-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دروس من ملتقى الشيخين

دروس من ملتقى الشيخين
الأرشيف
صورة نادرة لأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

تاهت الجزائر عزة وفخراً، وعلا شأنها فكراً وذكراً، عندما عاشت الأيام الخالدة في ملتقى الشيخين الإمامين ابن باديس والإبراهيمي.

فقد كان قصر الثقافة، مفدي زكرياء، بحي الينابيع، بالجزائر العاصمة، قِبلة الجزائريين الثقافية، وفدوا عليه من كل حدب وصوب، فكان لقاء الأجيال، في النساء والرجال، وكان لقاء الإخاء والوفاء، والمفكرين والعلماء محليا ودوليا، من كل الأرجاء.

كان المصب الثقافي الذي رسمه الشيخان، ذو جداول وروافد، هي يوم العلم، وذكرى تأسيس جمعية العلماء، وتجديد الذكرى مع الثامن مايو الذي هو يوم المحنة، والتذكير بيوم الخامس عشر من مايو، الذي هو يوم النكبة الفلسطينية، إلى جانب يوم الطالب، الذي يصادف يوم التاسع عشر من مايو، ويوم الأستاذ، أي يوم وفاة العلاّمة محمد البشير الإبراهيمي الذي هو يوم 20 مايو

إنها الجداول والروافد، التي مثلت، علامات مضيئة، بالرغم من بشاعة بعضها، فقد مثلت، استلهاما لعراقة التاريخ، وأذانا إلى الناس، بإعادة قراءة المنهج التغييري لتستضيء الأمة به، من أجل النهوض، وتجاوز الكبوة، لتعبئة الصفوة، للوصول إلى أعلى العدوة.

لقد مثّل الشيخان ابن باديس والإبراهيمي، الجسر المضيء لمسيرة زارع الحقل، وباني العقل، وذلك بالكشف عن المضمر والظاهر من فكر الإمامين، وتنزيل ذلك على واقع الأمة اليوم، التي تنشد الخلاص مما تعانيه من ظلم وظلامية، وما تقاسيه من جهل وجاهلية.

من أجل ذلك تبارى العلماء والمفكرون طيلة أيام الملتقى، بمقاصدية الكشف عن كنوز وخبايا الفكر الإصلاحي التغييري الشمولي، كما جسده الفكر العلمائي، الباديسي والإبراهيمي لتخليص الشعب مما يسميه المفكر المغربي عبد السلام ياسين بالغثائية، وما يسميه المفكر الجزائري مالك بن نبي بالذرارية.

سلط المؤتمرون في الملتقى الدولي للشيخين الضوء، على منهجية الإخلاء والملإ، أو التحلية والتخلية بلغة المتصوفةفبينوا أن الماهدين للفكر الإصلاحي التغييري بقيادة ابن باديس وصحبه، قد تفطنوا إلى أن عملية الإخلاء والتخلية، تبدأ بإفراغ العقل الجزائري من ذهنية الإذعان للأمر الواقع، وعقلية الجبرية، الزاعمة بأن الاستعمار قضاء وقدر، لابد من التسليم به.

جاء العلماء والمفكرون، بمنهج التحلية بعد التخلية، مستندين في ذلك إلى صيحة الشيخين، ابن باديس في مخاطبته للشباب:

يا نشء أنت رجاؤنا      وبك الصباح قد اقترب

خذ للحياة سلاحها      وخض الخطوب ولا تهب

واهزز نفوس الجامدين   فربما حيو الخشب

وأقلع جذور الخائنين       فمنهم كل العطب

وأذق نفوس الظالمين      السم يمزج بالرهب

ويعزز هذه التحلية صيحات محمد البشير الإبراهيمي في مخاطبة المعلمين الشباب بقوله: “أنتم جنود العلم، ولكلمة جندي معنى يبعث الروعة، ويوحي بالاحترام، ويجلب الشرف، ويعلي القيمة، لأنه في غايته معناه، حارس مجد، وحافظ أمانة، وقيّم أمة، لذلك كان من واجبات الجندي الصبر على المكاره واللزبات، والثبات في الشدائد والأزمات” (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج3، ص207).

تلك إذن هي اللمحات التي أبرز بعضها المشاركون في ملتقى الشيخين، فشدوا الأنظار والأبصار، إليهم بما قدموا من معالم العقيدة المنتجة التي تقوم على التفسير المقاصدي للقرآن، والفهم العقائدي الصحيح للسنة، بل تقذف بالسنية على البدعية فتدمغها، فإذا هي زاهقة.

لقد استنبط الدارسون للفكر الإصلاحي التغييري، مقومات مدرسة الصعود إلى فهم الكتاب والسنة، في ضوء الواقع الوطني والإسلامي المعيش، وفي هذه التحلية، تتهافت ما عملت المدرسة الباديسية على تخليته وهو تمزيق أستار العادات والتقاليد الحاجبة لأنوار الإشراق والفتح.

ذكرنا العلماء والمفكرون بمفاتيح السلوك التغييري ومقدمات الهدف التحريري، فوضعوا على بساط البحث مقولات ابن باديس: “تعلموا  _تحابواتسامحوا، ومقولته الخالدة: “برهنوا للعالم على أنكم أمة تستحق الحياة“.

كما أكدوا على مقولات محمد البشير الإبراهيمي: “إن الحقوق التي أخذت اغتصابا، لا تسترد إلا غلابا، ووصفها لأقانيم الاستعمار من أنها إذلال الشعوب، وإفقارها، وتجهيلها“.

ولعل نقاط القوة في منهجي الشيخين، هذه التنبؤات والإرهاصات التي أعربا عنها منذ عصور من الزمن، فتحققت في واقع الأمة اليوم.

فعندما يكتب الإمام عبد الحميد بن باديس عن المرأة ليقول لنا: “ارفعوا عن المرأة الجزائرية حجاب الجهل عن عقلها، قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها، لأن الستر ما ضرها في أخذ العلم في بجاية وقرطبة، إن هذا الحكم عندما ننزله على واقع المرأة الجزائرية نجدها تعاني من معادلة مقلوبة، وأطروحة مغلوطة، وهي زعم الحركات النسوية العلمانية ومن شايعهم من الرجال، بأن المشكل الذي تعانيه المرأة اليوم هو الحجاب في الظاهر، ولكن المقصود هو الإسلام في الباطن.. لذلك قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي: “إن المرأة الجزائرية تنتحب، وهم يريدونها أن تنتخب“.

وفي عالم السياسة، تعالوا بنا إلى هذه  الصورة الرائعة التي قدم الإبراهيمي عناليمن الشقيق عام 1949، وهي ماثلة للعيان اليوم، قال في سجع الكهان:

أحنى الزمن على اليمن      أبدلها صابا بمن

مغصوبة بلا ثمن             دستورها لا تفهمن

لا تقرأن، لا تعلمن         سل سيفها، أتت لمن؟

سل سيفها بيد من      أغربة على دمن؟

إلى أن يقول:

سموك السعيدة، فشقيت بمن ولدت، وما سعدوا ولا سعدت، فأنت اليوم ممن كنت سعيدة بهم؟ وكانوا سعداء بك؟

 

لقد انتهى الجميع إلى حقيقة بالغة الخطورة، وهي أنه إذا كان عدو الأمس قد اتسم بالحرب والضرب، باستلهام من الغرب، والصرب، فإن عدو اليوم هو الصاحب بالجنب، الذي يستأصل ما في العقل، وما في الحقل، وما في القلب.. إنه يحارب الإنسان، ويحارب الرب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بلقاسم

    حبذى لتعميم الفائدة لو تنشر تدخلات المساهمين بطريقة او بأخرى و السلام

  • عبد الر حمن

    [تاهت الجزائر عزة وفخراً،وعلا شأنها فكراً وذكراً]يا لها من عبارة عجيبة و غريبة!بربك أيها الأستاذ الكريم!أين هي العزة والكرامة و الفكر و الذكر،هذه الأيام في الجزائر؟لم هذا الاستفزاز يا أستاذ؟ألا ترى بأن الجزائر صارت ورشة عظيمة للفساد و المفسدين؟ألا ترى بأن الجزائر صارت غابة يفترس القوي فيها الضعيف؟ألا ترى يا أستاذ بأن المجتمع الجزائري صار يتفكك بسرعة البرق ويفقد هويته بسرعة الصوت؟ما هذا الاستهزاء بالخطر العظيم الذي يداهم الجزائر صباح مساء؟متى تستفيقون أيها العلماءلنجدة الجزائر من الفناء؟والسلام.

  • hafid

    السلام على الاستاذ الفاضل وبعد لماذا لا نسميالاسماء على حقيقتها وانما التسفية والتربية

  • faraj

    نشكر الاستاذ عبد الرزاق على هذه التذكرة والله ينفع بها كما نفع الجزائر بالشيخين رحمهما الله ونطلب من العلماء المخلصين في الوطن ان يقوموا بدورهم كما فعل الشيخين *المتفرج على الشر كفاعله*

  • زليخة

    لا أتكلم عن جمعية العلماء المسلمين فهي نار على علم لا يبغضها الاّ صاحب خلفيات عدائية لهذه الأمّة.
    نشأت الجمعية في زمن استدماري ولم يكن لها خيار إلاّ الحرب الثّقافية في عدّة إتّجاهات :
    الجهل والميّة,والعمالة والتقليد الفاسد,والإستعمار نفسه,هذه الجمعية التي دفعت الكثير من مناضليها الى الإستشهاد: العربي التبسي- رضا حوحو - احمد الشّطة ...الخ
    اليوم ياسادة نحن في أشدّ الحاجة لهذه الجمعية فهل لها رجال مثل الوائل ؟
    العدو أخطر من الماضي : الإلحاد والزندقة والتقليد الأعمى وموت روح الأمّة في النفوس.

  • Moussa OK

    جزاك الله خيراً ياأستاذنا الفاضل ورحم الله علماءنا الأفذاذ السابقون واللاحقون من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت وستظل إن شاء الله تعالى -تحت راية قيادتكم - السكة التي يسير عليها قطار الدولة الجزائرية وإن سعى بعض أذناب المغربين لحرف هذا القطار عن سكته، لكنه مايالبث إن شاء الله أن يدهسهم كما دهس أسلافهم وكبراءهم الذين علموهم السحر ثم يعود مواصلا سيره على هدى من الله وفق كتاب عظيم ولسان عربي مبين كما قال الإمام المؤسس رحمه الله: شعب الجزائر مسلم...........وإلى العروبة ينتسب