-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خطر الدولة اليهودية على العالم

ناصر حمدادوش
  • 875
  • 1
خطر الدولة اليهودية على العالم

ألَّف “تيودور هرتزل”(1860م- 1904م) مؤسِّس الحركة الصُّهيونية كتيِّبه السياسي “الدولة اليهودية” سنة 1895م، والذي أراده أن يكون خيالًا سياسيًّا مفتوحًا أمام اليهود في العالم، ويعتبر نفسه المكتشف الحقيقي للمشكلة اليهودية، وقد طلب من المثقفين اليهود الذين سبقوه أن ينظروا إلى محاولاتهم السابقة في حلِّها على أنها خطأ ولا فائدة منها، وقال فيه: “إنَّ الدولة اليهودية ضرورية للعالم، ولذلك سوف تقوم”.

وتقوم أفكاره على مسلَّماتٍ عنصرية، ومنها: أنَّ اليهود أنقى أمةٍ في العالم، وأنَّ الدولة اليهودية ستكون حِصنًا للتفوُّق الحضاري في مواجهة همجية الآخرين، وأنه يجب فرض الهيمنة على العرب، من نهر الفرات بالعراق إلى نهر النيل بمصر، وأنه يجب ترحيل غير اليهود من الدولة اليهودية حتى تكون نقيةً خالصة، وأن تكون هذه الدولة بمثابة خطِّ الدفاع الأول عن الحضارة الغربية.

وقد ركَّزالمؤسِّسون للصُّهيونية على نقاء الدم اليهودي والانتماء العرقي، ومقاومة الاندماج في المجتمعات الأخرى، وهو ما يعني التركيز على التفوُّق العنصري، والنقاء العنصري، والفصل العنصري، والانغلاق العنصري. وقد قامت الصُّهيونية على قاعدة أنَّ اليهودية ليست مجرد ديانة، بل هي قومية، وأنَّ اليهودية هي الوجه الديني للصُّهيونية، كما أنَّ الصُّهيونية هي الوجه السياسي لليهودية، وأنَّ هذا الكيان الصُّهيوني (دولة إسرائيل المزعومة) هو الإطار السياسي للصُّهيونية، والتي تمثُّل الوجهين: الديني والسِّياسي لليهودية.

وقد قامت الصُّهيونية منذ نشأتها وزحفها على أرض فلسطين كوطنِ قوميٍّ لليهود في العالم على العقيدة العنصرية، فلا تؤمن إلاَّ باستعمال العنف والإرهاب والإبادة والحروب العدوانية لفرض نفوذها وهيمنتها على الآخرين.

تعاظم خطر الصُّهيونية إذن عندما أصبحت لها دولةٌ معترفٌ بها في الأمم المتحدة منذ 1948م، مع أنها إلى حدِّ الآن ليست لها حدودٌ جغرافيةٌ معروفةٌ ومحدَّدة، ولا تملك دستورًا، وقد تعمَّدت الصهيونية عدم الحسم في الحدود والدستور حتى تبقى أطماعُها التوسُّعية أكبر من مجرد أرض فلسطين، بل تمتد حسب معتقداتهم الدينية إلى ما هو أوسع من ذلك.

جاء في البرتوكول الأول من “بروتوكولات حكماء صهيون”: “..خيرُ النتائج في حكم العالم ما يُنتزع بالعنف والإرهاب، لا بالمناقشات الأكاديمية..”، وهو ما تسعى إليه إسرائيل عبر الدين الجديد “الديانة الإبراهيمية” التي تحاول -يائسةً- الجمع بين الإسلام واليهودية والمسيحية، وتبني عليها أوهام التطبيع مع جميع الدول العربية والإسلامية، لتتمدَّد في المنطقة كما تشاء.

يقول “موشي دايان” (1915م– 1981م) وزير الحرب الصهيوني الأسبق سنة 1977م عن حدود إسرائيل الدينية والتاريخية، وليست الحدود الجغرافية والسياسية المعترف بها دوليًّا: “إذا كنَّا نملك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة”، وهي التي تتجاوز حدود فلسطين.

ومن ثمة، فإنَّ هذه العقيدة الصُّهيونية المتدثِّرة بالنصوص التوراتية المحرَّفة تشكل خطرًا على السلم والأمن الإقليمييْن والدولييْن، لأنَّ هذه الصُّهيونية الدينية الحاكمة في إسرائيل لا تعترف بأيِّ مرجعيةٍ دولية، سواء كانت اتفاقياتٍ دولية أو كانت قراراتٍ أممية، وهو ما دعا “روجي غارودي”في كتابه “الأساطير المؤسِّسة للسياسات الإسرائيلية” إلى القول: “.. إنَّ استغلال ماضٍ أسطوري على هذا النحو يقود مستقبل عالمنا إلى ما يمكن أن يكون انتحارًا كونيًّا” (ص 64).

يعتقد البعض أنَّ خطر الصُّهيونية مرتبطً فقط بأرض فلسطين وبالفلسطينيين فقط، ولكن الغوص في العقيدة اليهودية عمومًا، والإيديولوجية الصُّهيونية خصوصًا، وحجم الأدبيات العنصرية ضدَّ غير اليهود المنصوص عليها – صراحةً – في ثقافتهم المعاصرة، ومنها “بروتوكولات حكماء صهيون”، وما كتبه مؤسس الصهيونية “تيودور هرتزل”، وما طفحت بها تصريحات القيادات الدينية والفكرية والسياسية والعسكرية للكيان الصهيوني، يدرك حجم الخطر الذي تُبْطِنه هذه الحركة الصُّهيونية العنصرية العالمية، فهذا الحاخام “كوهين” يقول في كتابه “التلمود” الصادر بباريس سنة 1986م: “يمكن تقسيم العالم إلى قسمين: إسرائيل من جهة، والأمم الأخرى من جهة أخرى، فإسرائيل هي الشعب المختار، وهذه عقيدة أساسية”.

إنَّ الفضل في انكشاف خطر الصُّهيونية على العالم في العصر الحديث يعود بالأساس إلى الصُّهيونية نفسها، والتي هي حركة غارقةٌ في العنصرية والتطرُّف، وهي التي قامت على أُسُسٍ عرقية وقومية، لا علاقة لها بالديانة اليهودية في جوهرها، فقد تمَّ انتقاد هذه الحركة في أوائل نشأتها من قبل رجال الدِّين اليهود أنفسهم، ورفضوا الاعتراف بها والتعاون معها، وهو ما دفعها إلى ارتكاب مجازر في حقِّ اليهود الرافضين لها في عدة دول، من أجل دفعهم إلى الهجرة إلى أرض فلسطين، الوطن القومي المزعوم، الأكثر أمانًا واستقرارًا لليهود في العالم كما يدَّعون.

ولم تكن الصُّهيونية مهتمةً بدماء اليهود التي كانت تُسفك على يد جيوش “الرايخ” الألمانية النازية مثلاً، بل كان همُّها هو بعث الروح في مشروع دولتها “إسرائيل”، متخذة من تلك الدماء اليهودية حجة لإقناع يهود العالم بهذا الكيان السياسي للصُّهيونية، إذْ يؤكد التاريخ أنَّ الحركة الصُّهيونية لم تصفِّ العرب فقط، بل صفَّت كذلك اليهود الذين رفضوا الهجرة إلى فلسطين المحتلّة، بل إنَّ الحركة الصُّهيونية كانت تمارس التمييز العنصري بين اليهود أنفسهم في عملية استقطابهم واستيرادهم إلى أرض فلسطين، فكانت تهتمُّ بأصحاب رؤوس الأموال والعسكريين والعباقرة دون غيرهم من اليهود الفقراء الضعفاء والمشرَّدين في أصقاع العالم.

كان العالم يدرك خطر الصُّهيونية في العقود الماضية، ففي(الدورة 30) بتاريخ 10 نوفمبر 1975م اتخذت الأمم المتحدة القرار رقم: 3379، والذي سَاوَى بين الصُّهيونية والعنصرية، وجاء في القرار: “إنَّ الصُّهيونية هي شكلٌ من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، وطالبت جميعَ دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصُّهيونية التي تشكِّل خطرًا على الأمن والسِّلم العالمييْن، مستندةً إلى قرارها رقم 1904، المؤرَّخ في 20 نوفمبر 1963م، الذي تؤكد فيه بوجهٍ خاص على: “أنَّ أيَّ مذهبٍ يقوم على التفرقة العنصرية أو التفوُّق العنصري مذهبٌ خاطئٌ علميًّا، ومشجوب أدبيًّا، وظالمٌ وخطرٌ اجتماعيًّا”، وتشير أيضًا إلى قرارها 3151 المؤرخ في 14 ديسمبر 1973 مالذي يؤكد ذلك التحالف الآثم بين العنصرية والصُّهيونية.  إلاَّ أنَّ رأس الأفعى الصُّهيونية ضغطت عبر الجهود الأمريكية من أجل إلغاء هذا القرار سنة 1991م، بعد التغيُّرات التي حدثت في النظام العالمي آنذاك، وهو سقوط الاتحاد السوفياتي، وهيمنة الأحادية القطبية، وطغيان الزمن الأمريكي، وهو ما زاد في النزعة العنصرية للكيان الصُّهيوني، وزاد من خطر الصُّهيونية في تهديد الاستقرار العالمي عبر سياسات إسرائيل العنصرية والدموية.

لقد جاءت معركة “طوفان الأقصى” لتنبِّه العالم إلى خطر الصُّهيونية الدينية الحاكمة في إسرائيل، وهو ما أعلنت عنه كذلك منظمة العفو الدولية “أمنستي” عبر تقريرها الذي حمل عنوان: “نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضدَّ الفلسطينيين، بأنه: نظامٌ قاسٍ، يقوم على الهيمنة والجريمة ضدَّ الإنسانية”، وكذلك ما أكَّده عددٌ من التقارير الحقوقية الدولية مثل تقرير “هيومان رايتس ووتش” الذي أصدرته سنة 2021م تتَّهم فيه إسرائيل بأنها دولةُ فصلٍ عنصري، وهذا ما تمارسه، كما أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يتَّهم فيه إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وأنها تمارس سياساتٍ عنصرية، كما أصدرت اللجنة الاقتصادية والإجتماعية التابعة للأمم المتحدة سنة 2017م تقريرًا تتَّهم فيه إسرائيل بتأسيس نظامِ فصلٍ عنصريٍّ، وأوصى المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بشرعية هذا النظام أو التعامل معه أو تقديم المساعدة له، والتعاون من أجل القضاء على هذا النظام البغيض، وإعادة تفعيل قرارات مناهضة “الأبرتهايد”.

كان العالم يدرك خطر الصُّهيونية في العقود الماضية، ففي(الدورة 30) بتاريخ 10 نوفمبر 1975م اتخذت الأمم المتحدة القرار رقم: 3379، والذي سَاوَى بين الصُّهيونية والعنصرية، وجاء في القرار: “إنَّ الصُّهيونية هي شكلٌ من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، وطالبت جميعَ دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصُّهيونية التي تشكِّل خطرًا على الأمن والسِّلم العالمييْن، مستندةً إلى قرارها رقم 1904، المؤرَّخ في 20 نوفمبر 1963م.

يمكن القول إن الحركة الصهيونية هي أحدُ أبرز الحركات العنصرية في التاريخ، لتحقيق حلم دولة أكبر هي “دولة إسرائيل العظمى” والتي هي في الحقيقة ليست حلم اليهود المتدينين بل حلم الصهاينة القوميين الذين يرون في العرق اليهودي وليس الدين اليهودي، العرقَ الأرقى، فغالبية المتدينين اليهود يعتقدون بأن أرض إسرائيل لن تكون لهم إلا بعودة المسيح أو المشيح، وأن الزمن الذي يسبق عودته لا مكان فيه لدولة إسرائيل، وقدر اليهود التشتت إلى حين ذلك الموعد الموعود.

أن الحركة الصهيونية كانت في بدايتها حركة قومية لا علاقة لها بالدين إلا باعتباره أداة استقطاب، بل إن الجيل الأول من الإسرائيليين كان ينتمي في غالبيته إلى اليسار اللاديني مثل غوالدا مائير وبن غليون. القومية الصهيونية قادت إذن إلى التعصب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزاءري

    وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. الصهيونية خطرها فقط على من يتبعها مثل الشيطان !