الرأي

درس ليبي متأخر للجزائريين

حسان زهار
  • 3826
  • 7
ح.م

لا يبدو أن الدروس التي تلقاها الجزائريون طوال العقود الأخيرة، كافية لكي يستوعب الجميع ما يجب فعله وما لا يجب الوقوع فيه.

درس التسعينيات كان عظيما، ومؤلما، وقد استثمره الجزائريون بذكاء خارق لتجاوز موجة الربيع العربي بسلام.. لكن هل كان ذلك كافيا الآن؟

الدروس من حولنا في البلدان العربية كثيرة، الدرس المصري مهم ولا بد من دراسته مجددا، لفهم سيرورة الثورات المضادة ومصادرها في الوطن العربي، والدرس العراقي الصادم، لم يتوقف عند إعدام صدام، لأنه انتهى إلى حل الجيش الذي واجه إيران 8 سنوات، والدرس السوري لا يقل أهمية، من ناحية التدمير الذاتي للأوطان بكل غباوة، وانتظار النصر من الدعم الخارجي المنافق.

 لكن الدرس الليبي، القريب جدا من حدودنا، نحتاجه اليوم بشدة، حتى لا نقع في ما وقع فيها المصريون والسوريون والعراقيون معا، وما وقع فيه للأسف الليبيون أيضا، وهم الآن يعضون أصابع الندم على ما فعلوا.

لقد كانت الثورة الليبية، في البداية حركة شعبية ضد طغيان القذافي وشموليته في الحكم، لكن عسكرة الثورة، والاستنجاد بالأجنبي وحلف الناتو، واعتبار الجيش الليبي بأنه “كتائب القذافي”، أدخل ليبيا في متاهات لا مخرج منها، قبل أن ينزع من هذا البلد الشقيق أهم ما كان يملكه.. الأمن.. الذي كان يضمنه الجيش الليبي.

اعتقد الليبيون و”الثوار” أنهم وهم يقتلون القذافي بتلك الطريقة البشعة، أنهم يقتلون الطغيان ويدفنونه إلى الأبد، لكن صوت القذافي الذي يتردد في السماء، وكلماته التي لم نكن نستوعبها في حينه، ظلت تتردد في السماء.. “من أنتم”؟ و”ستندمون يوم لا ينفع الندم”.

وبالفعل.. بمجرد ما سقط نظام القذافي، ومسك ما يسمى بالمجلس الانتقالي الليبي السلطة، حتى بدأ الندم، بظهور رؤوس الفتن والتناحر.

صارت كل قبيلة تدعي أحقيتها في الحكم والثروة، وأعلنت كل جهة ومدينة أنها هي من صنعت الثورة، ورغم محاولات اجراءات انتخابات هنا وهناك في هذه الظروف، إلا أن العبث كان يكبر يوما بعد يوم، لأن من يمسك الأمور غاب عن المشهد.

بالنهاية، خرجت سلطتان متنازعتان على الأقل، سلطة في طرابلس، وأخرى بدأت بها قبائل برقة، وانتهت بعد مدة عند جنرال مهزوم في تشاد، أراد أن ينتقم من تاريخه الأسود في الهزائم، بضرب عاصمة البلاد طرابلس ومحاولة احتلالها بالقوة.

صارت الثورة، حربا أهلية بين الشرق والغرب، وكل طرف من أطراف الأزمة الليبية، يقدم كشف حساب للجهات الأجنبية التي تدعمه، والجهات التي مولت “حرب العصابات” وتمسك بتلابيب الميلشيات هنا وهناك.

صار المواطن الليبي الذي كان يأتيه رزقه رغدا إلى باب بيته، في شكل منحة شهرية هي حقه من ثروة النفط، يعيش اليوم يبحث في أكوام القمامة ما يطعم به أطفاله… غير أن غياب الأمن جعل الناس تتنازل عن حقها في العيش الكريم ولا تطالب إلا بالحق في الحياة، فلا تقتحم عليها بيوتها ميليشيات تجوس خلال الديار فتقتل وتنهب ثم تمضي بلا رادع.

اليوم، لو سألت أي ليبي ما الذي تريده.. لأجابك على الفور.. نريد جيشا قويا.. جيشا واحدا موحدا، يحمي حمى البلد، ويوقف العبث الذي تمارسه القوى المحلية والخارجية مع ثروات البلاد المنهوبة وحياة الناس المهددة.

لم يعد الليبيون الذين انتفضوا بداية من أجل الديمقراطية، يذكرون مطلقا هذا المطلب.. تراجع الحلم كثيرا، وأصبح حلم امتلاك جيش وطني واحد، هو أقصى أماني الطيبين هناك، فقد اكتشف الليبيون بعد كل هذا الخراب.. أن الجيش هو الوطن، ولا أوطان بلا جيوش أبدا.

من يحاولون اليوم عبثا عندنا استهداف الجيش الجزائري، إنما يمارسون نفس خطة هنري برنار ليفي الشيطانية.. وهو يقف الى جانب ثوار بنغازي، ليشاهد مستمتعا كيف حطمت الطائرات الفرنسية دبابات القذافي على اعتاب المدينة الثائرة.

من يستهدف الجيش الجزائري، لا تهمه الديمقراطية ولا الحرية، بقدر ما تهمه مصالحه ومصالح أسياده من وراء البحر، ولا غرابة لو تمعنتم النظر، أن تجدوا كل من يستعدي الجيش وقيادته اليوم، كانت له جلسة أو وقفة مع برنار ليفي.

نحن الجزائريين لا نريد أن نندم مثل الأشقاء الليبيين.. لدينا الآن جيش هو من أقوى الجيوش في العالم، لم يرد تسلم الحكم وهو قادر عليه، ويتحدى دعاة “المدنية” أن اذهبوا إلى الانتخابات الشفافة إن كنتم صادقين.

أفلا يتذكرون.. أم على قلوب أقفالها؟

مقالات ذات صلة