خصم وحكم
الإصلاحات السياسية التي أمر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بدء المشورات بشأن تجسيدها، الا ان الملاحظ انها لم تتجاوز خطوط الخطاب التقليدي من النوع الذي يسمعه الجزائريون منذ عقود كثيرة، فإن تكليف الإدارة والتحالف الرئاسي بتجسيدها هو الذي قد يزيد الطين بلّة والأمور تعقيدا ويضيف المزيد لما بين فكي رحى الأزمة الجزائرية المعقدة والمتعددة الأبعاد والتي أثبت الزمن، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة أن مثل هذه الإجراءات والخطابات التقليدية المستهلكة لا تزيدها إلا التهابا وتعقيدا.
-
وحتى ما نلاحظه من تجنيد على مستوى الإعلام الرسمي وخاصة التلفزيون من أجل تمرير هذه الإصلاحات لا يختلف في شيء عن حملات الشرح والتوعية التي كان ينظمها الحزب الواحد لشرح خطاب “الأخ الرئيس”. وكيف يمكن أن تختلف الأمور بين الأمس واليوم وأفلان الأمس هو نفسه الذي يتكفل اليوم بهذا التهريج يساعده في ذلك حزب الأرندي الذي خرج من صلبه في عملية أشبه بالإستنساخ. والأدهى من ذلك والابأس أن النظام يدفع بأشخاص من هذين الحزبين ومن أحزاب وجمعيات رسمية أخرى إلى الواجهة وإلى شاشة التلفزيون والصحافة العمومية والخاصة لشرح هذه الإصلاحات والتوعية بها وتمريرها إلى المجتمع والرأي العام.. والواحد منهم لا يفرق بين الحكومة والدولة فيجعل منهما شيئا واحدا كما يفعل ببقية المؤسسات والهيئات ويلغي الفروق والاختصاصات والحدود بينها فيجعل من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية سلطة واحدة يجب أن تكون في خدمة النظام والأشخاص من خلال الدفاع المستميت عن مسؤولين بعينهم أو إدارات وشركات بعينها، وهذه عودة بالبلاد إلى عصور يختلط فيها الحابل بالنابل وتسود فيها الهمجية في زمن يتطلع فيه المجتمع برمته إلى نظام سياسي عصري منظم يقوم على دولة القانون، كما هو حاصل في بقية مجتمعات العالم اليوم.
-
وعندما تتكفل الإدارة ووزارة الداخلية بالتحديد ورسميا ودون غيرها من الهيئات والمؤسسات بعملية تطبيق الإصلاحات المعلن عنها فإن ذلك يزيد من قتامة وبؤس المنظر ويجعل الناس أبعد ما يكونون عن الإيمان بهذه الإصلاحات، بل وحتى عن تصديقها مجرد التصديق أو قبولها من باب الافتراض، إذ كيف يمكن أن تكون هذه الإدارة الخصم والحكم في نفس الوقت، خاصة وأنها كانت دائما جزءا من الأزمة السياسية والاخلاقية والإدارية في الجزائر وكانت دائما تقف في صف المناهضين لمصالح المجتمع وحتى مصالح الدولة الجزائرية وممارسة الحڤرة أو الاحتقار على الشعب النابع أساسا من كونها امتدادا للإدارة الاستعمارية بذهنياتها وتصرفاتها وطبيعة تكوينها.
-
هذان نموذجان لممارسة النظام الجزائري للإصلاحات السياسية على طريقته، كافيان للإثبات أن الجزائر في حاجة إلى إصلاحات سياسية أخرى غير التي يجري الحديث عنها.