-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

دفاعا‮ ‬عن‮ ‬بومدين‮..‬

محمد عباس
  • 4004
  • 9
دفاعا‮ ‬عن‮ ‬بومدين‮..‬

حال الجزائر اليوم بعد 32 سنة من رحيل الرئيس هواري بومدين، تجعلنا نصرخ ملء حناجرنا: “لماذا؟!” ذلك أن حال الجزائر اليوم أبعد ما تكون عن طموح رواد التحرّر الوطني، وجهود الرعيل الأول من بناة الاستقلال، هذا الرعيل الذي يمثله الرئيس الراحل أحسن تمثيل، ويعبّر عنه‮ ‬أبلغ‮ ‬تعبير‮.‬

  • كثيرا ما نسمع عن الرئيس بومدين “أنه كان رجل سلطة، حكم الجزائر بقبضة حديدية”.. وقد كان كذلك بدون جدال. لكن من الإنصاف ألاّ نتوقف عند “ويل للمصلين” فنكمل بالقول: إنه كان قبل ذلك رجل دولة، وصاحب مشروع بناء وطني لإرساء دعائم الاستقلال، بالاستثمار المكثّف في ميادين‮ ‬حيوية‮ ‬كالثروة‮ ‬البشرية‮ ‬والتصنيع‮.. ‬
  • وكثيرا‮ ‬ما‮ ‬نسمع‮ ‬كذلك،‮ ‬أن‮ ‬الرئيس‮ ‬بومدين‮ ‬ارتكب‮ ‬أخطاء‮.. ‬وهو‮ ‬كذلك‮ ‬فعلا‮.. ‬ويمكن‮ ‬أن‮ ‬نصف‮ ‬هذه‮ ‬الأخطاء‮ ‬بالفادحة،‮ ‬بل‮ ‬القاتلة‮ ‬أحيانا‮. ‬على‭ ‬غرار‮:‬
  • 1- “الثورة الزراعية” التي أربكت خدمة الأرض، وماتزال تربكها إلى يومنا هذا. وتكمن فداحة هذا الخطأ في أن الفلاحة غداة الاستقلال – وحتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي – كانت تتطور بشكل طبيعي، وتحقق وفرة في الإنتاج، وفائضا جعل المنتجات الزراعية في متناول أوسع قاعدة‮ ‬اجتماعية‮ ‬ممكنة‮. ‬كما‮ ‬تكمن‮ ‬فداحة‮ ‬الخطإ‮ ‬في‮ ‬الاقتداء‮ ‬بالبلدان‮ ‬الاشتراكية،‮ ‬رغم‮ ‬فشل‮ ‬تجاربها‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الميدان‮ ‬الحيوي‮.. ‬
  • 2- التقصير في حق التاريخ ورجالاته.. وكان من المفروض أن يولي هذا الجانب الاستراتيجي في مشروع البناء الوطني ما يستحق من الاهتمام، بتوفير الوثائق ومختلف المواد الأولية لذوي الاختصاص من باحثين ومؤرخين، لكتابة تاريخ المقاومة الجزائرية ما بين 1830 إلى 1962 بصفة خاصة‮.‬
  • إن حاجة مشروع البناء الوطني إلى تاريخ مقاومتنا لا تحتاج إلى تأكيد، بالنظر إلى أهميته في تعزيز اللحمة الوطنية، وتغذية الشحنة النفسية، وغير ذلك من العوامل المساعدة على تحقيق أعلى درجة ممكنة من التعبئة، لإنجاز مهام الجهاد الأكبر بأوفر حظوظ النجاح.
  • 3- الرهان على “ضباط فرنسا”، بدون التفطن بالقدر الكافي، إلى أن هذا الرهان يمكن أن يتجاوز الجوانب التقنية إلى  الجوانب السلطوية والسياسية. لاسيما أن هناك دولة عظمى تقف بالمرصاد، يمكنها أن تستغل هذا الرهان أيضا!
  • لكن‮ ‬مع‮ ‬ذلك‮ ‬هناك‮ ‬منجزات‮ ‬كثيرة‮ ‬تشفع‮ ‬للرئيس‮ ‬بومدين،‮ ‬رغم‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬الأخطاء‮ ‬الجسيمة‮:‬
  • 1- فقد أسس مثلا قاعدة صناعية متنوعة، لو أتيح لها أن تتواصل وتكتمل، لرفعت الجزائر اليوم إلى مصاف الدول الناهضة بكل جدارة واستحقاق. والرهان على التصنيع كان سليما جدا، لا لأن التصنيع هو بداية التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي فحسب، بل لأنه المفتاح الضروري لحل‮ ‬مشكلة‮ ‬التشغيل‮ ‬كذلك‮.‬
  • ويكفي‮ ‬بومدين‮ ‬فخرا‮ ‬أنه‮ ‬أقنع‮ ‬دولا‮ ‬كبرى‮ ‬بمساعدة‮ ‬بلادنا،‮ ‬في‮ ‬ميادين‮ ‬حيوية‮ ‬كالتصنيع‮ ‬والتكنولوجيا‮ ‬المتطورة‮. ‬ونخص‮ ‬بالذكر‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الصدد،‮ ‬ألمانيا‮ ‬في‮ ‬الصناعات‮ ‬الميكانيكية‮ ‬واليابان‮ ‬في‮ ‬الصناعات‮ ‬الإلكترونية‮..‬
  • 2‮- ‬كما‮ ‬استثمر‮ ‬في‮ ‬الثروة‮ ‬البشرية‮ ‬استثمار‮ ‬سديدا‮ ‬وعلى‭ ‬نطاق‮ ‬واسع،‮ ‬ممهّدا‮ ‬بذلك‮ ‬لكسب‮ ‬رهان‮ ‬التفاعل‮ ‬الحيوي‮ ‬بين‮ ‬الطاقات‮ ‬البشرية‮ ‬المبدعة،‮ ‬وما‮ ‬تزخر‮ ‬به‮ ‬البلاد‮ ‬من‮ ‬ثروات‮ ‬
  • طبيعية‮..‬
  • وقد‮ ‬قرأت‮ ‬أخيرا‮(‬‭*‬‮) ‬شهادة‮ ‬حق‮ ‬وإنصاف‮ ‬للرئيس‮ ‬بومدين‮ ‬وعهده،‮ ‬من‮ ‬الوزير‮ ‬والوسيط‮ ‬الأممي‮ ‬لخضر‮ ‬الإبراهيمي‮ ‬الذي‮ ‬يؤكد‮ ‬في‮ ‬نفس‮ ‬السياق‮ ‬حقيقتين‮:‬
  • ‮- ‬الأولى‮: ‬أن‮ ‬مؤشرات‮ ‬جزائر‮ ‬السبعينيات‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮ ‬كانت‮ ‬جميعا‮ ‬أفضل‮ ‬من‮ ‬مؤشرات‮ ‬كوريا‮ ‬الجنوبية‮.‬
  • – ريادة جزائر بومدين في مجال المعلوماتية، إذ أسس المحافظة السامية للمعلوماتية التي كانت – للأسف الشديد – في طليعة المؤسسات التي ذهبت ضحية “المراجعة” الشاذلية، ابتداء من مطلع الثمانينيات من القرن العشرين. ويشهد الإبراهيمي في هذا الصدد قائلا: “كنت سفيرا بلندن،‮ ‬حيث‮ ‬كنت‮ ‬أستقبل‮ ‬بعثات‮ ‬طلابية‮ ‬لإعداد‮ ‬أطروحات‮ ‬الدرجة‮ ‬الثالثة‮ ‬في‮ ‬المعلوماتية‮”‬،‮ ‬ليس‮ ‬في‮ ‬بريطانيا‮ ‬فقط،‮ ‬بل‮ ‬في‮ ‬الوايات‮ ‬المتحدة‮ ‬وكندا‮ ‬أيضا‮”..‬
  • ولمزيد‮ ‬من‮ ‬الوضوح‮ ‬يضيف،‮ “‬أنشأنا‮ ‬المحافظة‮ ‬السامية‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬الهند‮ ‬تعرف‮ ‬كبير‮ ‬شيء‮ ‬عن‮ ‬المعلوماتية‮”! ‬ويخاطب‮ ‬محدثه‮ ‬الأستاذ‮ ‬الأمريكي‮ “‬مور‮ ‬أنري‮”: ‬أنظر‮ ‬أين‮ ‬وصلت‮ ‬الهند‮ ‬اليوم‮! ‬وأين‮ ‬نحن‮ ‬منها‮!”.‬
  • ويسأل‮ ‬الأستاذ‮ ‬الأمريكي‮ “‬كيف‮ ‬تفسّر‮ ‬ذلك‮”‬؟‮! ‬ويردّ‮ ‬وزيرنا‮: “‬لا‮ ‬أدري‮ ‬كيف‮ ‬حدث‮ ‬ذلك‮!”. ‬
  • طبعا في جواب الوزير والوسيط الأممي حسن تخلّص دبوماسي، لأنه يشير إلى الكارثة التي لحقت – وما تزال – بالجزائر منذ رحيل الرئيس هواري بومدين: كارثة “الاستهلاك والتبذير”.. وما تبع ذلك من “استيلاء السفلة على مقاليد الأمور”!
  • لقد أدخلنا بن جديد في كارثة الاستهلاك والتبذير بلا إنتاج ولا تصدير! والكارثة مستمرة منذ ثلاثة عقود: ثلاثة عقود بدون برنامج ملموس، غير محاولة تدمير ما ورثت الجزائر عن عهد بومدين بمختلف الوسائل والأساليب! ألا يحق لنا أمام هذه الكارثة أن نصرخ بملء حناجرنا: “لماذا؟‮!”‬
  • ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • ‮)‬‭*‬‮(‬في‮ ‬كتاب‮ ‬حول‮ “‬الاتحاد‮ ‬العام‮ ‬للطلبة‮ ‬المسلمين‮ ‬الجزائريين‮” ‬صدر‮ ‬بمناسبة‮ ‬معرض‮ ‬الكتاب‮ ‬الأخير‮ ‬للأستاذ‮ ‬الأمريكي‮ “‬كليمان‮ ‬مور‮ ‬أنري‮”.‬‭ ‬ 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • SAMI

    a toi le numero (2 ca te conserne pas les affaires de l ALGERIE OK

  • جزائري حتى النخاع

    الله يرحمك يا الرايس لولا الرئيس بومدين لكانت الجزائر قبلة للخونة يكفينا فخرا ان في بلدنا لا توجد لا قاعدة عسكرية اجنبية ولا سفارة لبنى صهيون الحمد لله

  • رشيد

    أعتقد أنك رجل مثقف غير أنني لم ألمس من ثقافتك التاريخية إلا ما كان ينطلق من عاطفتك وكما تعلم أن المؤرخ يجب عليه أن يتجرد من مشاعره فمرة تقول إن بومدين رحمه الله أرتكب أخطاء كثيرة ومرة تنفي أخطاءه بما حققه من انجازات.فما الانجازات التي حققها منذ توليه السلطة بالحديد والنار. ماذنب الذين خرجوا وهم ينددون بالانقلاب العسكري الذي وقع على المؤسسات الدستورية وما ذنب الأسر الجزائرية والمغربية التي شردت وما ذنب المجاهدين الذين أبعدوا أو سجنوا الى غير ذلك من الأسئلة التي يجب عليك أن توضحها للقارئ .

  • طارق بوحلوان

    قال الراحل الزعيم هواري بومدين . من لا يعمل لا يخطئ فالخطا صفة من صفات البشر . و الرجل رحمه الله معذور ولا يؤاخذ . لانه افنى عمره من اجل الجزائريكفيه انه اخذ عطلة واحدة خلال مشواره الرئاسي.... و اذا قلتم ان بومدين كان دكتاتوريا .فانا اقول ما ارحم دكتاتوريتك يا بومدين .

  • ابوعمر

    دفاعك عن الرئيس الراحل بهذه الطريقة يثبت ان مساره السلطوي شابته الشوائب والنوائب والمصائب التي ارهقتناجميعاوطرحت الكرامة والعزة والشموخ بعدنيف من الوقت في مزادالوصوليين والانتهازيين ورجالات الاعمال ومكتنزي الاموال الذين ظهروابالمئات ان لم اقل الالاف بعدانتهاءمرحلة الرئيس مباشرة والتي فتح لهاالمجال الليبيراليون الجددفي مرحلة الرئيس الموالي ..لقدقيل الكثيرعن يابان افريقياوسنغفورة الشمال الافريقي وماالى ذلك من العناوين والمسميات التي ذهبت الى غير رجعة .قدتعودبعودة الاموات. فنحن في الانتظار؟صحيح ان الرئيس ابو مدين كان الاب الروحي للفقراءوالمعوزين والمحتاجين وانه ساهم بكل مااوتي من قوة في رعاية وعناية وحماية هذه الفئة الفقيرة من خلال انجازاته ومشاريعه التي لاينكرهاالا الجاحد.لكن في المقابل ساهم في عرقلة بعض المسارات الثورية الاجتماعية وحتى العقائدية مثلماتحدث وكتب المؤلف صاحب كتاب شاهدعلى اغتيال الثورة؟..فلويعود الشهداء وكل المخلصين بمافيهم الرئيس بومدين فبماذاسيخاطبون هذاالشعب الذي قدم المليون ونصفه من ابنائه للانعتاق من الاستكبارالفرنسي.والفقروالظلم والبؤس الاجتماعي الذي يابى الانقشاع والاضمحلال من سماءالجزائر.رغم فاتورة الدم والفقر ورغم الخيرالعميم الذي تكتنزه بواطن الارض الجزائرية .

  • gamette

    من يكون بن بوزيد.هل له حقا روح وطنية. اذا كان كذلك فليرحل

  • جلال الوطني

    دعك من الأموات فان مافات مات وماهو آت آت
    لقد قيل في السبعينات ان الجزائر ستصبح في الثمانينات يابان ثانية وهانحن نحصد مازرعوه من البريستيج والميجالوماني وحب الظهور لقد صارت تضحك منا الأمم التي كنا نغدق عليها من ثروات البلاد ليقال لنا ان الجزائر كعبة الثواروهانحن أصبحنا كعبة الأرهاب ان الفرد مهما تكن بصيرته ونفاذ رأيه لا يمكن ان يقود أمة لوحده فالرأي والفكر والمشورة قبل شجاعة الشجعان ويحضرني هنا ماكان يردده المصريون في اناشدهم نحن بنينا السد العالي نحن بنيينا السد العالي الذي بناه في الواقع الروس للمصريين كما بني لنا الحجار ( سياسة المفتاح في اليد المعروفة) واستيراد النماذج الجاهزة التي لا تتماشي وعقلية الفرد الجزائري كالتسيير الذاتي مثلا وأصبح الفلاح أجيرا عوض أن يكون منتجا الي آخره من الحماقات الأيديولوجية التي أوصلت البلد الي الهاوية فالأشياء تتراكم وتتراكب في الزمن الي حين الأنفجار وما عصر الشادلي الا شاهد علي ذلك وليس أحد أسبابها كما يحلو للبعض تعليق مشجب الفشل عليه وحده دون النظام الذي كانت تسير عليه الجزائر آنذاك فالكل متكامل والكل مترابط.

  • مومني محمد

    رحمة الله على البطل الهمام هواري بومدين والدي يعد من خيرة الرؤساء العرب بأنفته وشجاعته وطموحاته المشروعة. وكم تمنينا ان نرى طموحاته تتحقق وتخرج الى الوجود يابان افريقيا لتسعدنا بمنجزاتها العظيمة.ولكن للاسف لكل جواد كبوته.وكانت كبوة هواري البطل مثل كبوات رؤساء العرب عبر التاريخ يودون بناء مجدهم وعظمتهم بالسعي لادلال اخوانهم وجيرانهم فيقعون في مطب لا فكاك له وخير مثال في التاريخ الحديث صدام حسين.وما يسعنا الا ان نطلب من الله عز وجل الغفران مهما كان الامر لابطالنا العظام

  • الاستاذالدكتور/غضبان مبروك

    ما قاله الاستاذ عباس صحيح و الصحيح كذالك ان بومدين حقق نوعا من العدالة الاجتماعية وان كانت مظاهر الطبقية بدات تزحف على المجتمع الجزائري كما اكدت ذالك الاستاذة م لزرق.كان اكبر نجاح سجله بومدين هو في الثورة الثقافية ,لا سيما في الاستثمار في الانسان,حيث اخرج الجزائر التي اجهلتها فرنسا الى النور الثقافي التعليمي وانا واحد من هؤلاء.نعم كانت له اخطاء لانه بشر ,ولكن اصاب اكثر مما اخطا. ام عن لماذا وصل الامر با الجزائر الى ما وصل اليها الآن؟ فاعتقد ان الشاذلي ومحيطه هم من يملك الجواب الحقيقي اكثر من المحللين والمختصين. وللشعب الجزائري الحق وكل الحق في معرفة الحقيقة المخباة,كم ان للجزائريين حق ابدي في ذمة المسؤلين وعلى راسهم الرئيس الشاذلي وزبانيته..فقد كنا نحلم بجزائر يا بان البحر المتوسط كما وعدنا بذالك المرحوم بومدين ولكن لم نحصل سوى علىدولة مثل كامبودا.