دعاةٌ حوّلونا إلى أضحوكة
في ظرفٍ قصير، اكتسب الشيخ بندر الخيبري شهرة كبيرة، وتناولته مختلف المواقع ووسائل الإعلام العالمية، ليس لأنه قدّم فكرةً إبداعية جديدة تُخرج المسلمين من تخلفهم ومصائبهم، أو اجتهاداً لم يأتِ به الأوّلون، بل لأنه قال إن “الأرض ثابتة لا تدور” ليضرب بذلك كل النظريات والحقائق العلمية الدامغة عرض الحائط.
كنا نعتقد أن هذه المسألة قد حُسمت بشكل نهائي وقاطع منذ أمدٍ بعيد، وأصبحت بديهية لا تحتمل أي جدل في ظل الأدلة العلمية الدامغة المقدّمة من علماء الفضاء، لكننا نكتشف الآن أن هناك دعاةً لا يزالون يعتقدون أن الأرض ثابتة، ما يعني أننا قد عدنا مجدداً إلى عصر ما قبل النهضة؛ حيث كان الشيوخ والدعاة لا يترددون في تكفير كل من يقول بكُروية الأرض ودورانها.
هذه “الفتوى” من الشيخ الخيبري تؤكد إلى أي مدى يقصّر بعض الدعاة بحقّ أنفسهم ودينهم حينما يكتفون بالتوغل في دراسة مختلف التخصصات الشرعية وترك العلوم العصرية الدقيقة. صحيحٌ أن من أراد اللهُ به خيراً فقّهه في الدين، ولكن المطلوب في هذا العصر أن لا يكتفي الفقهاءُ والدعاة بذلك وأن يحاولوا الإطّلاع قدر المستطاع على مختلف العلوم الحديثة أيضاً خدمةً للدعوة، ولو فعل الخيبري ذلك لاتضح له أن الأرض تدور وأن الشمس تجري لمستقرّ لها، ولمَا حدث له أيّ تشويش ذهني أو تراءى له أي تعارض بين الحقائق العلمية والآيات القرآنية.
قبل سنوات، بدأ الانحطاطُ بفتاوى “جواز إرضاع الكبير” و”جواز شرب بول النبي” صلى الله عليه وسلم، وتواصل الانحدار بفتاوى “جواز أكل لحوم الجن” وصولاً إلى فتوى تبيح لزعيم الانقلابيين في مصر ”فقأ أعين المصريين” والزعم بأن ذلك ”موافق للشرع؟” وأخرى تحرّم شعار ”يسقط حكمُ العسكر” وتدّعي أنه يخالف الحديث عن “خير أجناد الأرض” وكأنه ينطبق على قتلة آلاف الأبرياء في ”رابعة” و”النهضة”، وصولاً إلى من يردِّد الآن أن “الأرض ثابتة”.. وغيرها من الفتاوى التي جعلتنا أضحوكة أمام الصهاينة والغرب.
مصيبتُنا لا تكمن فقط في كثرة فقهاء البلاط، ولكن أيضاً في الفقهاء الذين لا يفقهون شيئاً في علوم العصر، فضلاً عن أتباعٍ لهم يصدّقون كل ما يقولونه ولو كان مخالفاً للمنطق والعلم؛ فقد دافع عددٌ من المعلقين في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي عن الخيبري بشراسة وهاجموا منتقديه ووصفوهم بأبشع النعوت، وكأن الشيخ معصومٌ عن الخطأ، أو يردّد قرآناً منزّلاً، مع أن ما قاله خاطئ ولا تقبله الحقائق العلمية.
ويُذكّرنا هذا بما حدث في بداية التسعينات، حين كانت الشعوب العربية تتمسّك بأيّ وهم يجعلها تصدّق أن صدام حسين سينتصر على أمريكا بعد غزوه الكويت، مع أنه لم يعدّ لها ما استطاع من قوة، وكانت تردّد أن صداماً سيدحر الأمريكان ويدخل الكعبة على حصان أبيض والدليل وجود شعرة وسط سورة البقرة في المصحف الشريف، في حين كانت الولايات المتحدة تواصل تحضير آخر ابتكاراتها العسكرية وهي طائرات ”الشبح” التي دمّرت بها فيما بعد الجيشَ العراقي في الصحراء في يومٍ أو بعض يوم.