-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دعْـم اللغة العربية العلمية: دُبَي تُـبادر!

دعْـم اللغة العربية العلمية: دُبَي تُـبادر!

نظرا للتقدم الهائل الذي تسجله شتى العلوم وبروز المصطلحات العلمية بوتيرة متسارعة، فإن مواكبة هذا التطور يقتضي البحث عن المقابل العربي لعدد كبير من هذه المصطلحات. ثم إن كل اللغات في العالم تجد نفسها في الوقت الراهن في سباق محموم للعمل على إيجاد المصطلح العلمي المناسب في أقرب وقت لما استجدّ في هذا المجال، وذلك حتى لا تتقهقر ويذهب ريحُها.

وضع اللغة العربية العلمية

لا يخفى عن أحد أن وضع اللغة العربية العلمية، لاسيما في حقل التعليم العالي، وضعٌ لا تحسد عليه رغم الجهود المشتّتة التي تبذلها الآن العديد من الهيئات العلمية العربية -بالموازاة مع نشاطات المجامع اللغوية العربية- في ترجمة المجلات العلمية المختلفة التي تحمل ثقافة علمية راقية، وكذلك الأخبار العلمية التي تصل إلى وسائل الإعلام كل يوم، ناهيك عن ترجمة وتأليف الكتب ذات الطابع العلمي البحت. وإدراكا لهذا الوضع ما فتئ المتتبعون ينادون العديد من الهيئات العربية الناشطة في الحقل اللغوي بالعمل على توفير المصطلح العربي في منصة إلكترونية مفتوحة خدمة للغة العربية العلمية. وللأسف لم يجد هؤلاء أذنا صاغية.

وآخر مسعى كان للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو، تونس) ومنظمة المجتمع العلمي العربي (أرسكو، قطر) حين نظّمَا ندوة في نهاية ماي الماضي حول هذه القضية بعنوان “الملتقى العربي للمصطلحات العلمية: رؤى موحدة” شارك فيها العديد من الخبراء العرب، لكننا لم نسمع أي جديد إلى حد الساعة في هذا الشأن.

ومع ذلك، نشير إلى أن هناك الآن العديد من المبادرات الخاصة بالتأليف والترجمة العلمية الممتازة تبنّتها عدة هيئات علمية عربية، نذكر من بينها تبنّي ترجمة جملة من المجلات العلمية الغربية الراقية: مجلة “نيتشر” Nature البريطانية (تأسست عام 1869)، ومجلة “العلم والحياة” Science & Vie الفرنسية (تأسست عام 1911)، ومجلة “العلوم للعموم” Popular Science الأمريكية (تأسست عام 1872)، ومجلة “للعِلم” Scientific American الأمريكية (تأسست عام 1845) التي تصدر ترجماتها على التوالي في السعودية (مجلتان) والإمارات ومصر.

وهذا فضلا عن ترجمة دورية منتظمة لمجموعة من المقالات المختارة الواردة في مجلات غربية أخرى ذائعة الصيت، تسهر على تعريبها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. كما أن هناك مواقع علمية إلكترونية تصدر ترجمات يومية وأسبوعية لآخر الأخبار العلمية التي تظهر في مجلات أكاديمية تستخدم مصطلحات علمية متطورة ومستحدثة. ومن هذه المواقع نذكر على سبيل المثال لا الحصر: “مرصد المستقبل” (دبي) و”مؤسسة الكويت للتقدم العلمي” و”بنك المعرفة المصري”.

مؤسسة دُبَي للمستقبل

ما من شك أن تأليف الكتب العلمية باللغة العربية من قِبل الأكاديميين العرب وكتابة وترجمة المقالات الصادرة في المجلات والمواقع السابقة الذكر يقتضي جهودا جبارة في باب إيجاد مقابل المصطلح الأجنبي بسرعة قصوى. ذلك أنه في الكثير من الأحيان يجد المؤلف أو المترجم نفسه أمام مصطلح لم يسبق أن استعمله غيرُه بالعربية، ويضطر إلى الاجتهاد –وهو في عجلة من أمره- لإصدار المادة العلمية التي بين يديه في وقتها. في مثل هذه الظروف، يكون المترجم في أمسّ الحاجة إلى مساعدة آنية. وكذلك الشأن للمدرّس الذي يبحث أيضا عن مقابل للمصطلح الأجنبي في كثير من محاضراته. وحتى مجال الإعلام المتتبِّع يوميا للجديد في مجال العلوم والتكنولوجيا سيعجز عن إيجاد المصطلح المناسب في عديد الأخبار… ولذا فهو يحتاج إلى مرافقة من قِبل أهل الاختصاص.

ولا يخفى أن عديد البلدان والهيئات العربية سعت إلى إيجاد مصطلحات لتغطية مثل هذه الحاجيات في المجال اللغوي، مثل مبادرة قاعدة المصطلحات “باسم” السعودية المعطلة حاليا، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومعاجم مكتب تنسيق التعريب بمدينة الرباط التابع لمنظمة الألكسو. لكن عيب هذه الجهود أنها تُبذل بشكل غير منظم على مستوى العالم العربي، وتميل إلى استعمال النسخ الورقية، وظلت مشتتة، وتحتاج إلى الكثير من الغربلة في اتجاه توحيد مضمونها وإثرائه.

لذلك تمّ اقتراح على عديد الهيئات فتح موقع إلكتروني تسيّره نخبة من الخبراء العلميين العرب الضالعين في الترجمة العلمية يقومون بتزويد الموقع بالمصطلحات العلمية تِباعًا -القديم منها والحديث- وتعقّب الجديد منها وعرض مقابل له في أسرع وقت ممكن. غير أن لا أحد استجاب بفعالية لهذا النداء.

وجاءت المفاجأة من “مؤسسة دبي للمستقبل” في اليوم العالمي للغة العربية، يوم 18 ديسمبر 2021، إذ ظهر في موقعها قاموس إنكليزي/ عربي خاص بــ”مصطلحات المستقبل” والمفردات التقنية ليشكّل مرجعًا “تسهم من خلاله المؤسسة في توحيد المصطلحات العربية العلمية الحديثة وشرحها لاستخدامها في النشر الإعلامي والعلمي”. هكذا قدمت “مؤسسة دبي للمستقبل” مبادرتها ومشروعها. وأضافت: “القاموس مرجعٌ مفتوح يتيح للجمهور إضافة ما يستجد من مصطلحات علمية ومستقبلية خلال مسيرة تقدم البشرية”.

ويمتاز هذا القاموس بكونه منصة تفاعلية على الإنترنت تضمّن في يومه الأول 500 مصطلح عربي في العلوم والتكنولوجيا. وفضلا عن ذلك، فهو يتيح للمتصفِّح اقتراح إضافة مصطلحات جديدة أو تعديل المصطلحات الواردة في القاموس. كما ينشر الموقع يوميًا جديد المقترحات والإضافات.

جاءت المفاجأة من “مؤسسة دبي للمستقبل” في اليوم العالمي للغة العربية، يوم 18 ديسمبر 2021، إذ ظهر في موقعها قاموس إنكليزي/ عربي خاص بــ”مصطلحات المستقبل” والمفردات التقنية ليشكّل مرجعًا “تسهم من خلاله المؤسسة في توحيد المصطلحات العربية العلمية الحديثة وشرحها لاستخدامها في النشر الإعلامي والعلمي”. هكذا قدمت “مؤسسة دبي للمستقبل” مبادرتها ومشروعها. وأضافت: “القاموس مرجعٌ مفتوح يتيح للجمهور إضافة ما يستجد من مصطلحات علمية ومستقبلية خلال مسيرة تقدم البشرية”.

إنها مبادرة رائدة تستحق عليها هذه المؤسسة الثناء، ذلك أنها تقدِّم من خلال هذه اللفتة خدمة جليلة للغة العربية العلمية طال انتظارُها. ومما لا شك فيه أن هذا العمل -حتى يكون جادا ومفيدا للمؤلف والمترجم والباحث والأستاذ والطالب- لا بد أن يتوسع ولا يشمل الجديد في مختلف العلوم فحسب، بل ينبغي أن يُعْنى بكل ما في العلوم والتكنولوجيا من مصطلحات. وبدون ذلك سيكون من الغريب أن نجتهد في البحث عن مقابل لمصطلح صدر هذه السنة في الوقت الذي تتجاهل فيه المنصّة مقابل ما صدر منذ سنوات من المصطلحات!

ثم إن هناك مسألة تمحيص المصطلحات والبتّ في المقابل الأنسب. نعتقد بهذا الخصوص أن فتح نافذة تعرض أمام جمهور المتصفحين جديد المقترحات مع طلب إبداء الرأي قبل البتّ في أجودها أمرٌ ضروري لتحسين ما تقدّمه المنصّة. نتمنى أن تتعاون صاحبة المبادرة “مؤسسة دبي للمستقبل” مع إدارة العلوم والبحث العلمي (بمنظمة الألكسو) ومنظمة المجتمع العلمي العربي وذلك حتى نرقى بهذه المبادرة ونجعل منها “صانعة المصطلح العلمي العربي”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!