داعِشْ على حدُودِنا
التّطورات الغريبة والمتسارعة في ليبيا، والتي انتهت بسيطرة ميليشيات داعش على العديد من المدن في المنطقة الشرقية، تجعلنا نتخوف فعلا من هذا البعبع، الذي التهم أجزاء كبيرة من العراق وسوريا وليبيا، وها هو ذا يقترب جزئيا من الجزائر، بل أصبح على الحدود معنا، على اعتبار أن ليبيا لم تعد دولة ذات حكومة مركزية بالشكل المتعارف عليه.
السّرعة التي ظهر بها تنظيم داعش في ليبيا، والسرعة التي انتشر بها في العديد من المدن، تستدعي دق ناقوس الخطر، لأن الأمر لم يعد يتعلق بجماعات إرهابية سرية تقوم بعمل إرهابي، بهدف خلق الصدى الإعلامي، ولكن يتعلق بجيش من المتطرفين الدمويين، يضع يده على مخازن كبرى للسلاح الخفيف والثقيل، وقد يسيطر على قواعد جوية كذلك، فيتعاظم خطره.
أسئلة كثيرة تُطرح حول الجهات المتورطة مع الدّواعش، خصوصا في مدينة سرت التي سيطروا عليها بشكل مفاجئ وسريع، ما يؤكد أن هذا التّوسع من ورائه رغبة في التّدخل العسكري الأجنبي، بالشّكل الذي رأيناه مع القصف المصري للمدن اللّيبية، وما سنراه مستقبلا، في ظلّ الدّعوات المتكرّرة لتدخّل دولي، يكون امتدادا للتّحالف الدّولي الذي يضرب في العراق وسوريا.
ستتدعّش ليبيا كلّها إذا كان الهدف من هذا التّدخل العسكري الدّولي هو تغليب كفّة الميليشيات المحسوبة على الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، ضد باقي الميليشيات المنضوية تحت لواء فجر ليبيا، وهذا هو الخطير، وما كان للمتطرفين أن يظهروا بهذه القوة لولا التّدخل المصري والخليجي السّري بالمال والسّلاح، لصالح حفتر، منذ أكثر من عام.
وما حدث خلال الأيام الأخيرة، كان نتيجة منطقية للأعمال المريبة التي قامت بها مصر والإمارات، بتمويل الثّورة المضادّة، ودعمها والعمل إلى إعادة العسْكر إلى الحكم في ليبيا عبر بوابة محاربة الإرهاب، ولم يتم التفريق في ذلك بين التيارات الإسلامية المعتدلة، وبين المتطرفين المحسوبين على القاعدة وتنظيم داعش.
لا يُمكن القفز على حقيقة الوضع في ليبيا، حيث يوجد حكومتان وبرلمانان، وهو المعطى الذي انطلقت منه المبادرة الجزائرية، التي لم يكتب لها النّجاح، وأصبحت جزءا من الماضي، في ظلّ المواجهة العسكرية المفتوحة مع تنظيم داعِش، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن أسباب تراجع الدّور الجزائري في المنطقة لصالح دول الخليج، مع أن المبادرة الجزائرية كانت تحمل الخير الكثير لليبيا وللجزائر وللمنطقة كلها…