-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خطوة لتخفيف الاحتقان السُّني الشيعي

حسين لقرع
  • 457
  • 0
خطوة لتخفيف الاحتقان السُّني الشيعي

يشكّل الاتفاقُ السعودي الإيراني في العاصمة الصينية بيكين يوم الجمعة 10 مارس 2023 على عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، حدثا بارزا ذا أثر كبير على المنطقة العربية الإسلامية، بعد قطيعةٍ دامت سبع سنوات كاملة وتفاقمت الصراعات والتجاذبات والاستقطابات الطائفية بالمنطقة، وأغرقتها في بحر متلاطم من الفتن والحروب.

الحدث كبيرٌ وبالغ الأهمية بالنظر إلى الثقل الإقليمي للبلدين، وتأثير عودة العلاقات بينهما في حلّ القضايا العالقة، والمساهمة في إرساء السلام الدائم في اليمن وسوريا والعراق وتحقيق الاستقرار في لبنان، والسماح لهذه الدول بالتقاط أنفاسها ولملمة جراحها بعد أن تحوّلت إلى دول فاشلة تنخرها الحروبُ والصراعات والفتن، وينهشها الفقرُ والحرمان، وتقسّمها الاصطفافاتُ الطائفية التي حوّلت أبناءها إلى أعداء متناحرين يتعصّبون لطائفتهم ومذهبهم ويحرصون على الانتصار لها أكثر من حرصهم على التمسّك بهُويتهم الوطنية الجامعة، ما جعل المنطقة قاب قوسين أو أدنى من إعادة التقسيم وتحقيق “سايكس بيكو 2” على أسُس طائفية وعرقية، وهو ما نبّهنا إليه مرارا وطالبنا بتجاوز الصراعات والخلافات القائمة بالحوار وحده لمنع تحقيق هذا المشروع الصهيونيِّ الغربيِّ الجديد بأعينٍ عربية مفتوحة هذه المرة، خلافا لمشروع “سايكس بيكو 1” في 1916 الذي وُضع ونُفّذ في غفلةٍ من الأجداد.

أكثر من ذلك، رأينا كيف استغلّ العدوُّ الصهيوني قطعَ العلاقات بين السعودية وإيران في 2014، لتلميع صورته الدَّموية البشعة والتقرّب من بعض دول الخليج وإقناعها بـأنّ هناك “خطرا إيرانيا” يداهمها، ويمكنه حمايتُها منه إذا طبّعت وعقدت تحالفا عسكريا واستخباراتيا وثيقا معه. وللأسف، فقد استجابت الإمارات والبحرين ثم المغرب لهذه المصْيَدة المُنصّبة لها بإحكام في أواخر 2020، وأصبحت تردّد أطروحة غريبة مفادها أن الاحتلال لم يعد عدوّا لها، بل العدوُّ هو إيران. وفي الجهة الأخرى، تفتّحت شهيَّة الحكومة الصهيونية الفاشية لضمّ السعودية إلى قائمة “اتفاقات أبراهام”، والتخطيط لمرور طائراتها الحربية عبر أجوائها لضرب المفاعلات النووية الإيرانية.

اليوم، يمكن القولُ إنّ الاتفاق السعودي الإيراني على إعادة العلاقات بينهما وحلّ القضايا العالقة بينهما بالحوار وحده، قد نسف أحلام نتنياهو وحكومته العنصرية التي لا تتورّع عن قتل الفلسطينيين يوميا، في إقامة تحالفٍ صهيونيٍّ- عربي واسع ضد طهران، تكون السعودية إحدى أهمّ ركائزه، وهو ما نلمسه بوضوح من خلال ردود الأفعال الحزينة في تل أبيب على هذا الاتفاق التاريخي، كما وضعت أنظمة التطبيع والانبطاح في حرج كبير، فماذا تقول الآن لشعوبها والحالُ أنّ السعودية نفسها لم تعُد ترى إيرانَ عدوًّا وتصالحت معها؟

واللافت أنّ الصين هي التي قادت بنجاح مفاوضات الوساطة بين البلدين المسلمين الكبيرين اللذين قد ينضمّان قريبا إلى منظمة “بريكس” ويكبر هذا التحالفُ الشرقيُّ بعيدا عن القطبِ الأحاديِّ الغربي، وبذلك يتعاظم نفوذُ الصين في الشرق الأوسط –كما يتعاظم في إفريقيا أيضا- على حساب النفوذ التقليدي لواشنطن، ولكنّ ودِدنا لو كان صاحب الوساطة الناجحة بلدا عربيا أو إسلاميا، وللأسف فقد قُطعت العلاقات بين البلدين المسلمين 7 سنوات كاملة ولم نرَ خلالها وساطاتٍ عربية أو إسلامية عدا محاولاتٍ من العراق وسلطنة عُمان، وهذا تقصيرٌ كبير من الدول الإسلامية الـ56، فما الذي كان يمنعها من التوسُّط لرأب الصدع وإصلاح ذات البين وهي ترى الاصطفافاتِ السياسية والطائفية تنخر المنطقة والعالمَ الإسلاميَّ كلّه بسبب التأثير السلبي الشديد لهذه القطيعة غير المبرَّرة؟

عمومًا، مباركٌ للسعودية وإيران عودةَ العلاقات بينهما، ونأمل أن يكون ذلك فاتحةَ خيرٍ للبلدين وللإقليم كلّه، ومدخلا للتنفيس عن الاحتقانات الطائفية المتراكمة وعودة التعايش المذهبي والسِّلم والاستقرار إلى المنطقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!