-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درسٌ رائع من تركيا

حسين لقرع
  • 1072
  • 0
درسٌ رائع من تركيا

قدّمت تركيا للعالم، عبر انتخابات الرئاسة التي جرت في دورين اثنين، درسا رائعا في الديمقراطية الحقيقية، بعيدا عن التلفيق والتزوير وتغيير النتائج، وأثبتت بذلك أنّه يمكن لبلدٍ يدين بالإسلام أن يرسي قواعد الديمقراطية، ولاسيما في شقّها المتعلّق بالاحتكام إلى الشعب للفصل، سلميًّا وحضاريًّا، بين المتصارعين على الحكم.

في تركيا، جرت انتخاباتُ الرئاسة في 14 ماي الجاري بكلّ حريةٍ ونزاهة، وتابع العالمُ أجمع كيف حصل الرئيس رجب طيب أردوغان في البداية على نسبة تفوق 52 بالمائة من أصوات الناخبين خلال الساعات الأولى للفرز، لكنّ هذه النسبة بدأت تتراجع بمرور الوقت واستمرار الفرز بمناطق مختلفة، حتى استقرّت أخيرا في حدود 49.50 بالمائة مقابل 44.9 بالمائة لمنافسه كليجدار أوغلو، ولم يستعمل الرئيس ذو الاتجاه الإسلامي الإخواني نفوذ منصبه لتغيير النتائج وتزويرها لرفعها إلى 51 بالمائة التي تضمن له الفوز منذ الدور الأول، واحترم إرادة الشعب، وسار نحو الدور الثاني بكلّ روح ديمقراطية، ولو اختار الشعبُ منافسه كليجدار أوغلو، لترك الرئيس أردوغان الحكم بكلّ هدوء، لكنّ الشعب جدّد ثقته به، واعترفت الهيئة العليا التركية للانتخابات بأنها كانت شفافة ونزيهة ولم تشُبْها أيُّ شائبة، أليس هذا ما يحدث منذ عقودٍ طويلة في الديمقراطيات العريقة في الغرب؟

قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة، كان حزب العدالة والتنمية الإسلامي يحكم تركيا منذ عام 2002 إلى الآن، وقد استطاع إحداث نهضة تنموية عملاقة قادت البلاد إلى الخروج من تخلّفها في وقتٍ قياسي؛ إذ انتقل ترتيب الاقتصاد التركي من المرتبة 117 عالميا، إلى المرتبة 13 حاليا، ورفعت قيمة ناتجها الداخلي الخام من 230 مليار دولار في 2002 إلى 900 مليار دولار في نهاية 2022، وقد وعد أردوغان بدخول نادي العشرة الكبار في العالم قريبا، وبذلك تحقَّق الرخاءُ للشعب التركي الذي كان يعاني شظف العيش والغلاء وآثار التضخم المهول قبل نحو 20 سنة فقط.

وهنا ينبغي التأكيد على أنّ الفضل الأول في نجاح التجربة الديمقراطية التركية يعود إلى أتاتوركيين وطنيين آلمهم أن يغرق بلدُهم في التخلّف والفقر والاستبداد، فتحلّوا بشجاعةٍ نادرة وقرَّروا إعادةَ الحكم للشعب من خلال تنظيم انتخابات حرة ونزيهة منذ عام 2002، بعد حكم دام 69 سنة كاملة تمت خلاله مصادرة إرادة الشعب التركي مرارا عبر انقلابات عسكرية أطاحت بعدّة حكومات، وهو قرارٌ تاريخيّ  لهؤلاء الأتاتوركيين ينبغي أن يُشكَروا عليه، بل إن بعضهم تدخّل بفعالية حتى لإفشال المحاولة الانقلابية على أردوغان في جويلية 2016، احترامًا للخيار الشعبي!

مبارَك لتركيا المسلمة هذه التجربة الديمقراطية المتفرّدة التي أنهت الصراعَ غير السِّلمي على السلطة، وجعلتها قوة اقتصادية كبرى يحسب لها العالمُ ألف حساب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!