-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خمسة أحداث شكّلت الشخصية السياسية لعلي فضيل

خمسة أحداث شكّلت الشخصية السياسية لعلي فضيل

أثرت خمسة أحداث بارزة في تشكيل شخصية الأخ علي فضيل السياسية رحمه الله:

ـ الحدث الأول: إضراب الجامعة الجزائرية لأجل تعريب الإدارة من 12 ديسمبر 1979 إلى 21 جانفي 1980.

ـ الحدث الثاني: ما جرى بالحي الجامعي  طالب عبد الرحمن ببن عكنون يوم 2 نوفمبر سنة  1982.

ـ الحدث الثالث: تجمع التيار الإسلامي في الجامعة المركزية يوم 12 نوفمبر 1982.

ـ  الحدث الرابع: المؤتمر الثالث لاتحاد الصحفيين الجزائريين المنعقد بقصر الصنوبر يوم 16  نوفمبر 1982.

ـ الحدث الخامس: أول  اعتقال لعلي فضيل يوم 27 نوفمبر 1982.

كان علي فضيل خلال الحدث الأول طالبا في معهد العلوم السياسية والإعلام في السنة الثالثة. لم يتردد في اتخاذ موقف. اللغة العربية بالنسبة له مُقدسة. ولا يمكن استعادة الشخصية الوطنية الجزائرية دونها. شارك في الإضراب بفعالية. كتب الشعارات والنشرات اليومية التي كان يقوم بإلصاقها على الجدران بنفسه. كان يرى بقاء هيمنة لغة مستعمِر الأمس  في الإدارة وضعا غير طبيعي، فيه إنقاص من السيادة الوطنية. اللغة بالنسبة له لم تكن مسألة شكلية بل مسألة سيادة أيضا. لم يكن من المقبول لديه في تلك الفترة أن تبقى وثائق الهوية تصدر باللغة الأجنبية بعد 20 سنة من الاستقلال. وكانت هذه قناعة غالبية من الطلبة في تلك الفترة. أطلقت هذه المجموعة على نفسها آنذاك اسم “الطلبة الوطنيون”. كانت النشرات والملصقات الحائطية تُمضَى بهذا الاسم. وكان الغرض منه هو تمييز هؤلاء الطلبة عن التيارين السائدين آنذاك والمتصارعين (الإسلامي واليساري) إلى جانب التيارات الأخرى الأقلّ تأثيرا في الوسط الطلابي.

تجلّت الروح الوطنية عند الأخ علي فضيل في الدفاع عن اللغة العربية، رغم تمكّنه من اللغتين الفرنسية والانجليزية ورغم حرصه على تعلم الأمازيغية. لم تكن المسألة بالنسبة إليه مرتبطة بلقمة العيش أو الوظيفة بل كانت قضيّة مبدأية. تشهد غرف الحي الجامعي طالب عبد الرحمن على نشاطه الجاد في هذا المجال. ومازِلتُ أذكر إلى حد اليوم مع الأخ باديس قدادرة كيف كان يجتهد باستمرار لإيجاد العبارة أو المصطلح الملائم للتعبير عن أحد المواقف في النشرات الحائطية  ككتابة “القوى الخبيثة” المعادية للغة العربية بدل أي مصطلح آخر يصف هذه القوى المعادية للّغة العربية. ربما كانت هي تلك أولى كتابات علي فضيل السياسية، التي حَوَّل فيها قناعاته الفكرية إلى فعل ميداني كان مُتطابقا مع منظومة القيم التي تشكلت لديه في صباه وتشبع بها من خلال أسرته وبخاصة والدِه رحمه الله.

أما خلال الحدث الثاني فقد كان صحفيا في بداية مشواره بجريدة “الشعب” اليومية. التحق سنة بعدي بالقسم الوطني الذي كان يترأسه آنذاك المرحوم بشير حمادي، احتكَّ الأخ علي فضيل في هذا القسم بالواقع. عرف من خلال التغطيات الميدانية كيف هي حال الجزائر  خارج أسوار الجامعة. تعلّم من خلال القسم الوطني كيف يرى الأشياء على حقيقتها خلافا لِما كان يدرسه في الجامعة. كانت جريدة “الشعب” في تلك الفترة اليومية الوحيدة باللغة العربية في الجزائر. لم تكن جريدة حزبية، إنَّما كانت تدافع عن الأهداف الوطنية في نطاق الحزب الواحد.

صادف أن كانت فترة التحاق علي فضيل بهذه الجريدة بداية تحوُّل الجزائر من المرحلة البومدينية إلى مرحلة الشاذلي بن جديد؛ إذ بدأت بوادر الانفتاح تلوح في الأفق إنْ في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي. انعكس هذا الوضع على الحياة الجامعية التي مازال علي فضيل  مرتبطا بها من خلال السكن والدراسة في الماجستير. كان الحي الجامعي طالب عبد الرحمن هو محل إقامتنا ونحن صحفيون بصفتنا طلبة ماجستير بعد نجاحنا في مسابقة هذا الطور تِباعا.

وتَجلَّت التحولات السياسية بوضوح في هذا الحي الذي كان يقطنه الأخ علي في الجناح “ف” الغرفة رقم 6. برز لأول مرة فيه التيار الإسلامي بقوة بعد السيطرة على لجنة الحي، وتدحرج التيار اليساري إلى المرتبة الثانية لأول مرة بعد أن كان المهيمن على الجامعة في سبعينيات القرن الماضي. وبدأت تبرز لدى التيارين توجهاتٌ مُتطرفة تُنبِئ باحتدام الصراع بينهما. كان الأخ علي عضوا في لجنة الحي سنة 1981. كان يُسِرُّ لي بأنه لا يتفق مع أعضاء لجنة الحي في كل شيء بل ويتناقض مع مواقفهم في كثير من المسائل. كانت الوطنية لديه تُكمِّل الإسلام الذي تربى عليه في بيته وفي المسجد، وما كان ليستطيع التخلي عن تلك الروح التي تربى عليها منذ صباه في أسرته المجاهدة، خلافا لبعض من أعضاء اللجنة الذين كانوا  يرون أن ليس كل المجاهدين استشهدوا في سبيل الله تلميحا لليساريين الذين شاركوا في الثورة. لم يكن الصِّراع حول لجنة الحي في حقيقة الأمر خاليا من الأبعاد الأيديولوجية، ومن التلاعبات أيضا التي تتم خلف الستار. وأدَّت هذه التلاعبات إلى تفجير هذا الصراع في شكل تناحر دموي بين الطلبة حدث يوم 2 نوفمبر1982، وذهب ضحيته أحد الشباب الأبرياء “كمال أمزال” رحمه الله الذي طُعن غدرا في نادي الحي الجامعي طالب عبد الرحمن وفارق الحياة.

كان علي فضيل طالبا في معهد العلوم السياسية والإعلام في السنة الثالثة. لم يتردد في اتخاذ موقف. اللغة العربية بالنسبة له مُقدسة. ولا يمكن استعادة الشخصية الوطنية الجزائرية دونها. شارك في الإضراب بفعالية. كتب الشعارات والنشرات اليومية التي كان يقوم بإلصاقها على الجدران بنفسه. كان يرى بقاء هيمنة لغة مستعمِر الأمس في الإدارة وضعا غير طبيعي، فيه إنقاص من السيادة الوطنية.

كانت هذه الحادثة مفصلية في تاريخ علي فضيل الشاب إذ اكتشف نتيجة التطرف من كلا الجانبين. وكيف كان سببا في تدهور الحال في الحي وفي المحيط الجامعي بشكل عامّ، بل كيف كان سببا في اعتقال عشرات الطلبة في تلك الفترة.

تزامنت هذه الحادثة مع حدثين بارزين آخرين وقعا في شهر نوفمبر 1982، وكان لهما الأثر البارز في الشخصية الفكرية والسياسية للأخ على فضيل هما: تجمُّع الجامعة المركزية في 12 من نوفمبر 1982 للتيار الإسلامي، والمؤتمر الثالث للصحفيين الجزائريين الذي عُقد بتاريخ 16 نوفمبر 1982. وبَدا وكأنَّ الأول يُبرِز الخيار الإسلامي والثاني يُبرِز الموقف الوطني. وقد تابع علي فضيل الحدث الأول كصحفي. لقد جرى التجمع في الجامعة المركزية التي لا يفصل القسم الوطني بالجريدة عنها سوى شارع واحد. كانت كلمات المتدخلين تصل مسامعنا في مكتب القسم الوطني. وقد تابع الأخ علي وقائعها وتداعياتها بشكل مباشر. وكان لذلك الأثرُ الكبير في تشكّل قناعته وموقفه من النضال الجماهيري بطريقة التيار الإسلامي آنذاك.

وساهم مؤتمر اتحاد الصحفيين الذي كان إحدى المنظمات الجماهيرية التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني آنذاك في إبقاء الأخ علي في نقطة التوازن بين الإسلام والوطنية. ولعلها الصفة التي ستلازمه طيلة حياته فيما بعد.

وجاءت حادثة اعتقاله أياما فقط بعد مؤتمر الصحفيين يوم 27 نوفمبر 1982 لتُحدِث ضبطا آخر في هذه الشخصية. عندما عُدت إلى دفاتر  مذكراتي التي كتبتها يوم 28 نوفمبر 1982 ومازلت احتفظ بها قرأت ما يلي: “وأنا أكتب في هذه الكلمات دق باب غرفتي ودخل أصدقاء لزميلي لا أعرفهم بالإسم وأعلموني أن علي فضيل غير موجود في منزله، وهو غير موجود هنا في الجزائر العاصمة، وقد اكتشفوا بأن غرفته قد كُسِر بابُها، وفُتّشت ولم تُسرَق؛ أي أن الشرطة اعتقلته…” وأضفت مستغربا في دفتر مذكراتي “وفضيل ليس فقط زميلي في العمل وفي الدراسة بل أحد أقرب زملائي الذين اتفق معهم في العديد من الأفكار وأنا الآن محتار لماذا أخذوه…؟” وواصلت الكتابة في الدفتر: “اتَّصلتُ بمدير المؤسسة في الصباح وأعلمته بما وقع، فأخذ سماعة التلفون وطلب الشرطة ووعدوه بأنهم سيخبرونه في المساء.

وفي المساء أخبروه بأنه غير موجود لديهم، أي أن الشرطة لم تعتقله، واتصلت برئيس التحرير محمد عباس وبعد ساعة تقريبا جاء ليخبرني أن علي فضيل اعتقل من قبل الأمن العسكري”… “وفي مساء السبت 4 ديسمبر 1982 توجَّهت إلى غرفة الشاب ابن قريته لأطلب منه إخبار أهله بذلك يوم الثلاثاء… ونحن جالسان في غرفته دقَّ الباب وكان علي فضيل…” وسأَلَنا عن أهله فأخبرناه بأنهم لم يَعلموا.. فتنفس الصعداء.. وبدأ يحكي لنا كيف قضى الأيام التسعة بالسجن وكانت حكايات طريفة”…

لا يسع المجالُ لأُفَصِّل أكثر في تفاصيل ما كتبت في مذكراتي آنذاك، ولكني أقول إن الأحداث الخمسة التي ذكرت، هي في تقديري التي صنعت شخصية علي فضيل السياسية والتي جعلته لا يفصل الإسلام عن الوطنية ولا الوطنية عن الإسلام، وصقلت مواقفَه من القضايا المحلية والدولية كقضية فلسطين ومسائل التحرر الوطني، وهي التي جعلته يُدرك طبيعة وكيفية التعامل مع السلطة أو مع التطرُّف من أي جهة كانت عندما أصبح على رأس أكبر مجمَّع إعلامي في الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!