-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دبلوماسية الثور الهائج

دبلوماسية الثور الهائج

كرر النظام المغربي قصة “رسالة الاعتراف” التي وقعت مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بشأن نزاع الصحراء الغربية، لكن هذه المرة مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وفي الحالتين تقمص القصر الملكي دور الناطق الرسمي باسم خارجية الجانبين للتعبير عن تغير في موقفهما.

وأعطى بيان القصر إشارة انطلاق احتفالات وسائل الإعلام المحسوبة عليه وقطعان الذباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بشأن “نصر مبين” جديد في ملف “القضية الوطنية”، إلى درجة أن المتابع يعتقد للوهلة الأولى أنه تم تحرير مدينتي سبتة ومليلية، أو أن الأمم المتحدة حولت ملف الصحراء الغربية من لجنة تصفية الاستعمار إلى مكتب مكافحة التغير المناخي.

واختصر “هاشتاج” أطلقه ناشطون عبر منصة تويتر، وحقق نسب تداول كبيرة، قصة هذه الرسالة الجديدة، إذ اختار له أصحابه عبارة “محتل يدعم محتلا” وليس أكثر من ذلك، كما أن هناك سؤالا يجب طرحه هو: ماذا يضيف موقف كيان يبحث عن اعتراف أكثر من 30 دولة في المنطقة والعالم به كدولة، لنظام آخر يريد تجاوز القانون الدولي لبسط سيطرته على أراضي شعب آخر؟

وبعيدا عن خطابات العواطف، قد يكون النظام المغربي حقق أحد أهم أهداف مقايضته القضية الفلسطينية بنزاع الصحراء الغربية، لكن ما سماه مريدوه انتصارا دبلوماسيا، بعد اعتراف كيان غاصب بمخططاته، هو في الحقيقة “إدانة أخلاقية” له، ونحن نتحدث عن دول فيها مكانة للأخلاق وليس عن حالة المخزن الذي تجرد منها منذ زمن.

كما أن أسئلة كثيرة طُرحت حول هذه “الرسالة” وظروف الإعلان عنها، فصاحبها نتنياهو قابع في المستشفى، وسلطات تل أبيب التزمت الصمت بشأنها، وهي تقريبا نفس ملابسات تولي القصر مهمة الحديث باسم بيدرو سانشيز عن تغير موقفه تجاه النزاع، لكن الأخير عاد مؤخرا و”تبرأ” من القرار وأنه لم يخرج عن مسار الأمم المتحدة، وذلك بعد أن حاصرته المعارضة بتهم تعرضه للابتزاز بعد التجسس على هاتفه، وهو ما يدفع للتساؤل حول المضمون الحقيقي لهذه الرسالة الجديدة؟ ومقابل ماذا سمحت تل أبيب بنشرها؟

وأكثر من ذلك، فإن توقيت نشرها تم اختياره بدقة، وهو تاريخ وقف الاتحاد الأوروبي العمل باتفاقية الصيد مع المغرب، بعد قرار قضائي يعتبرها باطلة كونها شملت سواحل الصحراء الغربية، بحكم أن القانون الدولي يعتبرها تابعة لإقليم مستقل عن المملكة، وهذا الأمر يدفع إلى الاعتقاد بأن “رسالة القصر” الجديدة موجهة للاستهلاك المحلي وللتغطية على القرار.

وبالعودة إلى أبعاد “الرسالة” وتداعياتها، فهي لا يمكن فصلها عن مسلسل بحلقات طويلة، أطلقه النظام المغربي قبل عامين مع تغريدة ترامب حول اعتراف أمريكي بسيادة الرباط على الأراضي الصحراوية والتي تبخر مفعولها بمجرد رحيله عن البيت الأبيض.

وبعد هذه التغريدة، أصبح “القصر” مثل الثور الهائج في سياسته الخارجية، أين حاول الاستثمار في “التغريدة” لحسم النزاع لصالحه، وتوجه شمالا نحو الاتحاد الأوروبي تارة بالابتزاز وتارة أخرى بمحاولات شراء الذمم، من أجل حمل دوله على الحذو حذو ترامب.

ونجح القصر في اصطياد سانشيز، لكنه اصطدم برفض من دول أوروبية أخرى كألمانيا وإيطاليا وحتى فرنسا التي كانت راعية سياساته في الصحراء الغربية لعقود، كما وجد نفسه غارقا في فضائح شراء ذمم وتجسس كشفها الإعلام.

وتزامنا مع ذلك، كان إعلام النظام المغربي مدعوما بالذباب يصول ويجول في المحافل الدولية علّه يعثر على خارطة نسي أصحابها رسم الخط الفاصل مع الصحراء الغربية، ويُحرف تصريحات ضيوف الرباط حول النزاع ويستجدي دعمهم للحكم الذاتي، لكي يُروج لانتصارات دبلوماسية وهمية، على طريقة اللص الذي يقضي كل حياته مهووسا بالبحث عمن يعترف له بأحقيته في شيء اختلسه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!