-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في صحبة موسى والخضر

ذلك ما كنّا نبغي

أبو جرة سلطاني
  • 1015
  • 1
ذلك ما كنّا نبغي

كان الحوت الميّت معجزة لخدمة الأحياء: ((قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)) (الكهف: 64). ذاك هو المكان المقصود الذي ظلْتُ أبحث عنه (لعلّه ملتقى بحر الأردن بخليج السّويس). عاد الرّجلان أدراجهما سراعا يتوسّدان الخطْوَ خطوة إثر أخرى قصًّا دقيقا حتىّ لا يتيه منهما طريق العودة ((فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)) (الكهف: 64)، هكذا وصلا معا إلى الصخرة فلما وجدا العبد الصّالح اختفى فتى موسى من مشهد الرّحلة، ولم يظهر له بعدها أثرٌ: ((فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) (الكهف: 65)، عبد موصوف بثلاث صفات دالّة على علوّ مقامه عند الله -جل جلاله- وخصوصيّة ما أتاه من علم رحمةً منه بتعليمه من لدُنْه؛ أوّلها: أنه عبد لله، فكلّ الخلق عبيد الله لكنّ عباده فقليل. وثانيه: أن الله -جل جلاله- آتاه من عنده رحمة، فهي رحمة خاصّة فوق الرّحمة العامة: ((آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا)) (الكهف: 65)، لتكون أفعاله محكومة بالرّحمة وليس بالعدل، وبالباطن الذي كشفه الله له وليس لمجرّد الحكم على الظواهر. وثالثه: أنّ الله خصّه بعلم من لدُنه وليس وحيًا يُطلب منه تبليغه، بدليل أنه لم يتواصل هو بإرادة ذاتيّة منه مع موسى –عليه السّلام- لينقل له هذا العلم وإنما تواصل موسى معه بإذن من ربّه، فلما وجده كشف له منه ثلاث حقائق فحسب، علم أنّ الله قد أذن له بكشفها لمن أرسله إليه لحكمة لا يعلمها إلاّ من علّمه من لدنه علما سابرًا لأغوار ما وراء العقل متجاوزا الظواهر مستشرفا ما وراء حركة عالم الأشياء في ظرفيْ الزّمان والمكان. كلّ ذلك هبة من عند الله -جل جلاله-.

جاء في البخاري عن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: “… فرجعا (أي موسى وفتاه) فوجدا خضرا مستلقي على طنْفسة خضراء على كبد البحر مسجّى بثوبه قد جعل طرْفه تحت رجليْه وطرفه تحت رأسه. فسلّم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال جئتك تعلّمني مما عُلّمت رشْدا، قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى إنّ لي علما لا ينبغي لك أنْ تعلمه، وإن لك علما لا ينبغي لي أنْ أعلمه”. وفي البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- قال: “إنما سمّي الخضر، لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتزّ من خلفه خضراء”.

نحتاج هنا إلى وقفة طويلة لتجليّة هذه المسألة في جانبها المعرفي كونها تلامس صميم العقيدة التي خاض فيها كثير من دعاة الزّهد والتّربية الرّوحيّة في عمقها التّجريدي وكثير من الصّوفيّة؛ فمنهم من أغرقته أمواجها العاتيّة في بحر الغنوص، وجرفته سيولها الهادرة في أودية الهيام، ومنهم من تشبّع عرفانا فنجا وأنجى، ومنهم من توقّف، ومنهم من عبّ من أمواهها المالحة ما أفسد “مزاجه الإيماني”.. وكلّ ذلك بحاجة إلى تصفيّة وغربلة وتحرير مناط. ولعلّ أغلبهم احتجّ بما كتبه السّابقون أو نسبوا أقوالهم إلى شيوخهم من غير إسناد غلوّا في الدّين بإفراط، فقابلهم من ينكر عليهم بتفريط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حمو

    افعاله فيها رحمة خاصة فقد آتاه من عنده رحمة، فهي رحمة خاصّة فوق الرّحمة، فكيف قتل غلاما يا ترى؟!