رئيس التحرير خالد عمر بن ققه معها في مكتبه يتناقشان في موضوع أو مواضيع ستقترحها خديجة.. هي الوحيدة التي تخترع لك مواضيعَ وعناوينها.. كان رئيس التحرير خالد عمر بن ققة.. وفيما بعد رشيد فضيل لا يجدان صعوبة في رسم ما تتفضل به الراحلة خديجة دحماني من اقتراحات.. كانت هي من تلوِّن المشهد وترسم الحكاية الخبرية وتجانب كل رؤية تتماشى مع الخط التحريري لـ”الشروق العربي”..

وفي مدينة براقي كانت الحكاية.. كانت النهاية.. كانت الوجع.. كانت هذا المعنى الذي يحيلك على ما عشناه في عشرية سوداء.. عايشتها هي خديجة دحماني في الأحياء الساخنة بمدينة براقي.. لتتحول هي وقودا لذلك المعنى الجاحد والمأساوي حينما تأتيها ثلاث رصاصات في الرأس وتسرق حقيبتها.. وتُغتال من طرف معتوه…هو لا يعي أبدا أنه قام بقتل أمّة بكاملها.. ماتت خديجة دحماني بالرصاص بتاريخ 5 ديسمبر 1995.. ماتت لتترك أثرها وفواصلها ورسالتها باقية إلى حد الساعة.. ننعم أن نعيش على وقع رؤاها الوسطية الطاهرة.

بتاريخ 8 مارس 2015.. تم تدشين المركز ثقافي بسيدي عيسى.. حمل اسمها.. حضر تدشينه كبارٌ من مثقفي وكتاب هذه الأمة يتقدمهم :

الراحل سليمان بخليلي، السيناتور محمد الصالح حرز الله، العيد بن عروس، ربيعة جلطي، عماري وهيبة، صورية بوعمامة، سليم قلالة.. وآخرون كثيرون…

تلك كانت حكايتي مع الراحلة خديجة دحماني التي كان يراسلها باستمرار الشاعر أحمد مطر وقرأت من عندها ما بعثه لها من دواوين بعنوان “لافتات”.. سعيدة كانت وهي تعيش على وقع كلمات كتبها لها أحمد مطر.. كبيرة هي حينما أتذكّر تواجدي يوما مع أخيها الحاج قدور دحماني في أروقة إذاعة الحضنة.. تكلم عنها الحاج قدور بإسهاب تراجمَ ومحطات رافقت حياتها.. سررت يومها أننا عشنا محطاتها من جديد كبيرة في محفل الإضافات والعطاءات واحدة من عائلتي ومن قريتي وقبيلتي.. أسعد كل مرة رسمت فيها كلماتي.. كيف لا وهي شهيدة الصحافة الجزائرية.. واحدة كما ترون.. هي فعلا.. في القلب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!