-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خرائط المخزن لن توقف عجلة التاريخ

خرائط المخزن لن توقف عجلة التاريخ

كان دومًا قدر الجزائر أن تحمل هموم المغرب العربي والإفريقي والإقليمي منذ ثورة 1954، والتي تحررت بفضلها أقطار الجوار وكثير من بلدان القارة، ثم ظلت بلادنا داعمة لحركات التحرر في كل مكان، مثلما وقفت مع الآخرين من الأشقاء والأصدقاء في كل الظروف الاستثنائية بكل ما تملك، ولم يكتب التاريخ يومًا أنها كانت ضمن محاور التآمر على أي طرف.
طريق الجزائر المستقلة كان واضحا منذ البداية في الانحياز إلى الخيار العربي والتكتل المغاربي وعدم الانحياز في ظل الحرب الباردة والدفاع عن نظام دولي جديد عادل لصالح كل البشرية، لذلك لم يكن في وُسعها أن تكون من أزلام الإمبريالية في المنطقة ولا ربيبتها الصهيونية، بل وقفت بشموخ مع القضايا العادلة.
لذلك قدّمت الجزائر كل التنازلات الممكنة لأجل التأسيس المغاربي، ليس منذ إعلان “الاتحاد” رسميّا عام 1989، بل قبلها بعقود، في إطار السعي لبناء علاقات حسن الجوار والدعم الأخوي للدول الشقيقة، وعلى رأسها المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، برغم كل المناورات والأطماع التي برزت خلال مفاوضات ترسيم الحدود.
مقابل ذلك، كان النظام المغربي على الدوام قنبلة موقوتة في طريق كل المبادرات المغاربية، مُنحازًا ضد خيارات شعوب المنطقة، وبسبب أحلامه التوسعية تعطلت حركة البناء المغاربي منذ ستينيات القرن العشرين، بل إنها بقيت ملغمة إلى اليوم بمشكلة الاستعمار المفتعلة، إذ تضع الإقليم في حالة الصراع الدائم وعلى حافة الحرب في كثير من المناسبات.
صحيح أن المخزن نجح في وأد أحلام الشعوب المغاربية في الوحدة والاستقرار حتى الآن، باحتلال الصحراء الغربية وجلب الكيان الصهيوني للمنطقة، فضلاً عن تحالفاته الأخرى المعروفة تاريخيّا مع قوى الاستعمار الحديث، لكنه لن يتمكن من توقيف عجلة التاريخ أمام الإرادة الحرة للصحراويين ولا ضدّ تطلعات باقي الأشقاء المغاربة في صناعة مستقبل تكاملي مشترك، خاصة في ظل التحديات المصيرية للجميع.
الآلية التنسيقية الثلاثية التي بادرت إليها الجزائر مؤخرا، رفقة تونس وليبيا، لإعادة تفعيل العمل المغاربي المجمد، هي السبيل العقلاني لحماية المنطقة من المخاطر الوجودية، إذ تعطي الأمل أكثر من أي وقت مضى في تحصين الإقليم من مخاطر الجريمة المنظمة وإحياء المشاريع الاندماجية الكبرى.
يبقى من الضروري اقتناعُ نواكشوط بالانخراط في المشروع لمصلحتها الوطنية أوّلا ولأجل استقرار الإقليم، وبذلك ستتكرس عزلة النظام المغربي العدواني الذي صار عبءا خطيرا على المنطقة، حتى يعود إلى رشده، بالتخلّي عن العمالة الصهيونية والانسحاب من الأراضي الصحراوية.
حان الوقت ليدرك نظام المخزن أنّ ما عجز عن تحقيقه طيلة نصف قرن من دعم الإمبريالية والصهيونية لن ينجزه بعد نهاية عصر الاستعمار، وعليه أن يتعلّم من إخفاقاته المتوالية في كل المناورات التي نسجها، وسقوط كافة الأوراق التي لعبها ضمن الهدف التوسُّعي الفاشل، بروايات تاريخية أوهن من بيت العنكبوت، موروثة من طقوس الممالك المتهالكة، ظنّ معها “أميرُ الحشيش” أن كلّ سكان المنطقة إلى حدود تمبكتو كانوا يدينون لأجداده بالولاء، وما درى المتوهِّم أنْ لا أحد يصدق تلك السخافة إلا نفرٌ من العبيد لا يزالون يقبّلون يده الملوَّثة بدماء الفلسطينيين والصحراويين أمام دهشة العالم المتحرّر.
ومثلما لم يفلح المخزن قبل 60 عامًا في ضمّ موريتانيا، بعد ما رفض الاعتراف بها عقب استقلالها عن فرنسا، كما فشل في التوسّع نحو الجزائر شرقًا خلال حرب الرمال 1963، رغم محاولة ابتزازها مع الجنرال شارل ديغول في عزِّ المفاوضات مع الحكومة المؤقتة، ثم إجهاض الرئيس هواري بومدين لمسعاه الاستعماري في تقاسم الصحراء الغربية مرة مع نواكشوط وأخرى مع الجزائر، فإنه لن ينجح في القرن الواحد والعشرين بخرائط مزوَّرة في التدليس على الرأي العام الدولي، ناهيك على تغيير مجرى التاريخ.
لا شكّ عندنا في أن المستقبل سيكون للفلسطينيين والصحراويين ولشعوب المغرب العربي في بناء تكتل إقليمي قويّ، لا مكان فيه للاحتلال ولأذناب الصهيونية، لأن التاريخ يصنعه الأحرار والإرادات الصادقة، ولا ترسمه الخرائط المزيفة في مسرحيات المؤتمرات ومهازل الرياضة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!