-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

خذ الدّرس من تواضع ذي القرنيْن

أبو جرة سلطاني
  • 614
  • 0
خذ الدّرس من تواضع ذي القرنيْن

القائد المبدع قويّ في نفسه متواضع لمن حوله حريص على الإنجاز الميدانيّ وعلى الاستعانة بمن حوله، ولو كان مستغنٍ عنهم. وكلّ متواضع حريص على وحدة صفّه وعلى مُراكمة التّجربة وكسْب الأنصار وضمّ الإنجاز الصّغير إلى إنجاز صغير آخر لتكثير مجموعها بالتّراكم وبالصّبر على لأواء الطّريق.

ومن صفات القائد المتواضع تجنّب السّقوط في حمأة الطّين وتحاشي الوقوع في ملوّثات السّمع وإشراك كلّ قادر على المساهمة في الإنجاز -بأيّ جهد- لتحرير النّفس من “شرنقة الأنانيّة” المقيتة إلى فُسْحة العمل الجماعيّ المبارك ورد كلّ ذلك إلى رحمة الله الموفّق إلى الرّشد المعين على الخير المجزي على المشقّة..

لم يصنع ذو القرنين بطولة لنفسه، ولم يتحدّث عن قدراته وكفاءاته واستغنائه عن المحيطين به.. ولم يزعم أنه جاء منقذا ومخلّصا وأنه أتى ما لم تأتِ به الأوائل، بل ردّ كلّ فضل لله بتواضع جمّ وبكثير من نكران الذّات. فصناعة البطولات الفرديّة تقتل روح المبادرة وتدفع كثيرا من الأنصار إلى التّحوّل من ميدان العمل إلى مواقع المتفرّجين، بعطالة ناقدة ترى جهودها تُسرق على لسان دعيّ متطاول بنسبة كلّ إنجاز إلى نفسه: أنا قلت، وأنا فكّرت، وأنا خطّطت، وأنا أنجزت.. ولولايْ لما كنتم شيئا مذكورا.

القائد الأنانيّ صاحبُ إنجازات فردية يعتقد أنه لم يشاركه فيها أحد؛ فهو “السيّد الأوحد” والبقيّة له خدم. وهو زعْم لم ينسبه الأنبيّاء والمرسلون لأنفسهم فكيف بمن هم دونهم من سائر البشر. وهذا هو الفرْق الذي سجّله القرآن الكريم المجيد بين خطاب فرعون: ((قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) غافر: 29، وبين خطاب ملكة سبأ: ((قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ)) (النّمل: 32).

أمّا الأنبيّاء فمنصورون بالله ثم بأنصارهم وبمن حولهم مددا وسندا: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) (الأنفال: 62)، وهو الدّرس الذي تعلّمناه من إنجازات ذي القرنين الذي أتاه الله من الأسباب ما يسّر تجواله بين المشرق والمغرب؛ فأنجز الكثير من المفاخر ولم ينسب لنفسه شيئًا منها وإنّما ردّها جميعا إلى فضل الله ورحمته الواسعة. وما زاد سوى تذكيرهم بأنه ساهم في إخراج الكسالى منهم من سلبيّتهم إلى الإيجاب، ونزع عنهم غطاء الاسترخاء بحثّهم على إعانته بقوّة. مع أنّ مثله لا يحتاج إلى مساعدة وقد أوتيّ من كلّ شيء سببا. ولكنّه أراد أن يشعرهم بقيمة العمل وبرسالتهم في هذا الوجود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!