-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درء المفاسد، يبدأ بإقصاء عالِم المقاصد

درء المفاسد، يبدأ بإقصاء عالِم المقاصد

إن من نكد الدنيا على العلم والعلماء أن يتصدر المشهد، باسم العِلم والعلماء، من يدعو إلى عصبية جاهلية عمياء، ويُشرعِن لفتنة سفك الدماء، ويزرع العقارب بين الأقارب والأشقاء.
وإن من نكد الدنيا على المرء المسلم، أن يسلس قيادة مقاصده، إلى من يكون سببا في جلب مفاسده، فيثير سخط أقاربه وأباعده.
ذلك هو حالنا –اليوم- مع من تبوء باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مسؤولية القيادة، ليكون رمزا للاتحاد والسيادة، وعنوان جمع لوحدة المسلمين بحسن الريادة، وقدوة في المعاملات والعبادة، والسمو عن أية نعرة طائفية أو محلية أو اقليمية، تعيق تحقيق الاستقرار والسيادة.
ولكن عالم المقاصد الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني، كبا به الجواد، وخاب فيه أمل العباد والبلاد.
فقد خرج على الناس، بدعوة إلى سفك الدماء، وإلى مجاهدة المسلمين الأشقاء، والاستعداء على الآمنين الأبرياء، فكانت منه السقطة المذلة، والزلة التي ما بعدها زلة.
وبدل أن يعي الأستاذ الدكتور المتخصص في علم المقاصد، المسؤولية الملقاة على عاتقه، وهي قيادته لأكبر تنظيم عالمي إسلامي من أهم مبادئه المقدسة التجسيد للقيم الإسلامية النبيلة، والدوس على الأساليب السياسوية الهجينة، والظهور بمظهر القيادة الحكيمة الرزينة، خيب كل هذه الأعمال وخرج يدعو إلى إلغاء موريتانيا من الوجود، والزحف على تيندوف، لا بالجنود فقط، ولكن بالعلماء والدعاة المسلحين للقضاء على ما هو موجود !
لو صدر هذا من سياسي أرعن، لقلنا عنه أنه فاقد للوعي السياسي، ومتعطش إلى التمسك بالكراسي، ولكن كيف نعلل دعوة عالم يقود هيئة العلماء، في دعوته إلى سفك الدماء، وجهاد الأشقاء، والعدوانية على الآمنين الأبرياء ؟.
إننا نبرأ إلى الله، من هذه الفتنة الغاشية، وندعوه إلى التوبة منها، وتقديم الاعتذار لكل من الشعب الموريتاني، والشعب الصحراوي، والشعب الجزائري، هاته الشعوب التي مُست في سيادتها، واعتدي على وحدتها وكرامتها.
فأيا كانت أطروحة البلد المنتمي إليه، فإن المسؤولية العلمية تلقي على صاحبها رسالة ثقيلة، من أبرز خصائصها التحرر من الولاء للأمراء، والعمل على عدم الوقوع تحت طائلة نفوذ الأعداء، وعدم التنكر لقيم العلم والعلماء.
إن الفرق بين الانتماء المحلي كمواطن، وبين تقلد مسؤولية دولية في قيادة سفينة العلم والعلماء، هو فرق شاسع، فعند تقبل أي مثقف بتحمل مسؤولية جماعية، فهو مطالب بالالتزام بمتطلباتها، ومن متطلباتها السمو إلى مستوى الانتماء الإسلامي الشمولي، الذي يضيق بأية دعوة جاهلية، ويكفر بكل نعرة توسعية، ويعمل على توحيد الكلمة، وجمع الصف، والالتحام مع من يعملون من أجل تحقيق النبيل من الهدف. لقد قال الشيخ الريسوني، كلمتة المسيئة إلى موريتانيا، والصحراء الغربية، وتيندوف الجزائرية، وأيا كانت مقاصده، قد خانه التعبير، وزل به اللسان، وتغلبت مقاصده الخاصة على المقاصد العامة.
وماذا بقي إذن؟
نحن لسنا دعاة حقد وضغينة، ونرفع شعار الثأر والانتقام، وسفك الدم من أي مسلم، حتى ولو اختلفنا معه، لكن ما عبر عنه اللاشعور المتحكم في شخصية الشيخ الدكتور أحمد الريسوني، ينم عن قناعات لا نشاطره عليها، ولا تعبر عن قناعة ورسالة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
فأن يقضي بجرة قلم على وجود دولة شقيقة هي موريتانيا، مخالفا بذلك كل الحقائق التاريخية الناطقة، وأن يستعدي شعبه على الصحراء الغربية، وهو العالم الذي يدعو إلى الصلح خير، وأن يطالب الملك بدعوة العلماء إلى الزحف على تيندوف المسالمة وهي جزء ثمين من التراب الجزائري، أن كلّ هذا ينم عن قناعة كامنة في نفسه لا نفرة عليها، فهي من علامات المفاسد الفكرية،التي يجب درؤها.
ومن هنا، فإن درء المفاسد يبدأ بإقصاء عالم المقاصد من قيادة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك حماية للاتحاد من أيه سقطة محتملة كهذه التي وقعت، وهو ما من شأنه زعزعة مصداقية الإتحاد، واهتزاز صورته الجميلة أمام الرأي العام الإسلامي على الخصوص.
إننا –حفاظا- على سمعة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نهيب بكلّ العلماء داخل الاتحاد، وكلّ من يؤمن بحرمة الدماء من المثقفين والعلماء، إلى العمل من أجل إعفاء الشيخ الريسوني من مهمته بعد أن أثبت بمواقفه هذه عدم أهليته لقياده هيئة علمية عالمية تفوق قامتها قامته، وعلى أعضاء مجلس الأمناء في الاتحاد أن يتحلوا بالشجاعة والقناعة الإيمانية، لتحمل مسؤوليتهم في إعادة وضع قطار الاتحاد على سكة صحيحة، تجنبه أي انحراف مستقبلي وما يمكن الانتهاء إليه، من هذه المهزلة، هو أن يرتفع كل عالم ملتزم بقضايا العلم والإيمان إلى الزهد في ملذات القصور، والاكتفاء بالحد ّ الأدنى من النعيم المستور.
ولنا أن نعتبر بالشاعر المثقف الزاهد أبو العتاهية في قصيدته الداعية إلى الزهد:
رغيف خبزٍ يابسٍ تأكُلُه في زاويه
وكوزُ ماءٍ باردٍ تشربُه من ساقيه
وغرفةٌ ضيقةٌ نفسُك فيها خاليه
———————
خيرٌ من الساعات في فيءِ قصورٍ عاليه
تعقبُها عقوبةٌ تَصلى بنارٍ حاميه
فهذِه وصيّتيِ مُخبِرةٌ بحاليه
طوبى لِمَن يَسمَعُها تِلكَ لعَمرِى كافيه
فاسمَع لِنُصحِ مُشفِقٍ يُدعَى أَبا العَتَاهِيَه

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!