-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“ديجي سنيك” لإصلاح ما أفسده الاستعمار!

“ديجي سنيك” لإصلاح ما أفسده الاستعمار!

لقد كان واضحا منذ بداية وصول إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، أنّ هذا الأخير اصطدم بتمسك القيادة السياسية القوي بأجندتها الوطنية، لإعادة تفعيل الشراكة على قاعدة اتفاق التعاون والصداقة 2012، والمتعثرة منذ سنوات، بسبب تعنت الفرنسيين وعدم استيعابهم دروس التاريخ وتحولات الواقع الجزائري والإقليمي والدولي.

وقد جاء الاشتراط الجزائري على لسان الرئيس عبد المجيد تبون صريحا دون مداهنة ولا دوران، حين قال في حضرة ماكرون، خلال لقائهما الصحفي، إنه اتفق معه على “تكريس توجه جديد لتعزيز العلاقات، مبني على إقامة شراكة استثنائية شاملة في ظل الاحترام والثقة المتبادلين وتوازن المصالح بين الدولتين”.

وزادها الرئيس تأكيدا بقوله إن “المحادثات تمت بالصراحة المعهودة في جميع المجالات، انطلاقا من الذاكرة، مرورا بالتعاون التقني والاقتصادي، وصولا إلى الحوار والتنسيق إزاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.

ويعني كلام رئيس الجمهورية أن الجزائر وضعت النقاط على الحروف بخصوص علاقتها مع فرنسا، تحت شروط إلزامية، عناوينها الذاكرة والسيادة والمصالح المشتركة، حيث يستحيل التطلع إلى بناء شراكة شاملة ولا متميزة على حساب التاريخ ولا القرار الداخلي ولا مصالح بلادنا في الإقليم.

ربما يوفر “إعلان الجزائر للشراكة المتجددة مع فرنسا” المتوج للزيارة أرضية عمل جديدة لتصحيح أخطاء الماضي، وفتح آفاق مختلفة في علاقة البلدين، لكنها ستبقى أشبه بمذكرة نوايا، حتى يثبت الجانب الفرنسي، والذي تعوّد منه الجزائريون على الغدر، جديّته هذه المرة في تجسيد الأقوال وتهذيب الأفعال.

من الممكن التفاؤل الحذر، بناء على تقييم الرئيس تبون لمخرجات الزيارة، بوصفه لها أنها “كانت ممتازة وضرورية ومفيدة وناجحة جدا، إذ وضعت كثيرا من الأمور في نصابها”، لكن الاطمئنان إلى تعهدات الفرنسيين غير وارد على الإطلاق.

إنّ قرائن التنصّل من الاستحقاق الأخلاقي والسياسي في تحمّل تبعات التاريخ الشنيع للاستعمار بارزة في خطاب ماكرون بالجزائر، حيث راح يمارس هواية الهروب إلى الأمام بمغازلة الشباب، حين لم يجد حيلة في مواجهة الحقائق والمواقف الصلبة.

من الواضح أنّ ماكرون على مذهب كوشنير الغبيّ في فهمه لقضية الذاكرة مع الجزائريين، فهو يتوهم أن أزمة بلاده في علاقتها بوطن الشهداء تكمن مع الجيل الثوري المشحون بذاكرة الحرب ومعاناة عهد الاحتلال البغيض، ويمكن لفرنسا أن تتخلّص من كابوس الماضي الإجرامي بصعود الأجيال الناشئة.

وبهذا الصدد، نستحضر حرفيّا تصريحه أن “بناء المستقبل يمر بالنظر معا إلى تحدياتنا والعمل بجهد من أجل تقديم الأجوبة الكفيلة بمساعدة الشباب في الجزائر وفرنسا على النجاح”، وهو إغراء علني للمساومة على ذاكرة الأمة بتقديم ملفات التعاون والهجرة، لكن هيهات أن يظفر فتى الإليزيه بمراده.

وفي تغريدة الوداع على تويتر، كتب ماكرون “أشكر مدينتيّ الجزائر العاصمة ووهران على استضافتهما، وأشكر شبابكما، وسنواصل نسج سير هذه الحيوات التي تربطنا من خلال الثقافة والرياضة وريادة الأعمال”، أما التاريخ الأسود لآبائه وأجداده الأشرار فقد ذهب، في ظنه السيئ، هدرا ولا يستجوب الحساب.

لم يفهم ماكرون حتى الآن أن الشباب الجزائري والأفريقي عموما، وقد واجهه في عواصم القارة، مشبع بكره الماضي والحاضر الفرنسييْن في بلاده ومتشبث بالدفاع عن ذاكرة الوطن ورافض للوصاية الاستعمارية على خيراته وقراراته السيادية، فراح يرمي شبكات تركية وصينية وروسية، وناشطي الإسلام السياسي بممارسة ونشر معاداة باريس، ولم يجد حرجا في مهاجمة شركاء كبار للجزائر من داخل عقرها.

من جهة أخرى، لاحظ الجميع تركيز ماكرون على مسائل التعاون الفني والسينمائي والروائي والتأليف المشترك للتاريخ، عبر إعلانه عن لجنة مختلطة لمعالجة ملفات الأرشيف والذاكرة، كما لم يكن عفويّا أبدا اصطحاب المخرجة الفرنسية من أصول جزائرية، يمينة بن قيقي، وهي الوزيرة المكلفة بالفرنكوفونية في عهد فرانسوا هولاند، والكاتب كمال داوود وآخرين.

إنّ الهدف جليّ وهو محاولة التغطية على جرائم الاستعمار، بالتمييع والتزوير التاريخي والأدبي، تحت مسمى الأعمال المشتركة، بينما المنطق يقول باختلاف الرؤى جذريّا بين الجلاد والضحيّة.

بل ظهر أن ماكرون وشلّته الكولونياليّة تراهن على صاحب أغنية “أشطح أردح”، مغني الراب ديجي سنيك، لإعادة ترتيب العلاقات بين الجزائر وفرنسا باسم الفن الساقط، والمؤسف أن مراسل القناة الفرنسية “فرانس 24” لم يتوان عن الجهر بذلك أثناء مرافقته الزيارة إلى “ديسكو مغراب” بوهران، لتتبيّن مرة أخرى مدى سخافة العقل الفرنسي وبلادته في عدم إدراك ما يجري خارج نطاقه الضيق في العالم الآخر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!