الرأي

رؤية الفنان عريوات… تتحقق

محمد سليم قلالة
  • 4880
  • 7

الفنان الكبير عثمان عريوات عندما أصدر فيلمه الكوميدي الشهير “كرنفال في دشرة” نظر إليه الناس على أساس أن فيه نقدا لتلك المرحلة فحسب، ولم ينتبهوا إلى أنه أيضا تضمن رؤية فنان للمستقبل السياسي للبلاد، بل أجزم القول أنه تضمن عناصر رؤية استشرافية بعيدة المدى بامتياز، عندما اختتم فيلمه بالتعبير عن طموح “سي مخلوف” في اعتلاء كرسي الرئاسة، كان يشير إلى أن هناك من الناس من لا يتوقف عن طلب الارتقاء في درجات سلم المسؤوليات بحثا عن السلطة والنفوذ والجاه، من غير أن تكون لديه المؤهلات، حتى وإن كان المنصب المرتقب هو منصب رئيس الجمهورية القاضي الأول للبلاد… وفي ذلك تعبير على غياب الضوابط والحدود والأخلاقيات التي يفترض أن تكون من مخرجات الأحزاب كمؤسسات سياسية أولى تُعنى بالشأن السياسي الوطني…

وبما أنه حدث تفكك وتعدد وتشتت لهذه المؤسسات في العقد الماضي بالخصوص بعد أن تخلت على برامجها وانصهرت في برنامج واحد، لم يعد هناك من ضابط لدى الأفراد ليروا أنفسهم بديلا عنها.. ويتقدموا بأنفسهم فرادى للترشح، متجاوزين كل الأحزاب التقليدية ذات الوزن الثقيل والخبرة التاريخية، ناهيك عن تلك التي تشكلت منذ أيام.

الفنان عثمان عريوات، بنظرته الثاقبة للمستقبل، عبر عن ذلك منذ أكثر من عقدين من الزمن، وانتقد الواقع السياسي الذي كانت تعيشه البلاد عند الإرهاصات الأولى للديمقراطية، وكنا نظن أن تلك الانتقادات، إضافة إلى ذلك التقييم الذي تم في حينه من قبل سياسيين يشهد لهم بالباع الطويل في هذا المجال، سيمكناننا من تصحيح المسار وكشف الثغرات وعدم  تكرار الأخطاء.. فإذا بنا اليوم ونحن على أبواب مرحلة انتخابية مفصلية في تاريخنا المعاصر نكاد نعيد تكرار سيناريو سي عثمان، وأحيانا بنفس الكلمات والعبارات والوجوه ومستوى الخطاب السياسي.

تكفي نظرة في اليوتوب لكيفية ربط الجيل الجديد من متصفحي الانترنت بين سلوكات بعض السياسيين اليوم ولقطات من الفيلم الكوميدي، لنكتشف أن هؤلاء الذين ولدوا بعد الفيلم في غالبيتهم  وجدوا أنفسهم فيه، وأحبوا الفنان عريوات باعتباره ليس فقط فنانا كوميديا إنما كسياسي بامتياز ضمّن فيلمه أكثر من رسالة مازالت تقدم الإيحاءات الصحيحة إلى اليوم.

 

ليتنا ندرك أن للفن أيضا علاقة بالسياسة، لا يكتفي بأن يعكس الواقع الذي نعيش، إنما يوحي لنا بمستقبل هذا الواقع لنتمكن من تغييره، بل أكثر من ذلك يعلمنا السياسة ونحن نضحك، بدل تلك الأحزاب التي لا تعلمنا السياسة إلا ونحن نبكي… ليتنا نُعمِّم مدرسة سي عريوات في النقد السياسي، على الأقل نفرج على أنفسنا بضحكة أو ابتسامة أمل ونحن نشكو حالنا، بدل أن نزيدها هَمًّا ويأسا ونحن نتابع تصريحات بعض السياسيين ممن يزعمون أنهم يحملون الحلول السحرية لنا، كما حملها فريق “سي مخلوف” لزعيمهم… والكل يعرف من هم هؤلاء، وكيف كانت تلك الحلول..

مقالات ذات صلة