-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درس‮ ‬من‮ ‬الفاتيكان‮..‬

عبد الرزاق قسوم
  • 5750
  • 16
درس‮ ‬من‮ ‬الفاتيكان‮..‬

أطل على العالم، في يوم بارد من شتاء يلفه الثلج، ويطبعه الصقيع، فألقى في وجه المعمورة، بقرار استقالته. فعل ذلك “قداسة البابا، بانوا السادس عشر”، وعاد أدراجه، ليترك الخلق يسهرون جراء استقالته ويختصمون.

 

إنها استقالة تاريخية، في حياة الفاتيكان، ابتدعها البابا، على عكس من سبقوه، مبررا إياها، بعجزه الصحي، وعدم قدرته على القيام بأعظم مسؤولية روحية في العالم المسيحي. ونريد أن نغوص في خبايا الأسباب التي أدت، بالبابا، إلى أن يتوارى عن الأنظار، ويهجر الأضواء، وينزع‮ ‬ثوب‮ ‬اللؤلؤ‮ ‬والمرجان،‮ ‬والذهب‮ ‬المرصع‮ ‬به‮ ‬التيجان،‮ ‬ويقول‮ ‬للناس،‮ ‬أمركم‮ ‬شورى‮ ‬بينكم‮.‬

لقد أدبنا الإسلام فأحسن تأديبنا، وعلّمنا أن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها، ولا يهم من أي وعاء خرجت، أيا كان دين مصدرها، ولون قائلها، وجنس العامل بها. ولعل هذا ما يشجعنا على البحث في حيثيات هذا الفرار البابوي التاريخي، فنتساءل ونحن من دين مغاير لدينه،‮ ‬عن‮ ‬الخبايا،‮ ‬في‮ ‬زوايا،‮ ‬الفاتيكان،‮ ‬وما‮ ‬أكثرها،‮ ‬لنرى‮ ‬إن‮ ‬كان‮ ‬العامل‮ ‬الصحي،‮ ‬هو‮ ‬وحده‮ ‬الكامن‮ ‬خلف‮ ‬ما‮ ‬أعلنه‮ ‬البابا،‮ ‬أم‮ ‬أن‮ ‬وراء‮ ‬الأكمة‮ ‬ما‮ ‬وراءها‮.‬

إن مما يسلم لنا الجميع به أن “قداسة البابا بونوا السادس عشر”، قد عودنا على أنه، طيلة تربعه على عرش البابوية كان مثيرا للجدل، فيكفي أن نذكر محاضرته: “السيئة الذكر والأثر” التي ألقاها، بجامعة راتيسبون Ratisbonne الألمانية في موضوع الديانات، وتهجّم فيها على الإسلام، وهو ما أثار موجة من الاحتجاجات داخل العالم الإسلامي، ويمكن القول بأن إقدام سماحته على مثل هذا الهجوم، قد كان بمثابة الضوء الأخضر الذي أطلقه في وجه ذوي النفوس المريضة في الغرب، لحملتهم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وما تبعها من رسوم مشؤومة، وأفلام‮ ‬مذمومة،‮ ‬إلى‮ ‬غير‮ ‬ذلك‮.‬

من يومها بدأت العلاقات الخارجية المتأزمة بين العالم الإسلامي وقداسة البابا، لكن هذا التأزم الخارجي، كان عرضا يخفي أعراض تأزم داخلي، ينخر أركان الكنيسة، وهو ما يلقي بالمزيد من الضوء على الأسباب العميقة لاستقالة البابا من منصبه.

فقد‮ ‬خرجت‮ ‬الصحافة‮ ‬الإيطالية،‮ ‬غداة‮ ‬الإعلان‮ ‬عن‮ ‬انسحاب‮ ‬البابا،‮ ‬خرجت‮ ‬بتعاليق‮ ‬كثيرة،‮ ‬تصب‮ ‬كلها‮ ‬في‮ ‬مصب‮ ‬واحد،‮ ‬وهو‮ ‬أن‮ ‬العامل‮ ‬الصحي‮ ‬الذي‮ ‬لوح‮ ‬سماحة‮ ‬السيد‮ ‬بونوا،‮ ‬به‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬إلا‮ ‬غربالا‮ ‬لتغطية‮ ‬الشمس‮.‬

فهذه يومية الفاتيكان l_Osservatore Romano تذهب إلى التأكيد، بأن سبب الاستقالة يتعلق أكثر بالصحة الروحية والمعنوية للفاتيكان، ويتجلى التأزم الصحي الروحي والمعنوي للفاتيكان في شيوع ظاهره الشذوذ الجنسي، التي خاض البابا معركتها بحزم وعزم، وفي فضيحة تهريب وثائق‮ ‬سرية‮ ‬بالغة‮ ‬الخطورة،‮ ‬وفي‮ ‬صراع‮ ‬عقيم‮ ‬يدور‮ ‬داخل‮ ‬أسوار‮ ‬الكنيسة،‮ ‬إضافة‮ ‬إلى‮ ‬فشل‮ ‬البابا‮ ‬في‮ ‬إصلاح‮ ‬نظام‮ ‬الرهبنة،‮ ‬وتحقيق‮ ‬السلم‮ ‬مع‮ ‬المتطرفين‮.‬

وعلى نفس المنوال ذهبت صحيفة استامبا الإيطالية الشهيرة، فتحدَّثَتْ عما وصفته “بالثيولوجيا اللائكية وثورة بونوا Bonoi”، ونحا أحد المعلقين المختصين في الوسط الفاتيكاني وهو فرناندو دو بورنولي، إلى أن قرار الاستقالة، إنما يعود سببه إلى انتقال الكنيسة من “عشيقة الحياة‮” ‬و‮”‬نقطة‮ ‬ارتكاز‮ ‬مرجعية‮” ‬للعالم‮ ‬الغربي،‮ ‬إلى‮ “‬متهمة‮ ‬كبرى‮ ‬في‮ ‬العالم‮”.‬

وإذن فإن استقالة البابا في هذا الظرف بالذات قد جاءت لتكشف خبايا التأزم داخل الكنيسة، كما يؤكد على ذلك المتخصص في الشؤون الفاتيكانية، ماسينو فرانكو Massino Franco، إذ يعزو أمر الاستقالة إلى تقرير سري صادم تقدم به ثلاثة كرادلة حول الفضيحة المعروفة بفضيحة فاتيليك Vatileaks أي فضيحة تسريب الوثائق الخطيرة إلى جهات خارجية عن الفاتيكان، وكذلك الفضيحة ذات الاستغلال الجنسي التي هزت أركان الكنيسة، والتي تعتبر أعمق فضيحة عرفتها الكنيسة المعاصرة، لقد أكد تقرير الكرادلة على وجود أزمة نظام داخل الفاتيكان منسوج من الصراعات،‮ ‬والمناورات،‮ ‬والخيانات‮.‬

وعلى كل  حال، أيا كانت  مواقف “قداسة البابا بونوا السادس عشر” المتشنجة، من انتشار الظاهرة الإسلامية في ربوع العالم، وفي أوروبا بالذات، والإعراب عن حزنه لانحسار التدين النصراني مقارنة بالمد الإسلامي، خصوصا اعتناق الكفاءات الأوروبية للإسلام من الرياضيين والفنانين، إلى العلماء والفلاسفة، بالرغم من الإسلاموفوبيا المتفشية، أيا كانت هذه المواقف منه فإننا لا نملك كمحللين، شأننا في ذلك شأن كل محلل موضوعي نزيه، لا نملك إلا أن نشيد بموقف البابا، وشجاعته في اتخاذ القرار الصائب، في الوقت المناسب، فما دام قد فشل في تغيير‮ ‬المؤسسة‮ ‬فالأَولى‮ ‬أن‮ ‬يتغير‮ ‬هو،‮ ‬وذلك‮ ‬ما‮ ‬أقدم‮ ‬عليه‮.‬

وإنه لدرس عظيم نتعلمه من الفاتيكان،  فليس أمام فشل المسؤول عن المؤسسة إلا الاستقالة، وليت المسؤولين في العالم، يعون هذا الدرس، فيعيدو الأمور إلى أهلها، عندما تضيق بهم السبل، وتتعفن من حولهم الأوضاع، وهو ما يذكرنا بقول شوقي:

لو‮ ‬بلينا‮ ‬بأتيلا‮ ‬ساعة‮  .:.   ‬لشكونا‮ ‬من‮ ‬نفاد‮ ‬الحطب

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • جعفر بن حجر

    ما كان لك أن تجعله قدوة لنا وقد حكم الله عزّ وجل عليهم من فوق سبع سموات بالخسران (ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين ) ووالله ما كنت أبغض هذه الباباوات إلا من يوم ما سمعته يطعن في حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، خسئ هو ومن يُشرّف كلّ من يطعن في ربنا ونبينا وشريعتنا، نتسامح في كلّ شيئ إلا في ديننا وعِرضنا ووطننا، ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) ( ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) نتعامل معهم كما وضّح لنا القرآن والسنة بلا زيادة أو نقصان

  • بيبو

    الحرب العالمية 1 و والحروب الصليبية و هيروشيما وناكازاكي والجزائر وفيتنام و العراق وافغانستان كلها من افعال المسيحيين ياوجه الشر الله يحشرك معاهم

  • Abdellah El-Antri

    كلام غريب؟ او ما دخلنا نحن في البابا و في أفعاله؟ هل الباب قدوة للمسلمين؟ ألم تجد شيئا في كتاب الله أو سنة نبيه أو من أثر السلف الصالح حتى تريد أن تلقننا دروسا بابوية؟؟؟ تب إلى الله يا سي قسوم و قدم استقالتك، فحسب مداخلاتك الاخيرة، رأيت أنك تخلط كثيرا في الأمور و تستعمل التدليس لتمرير افكارك و تشويه صورة خصومك.

  • جزائرية

    -1 السماحة للاسلام -2 امرهم شورى بينهم للمسلمين فقط -3 و كانك تحكي عن امام ثم انك لم تاتي بالجديد معلومات سطحية لماذا انتم الصحفيون لا توجهون السهم للفاعل بل دائما تعممون مثلك انت **المسؤولين في العالم** لماذا لا تقول في الجزائر

  • احمد

    حسب ما يشاع من اخبار في فرنسا فان سبب الاستقالة هو اعتراف بعض الببوات بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد ان عثرو على نسخة من الانجيل قديمة تبشر بذلك

    و ذهب البعض بالحديث ان بعض الببوات قد اسلم فخافو على هزة تمس الفاتيكان و هو محجوز عندهم ---و اذا كان البابا القادم اسود البشرة فمعنى ان الامر صحيح لان الاسود تتحكم فيه الماسونية لتمرير مشروع النظام العالمي الجديد الذي سيسيطر على العالم و يزيده فقرا

  • Aboulkadir

    بارك الله فيك دكتور وما تقوله هو عين العقل.اما ماالومك فيه هو انه يجب قولك ان يكون صريح و موجه لاهل الدار من ديناصورات هذاالزمان والذين اكثروا في البلادالفساد.وبعداذنك اغير قليل في ماجاءمن عندك من كلام و بدله اقول:"وإنه لدرس عظيم نتعلمه من الفاتيكان، فليس أمام فشل المسؤول إلاالاستقالة،وليت المسؤولين في الجزائر، يعون هذا الدرس، فيعيدواالأمور إلى أهلها،عندما تضيق بهم السبل،وتتعفن من حولهم الأوضاع . عى الرغم من انهم واعون باننا لانريدان يحكمناديناصرات فاسدةسيئة التسييروفاشلةومفسدةوعنيدةوعلينا راكبة

  • بدون اسم

    رغم اني من المعجبين بمقالاتك الا اني غضبت من هذا المقال اوقلت كل الامثلة حتى ذكرت لنا مثال هذا الكافر الذي اظهر عداوته للاسلام و هل كان لزاما وصفه في كل المقال بما وضعته بين " " استغرب فعلا احترامكم لهؤلاء الفسقة و الشواذ في حديثكم عنهم اما في الحديث عن عامة المسلمين فينطلق اللسان بلا حد فانتبهوا يرحمكم الله

  • عبدو

    انا اتعجب من مصطلح قداسة البابا و الله عجيب اي قداسة تتحدث عنها

  • بدون اسم

    الاستقالة مع المحاسبة

  • جزائري

    و الله عمي عبد الرزاق
    نحن عندنا و للأسف الشديد " قداسة فخامة العهدة الرابعة تنتظره" و هل من مزيد...
    رغم الفساد و الكساد اللذين طبعا فترة حكمه

  • gramo

    السلام عليكم
    كلام متناقض نوعا ما في البداية تقول ايها الدكتور الفاضل ان من الأسباب ان ابابا تهجم على الإسلام و هناك خباية اخرى غير الأسباب الصحية.
    و في الأخير تشجعه عل الإستقالة و تلمح بها لحكامنا العرب و المسلمين ان يعتبروها "كدرس" في حق عدم القدرة على المسؤولية. العبرة في كتاب ربنا. و انا الذي يستوقفني و يحيرني كثيرا هو قول الله عز و جل "يا ايها الذين آمنوا..." في كثير من الٱيات القرآنية مرة للنهي و مرة للأمر و لم نجد سوى آيتين فقط يخاطب الله عز وجل الكفار واحدة في الدن

  • nacer

    السلام عليكم
    نشكر الدكتور على المقال الملخص للحظات احتضار النصرانية و الفاتيكان , و البابا ياسيدي ليس قدوة لنا و لا ينبغي أن يكون قدوة الا باسلامه (الاسلام وحده يجب ماقبله).
    البابا قبل خروجه من الموضوع وسخ بقلمه وجرح و عدل في حق الاسلام و النصرانية اذ جعل الطريق للتبشير بدينه الماسونية طريق الشيطان.
    فاستقالته ليست حبا لدينه و لا للشورى , انها الأنا و استعلاؤها.
    البابا زبد رمت به موجة الماسونية جانبا , وخير دليل طرق تبشيرهم الحديثةو ماركبت هنا في الجزائر.

  • merghenis

    الفضايح في الكنيسة من زمان . . في20 /05/ 1974 وجد الكاردينال Jean Danielou ميتا ، في شقة عاهرة ، في پا ريس ، العاصمة الفرنسية و راحت جريدة Le Canard تسخر من الحدث و من الكنيسة لأن سبب الوفاة هو بالفرسية l'épectase و في القاموس (أو ڨوڨل ) معنى الكلمة.

    الحمد لله على نعمة الإسلام.

  • hocine

    شكرا جزيلا أيها الشيخ الفاضل......موضوع في المستوى يدل على اليقظة و الاهتمام بنقد بناء.....غير أني لم أفهم الشطر الاول من البيت الشعري لشوقي.

  • عبد الغني

    ان الاسلام سيبلغ ما بلغ اليل و الهار كما قال سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم و باستقالة البابا دليل اخر يضاف الي عقول البشرية من غير المسلمين التائهين في ضل الايات الساطعة الدالة علي وحدانيةالله في الوهيته و ربوبيته و مهما اهانوا و شوهوا و اخافوا البشرية منهم فالمستقبل لهادا الدين كما قال الشهيد سيد قطب

  • اسحاق

    افاعالهم المسيحيون تاكدوا طهارة الدين المسيحى و سماحته ولوا اعتنقو الاسلام لا اصبحت الارض كلها سلام.