-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درسُ الإسلاميين من المغرب!

درسُ الإسلاميين من المغرب!

لم تكن نتائج الانتخابات البرلمانية في المغرب مفاجئة بخصوص خسارة حزب العدالة والتنمية للأغلبية النيابية، فقد كانت متوقعة سلفا وفق مؤشرات كثيرة، بل اللافت فيها هو تلك الانتكاسة الكبيرة غير المتوقعة بهذا الحصاد الهزيل في ذيل ترتيب الأحزاب المتنافسة بعد صدارةٍ للمشهد السياسي، تبوأ خلالها الحزبُ رئاسة الحكومة لـ10 سنوات.

ليس في نيّتنا الخوض في التحليلات التقنية التفصيلية التي قد تضيء جوانب عديدة في قراءة محصلة الانتخابات، وهي كلها تكمِّل بعضها بعضًا، لكن إفرازات هذا الاستحقاق الانتخابي ينبغي الوقوف عندها مليّا من الإسلاميين في الوطن العربي ومن خصومهم الليبراليين على وجه التحديد، ومن الأنظمة الرسمية، وعموم النُّخب العلميّة المهتمة بدراسة ما يُسمَّى بـ”الإسلام السياسي”، باعتبارها التجربة الوحيدة، في سياق الربيع العربي، التي جاءت وخرجت عبر الصندوق الشعبي بطريقة آمنةٍ وسلسة.

أما بالنسبة للإسلاميين في كل الأقطار العربيّة، من المتعطشين للحكم بشعارات التمكين لمشروعهم الحضاري، فلقد أثبتت تجارب كثيرة، والعدالة المغربي ليس آخرها، أن إكراهات الواقع الميداني وتدبير الشأن العام في ظل تعقيدات سياسية وتراكمات اقتصادية واجتماعية سرعان ما تفضح عجز الإسلاميين، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، مثل غيرهم من التيارات التي تصل إلى سدّة الحكم، عن إيجاد حلول سحرية لتطلعات شعوب قهرها الاحتياج، تستعجل مطالب الكرامة والحياة الإنسانيّة قبل التغنّي بشعارات الحرية والديمقراطيّة.

إنّ هذا المعطى الجوهري وفق إفرازات التُّجربة القريبة يفرض على الإسلاميين التفكير بتواضع مهما حازوا من عوامل القوّة النسبيّة، وبروح تعاونيّة مع من يشاركهم عزيمة التغيير الفعلي في كل المواقع، بعيدا عن نزعة الإقصاء أو الاستعلاء اللاشعوري، دون قدرة على إدارة الحكم والاستجابة لتحديات وطنية وإقليمية ودوليّة تتجاوز بكثير إمكاناتهم في سياقات بالغة الحساسيّة، ليس بالضرورة لقصور في الرؤية أو المشروع أو البرنامج أو الكوادر البشريّة، بل لأنّ وجودهم السياسي في هرم السلطة يثير هواجس وعداء أطراف أخرى تملك أدوات حسم الصراع، والذي تبقى فيه أصواتُ الناخبين هي الحلقة الأضعف ضمن مسار بلدان العالم الثالث.

لعلّ عدم تقدير هذا الواقع المعقّد، تحت دافع حب السلطة أو الرغبة المستعجلة في تحقيق المشروع، هو ما يؤدي بالإسلاميين في النهاية إلى حالة التماهي معه، متخلّين عمليّا، بتسويغات متهافتة، عن القيم المؤسسة للفكرة الحضارية التي ينشدونها، وهل قبول حزب العدالة والتنمية في المغرب تنفيذ التطبيع مع الكيان الصهيوني وتقنين زراعة المخدرات وفرْنَسة المواد العلمية للتّعليم الثانوي إلا عيّنةٌ قاسية عن الانحراف المبدئي، تناغمًا مع إرادة المخزن الملكي؟

وهو ما يحدث مثله في أوطان أخرى تحت ضغوط الدولة العميقة، حينما يكون الإسلاميون مجرَّد ديكورٍ لتزيين ديمقراطية الواجهة، ما يدفع بهم في النهاية إلى السقوط المدوِّي تحت طائلة التصويت العقابي، لأنَّ الشعوب لا ترضى بالمفاصلة بين الشعارات والممارسة، لما يتعلَّق الأمر بالموقف من أحزاب ترفع عناوين الإسلام والأخلاق والإصلاح.

أما الوجه الآخر للرسالة فهو موجَّهٌ للنخب الليبراليّة وللأنظمة الجاثمة على صدر السلطة منذ تأسيس الدولة الوطنية المستقلة في الجغرافيا العربية قبل نصف قرن؛ ذلك أنّ العراقيل المفتعلة بوضع العصا في العجلة حيثما وصل الإسلاميون إلى الحكم، وتجييش الإعلام والرأي العام ضدّهم، بدواعي الخوف من الأسْلمة والأخْوَنة ومصادرة الديمقراطية والحياة الخاصة للأفراد، ثبُت الآن أنّها مجرّد ذرائع واهية لاحتكار الحكم، بعد الفشل في تحصيله عبر الإرادة الحرَّة.

كما ثبُت أنّ كل الانقلابات واللعبة الإقصائية التي تمارَس ضد الإسلاميين، مع أنهم مكوَّن رئيس في النسيج الاجتماعي العربي، تبقى خيارات متطرِّفة، فضلا على أنها غير ديمقراطية، وتكلفتها باهظة على استقرار الأوطان، ولا جدوى منها سوى تكريس الواقع المرفوض شعبيّا، في حين يمكن عزل الإسلاميين عن طريق نفس الصندوق الذي جاء بهم، بعد استنفاد أوراقِهم الرابحة واستهلاك عناوينهم البرّاقة على محكّ التجربة والأداء.

قد يقول قائلٌ إن ما وقع في المغرب يعبر عن حالة خاصة، محددة بسقف نظام ملكي ضارب بجذوره المؤسساتية والسياسية والثقافية منذ 5 قرون، ولا تصلح للقياس في بيئات جمهوريّة مفتوحة، بما يعني أنه سيكون في مقدور الإسلاميين تغييرُ قواعد اللعبة بالكامل لصالحهم وتحويل النظام الديمقراطي إلى مُلك عضوض.

وجوابنا لمثل هؤلاء أن يراهنوا على النضج المتنامي للشعوب العربيّة، عوض فرض الوصاية النخبوية والأبويّة عليها، ومهما كانت تأثيرات البنى والمفاهيم التقليدية في المجتمع الشرقي، فإنه لا مفرّ من خوض غمار التجارب حتى نتعلّم، على غرار كل الأمم المتمدنة اليوم، من صوابنا وأخطائنا على السواء، وبالتدرّج تصل المجتمعاتُ إلى ضبط معايير الاختيار العقلاني، بعيدا عن أسْرِ العواطف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!