-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

راهن الأمة والدعوة الإسلامية في فكر الشيخ محمد الغزالي

محمد بوالروايح
  • 1521
  • 0
راهن الأمة والدعوة الإسلامية في فكر الشيخ محمد الغزالي

كلما رمت الكتابة عن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، خالجني شعور متدفق، شعور يعيدني إلى الزمن الجميل الذي كنت فيه بمعية ثلة من إخواني وأخواتي في الدفعة الأولى طلابا، نتسابق إلى الصفوف الأولى في مدرج مالك بن نبي بجامعة الأمير عبد القادر للاستماع والاستمتاع بما يقوله الشيخ محمد الغزالي وهو يطوف بنا في فقه السيرة وعلوم القرآن. لم تكن محاضرات الشيخ محمد الغزالي من الصنف الممل الذي نعهده عند كثيرين ولم يكن الشيخ من هواة الثرثرة الكلامية بل كان صاحب فكر متدفق، يحدثك عن معركة بدر وكأنك تراها رأي العين وترى مصارع القوم ،و يحدثك عن الوحي وكأنك بين جنبات غار حراء، فلا تحس وأنت تستمع إليه بفاصل الزمان والمكان وقد كانت هذه ميزة انفرد بها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عن أقرانه من العلماء والدعاة.

لقب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله بفارس الدعوة، ولم تكن الدعوة عنده ترفا فكريا ولا اهتماما ثانويا بل كانت هما يؤرقه ويملك عليه أقطار نفسه، وهذا ما بسطه في كتابه “هموم داعية” الذي تستشف فيه فكرا دعويا مثخنا بمآسي الماضي وهنات الحاضر، صورة يبدع الشيخ محمد الغزالي في تقريبها إلى الأذهان، وهو لا يقف عند الحد بل يضفي على أفكاره رؤية استشرافية لمستقبل الأمة والدعوة الإسلامية بناء على ما اجتمع عنده من معطيات حول مسارها وحجم امتدادها ودائرة تأثيرها في محيطها وخارج محيطها.

قرأت كتاب الشيخ محمد الغزالي ” هموم داعية” مرات كثيرة، وكنت في كل مرة أكتشف شيئا جديدا ومن هذا الجديد أن محمد الغزالي قد سبق أقرانه في استشراف راهن الأمة والدعوة الإسلامية الذي نعيش تفاصيله على النحو الذي تحدث عنه، فقد غرق الدعاة المسلمون كما توقع محمد الغزالي في وحل حب الزعامة وأصبحت الدعوة الإسلامية لبعضهم وسيلة للاسترزاق وتخلى بعضهم عن الدعوة بعد أن غرتهم الأعادي وسلبت عقولهم الأماني.

لقد تحدث الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عن المخاضات العسيرة التي ستمر بها الأمة الإسلامية وهي مخاضات تحتم على المؤسسة الدعوية الانتقال من دائرة الدعوة الضيقة التي مبلغ همها أن تحصن الدعوة الإسلامية أو تجلب إلى صفها مزيدا من المؤمنين بها أو المتعاطفين معها إلى دائرة الدعوة الشاملة التي يعي أصحابها حجم الأخطار التي تتهددهم تحت أسماء براقة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، دعوة شاملة تركز في المقام الأول على تعزيز قيم الوجود، وجود المسلمين ككيان ديني مستقل لا يقبل الانصهار في الآخر ولكنه لا يرفض التعاون معه وفق ما تقتضيه متطلبات العيش المشترك. إن آلة التطبيع التي تشتغل من دون هوادة في جسم الأمة الإسلامية ينبغي أن تتصدى لها المؤسسة الدعوية التي يجب أن ترمي بكل ثقلها في هذه المعركة الوجودية المصيرية، وقد استوقفني في هذا الصدد ما كتبه الشيخ محمد الغزالي في كتابه “هموم داعية” حول شبهة الدعوة إلى أخوة الأديان وما شد انتباهي أكثر هو حديثه عن “مجمع الأديان”، وهذه رؤية استشرافية تحققت على أرض الواقع فيما يسمى ” البيت الإبراهيمي”. يقول الشيخ محمد الغزالي: “قالوا الأديان كلها سواء، وأتباعها جميعا إخوة لا فرق بين يهودي ونصراني ومسلم. فلم هذا التصارع المتوارث؟ إن راية الإنسانية تظل هذا وذاك، فليبق اليهود في فلسطين ولتدم لهم دولتهم، وليترك للبعثات الكنسية أن تنصر مسلمي إندونيسيا، ما المانع؟ الأديان كلها سواء أمام رب واحد. ينبغي أن نقيم مجمعا للأديان في كل قطر، يكون رمزا للتسامح والتآخي، فإن اليهود الذين أقاموا دولتهم اغتصابا يرفضون إقامة دولة العرب إلى جوارهم، والزحف التبشيري في الفليبين وإندونيسيا يرفض إقامة كيان إسلامي للمسلمين المضيعين هناك، أي أن السلام المقترح أساسه أن يرضى المسلمون بزوالهم شعبا وحكما، ويعقب ذلك على مر الأيام زوالهم أفرادا وجماعات”.

إن أكثر المشتغلين بالعمل الدعوي الراهن قد استهوتهم التفاهات والخلافات، وغفلوا عن التحديات الحقيقية التي تواجه الأمة الإسلامية، ومن قبيل هذه التحديات أن يسوي بعض بني جلدتنا بين اليهودية والمسيحية والإسلام ولا نجد من الدعاة من يلجمه ويفحمه، ولعمري كيف تصح التسوية بين دين يقوم على التوحيد ودين يقوم على التجسيد؟!! ودين يجعل الله ثلاثة أقانيم اتحدت في أقنوم واحد؟!! إن الإسلام دين سلام ولكن لا يليق عقلا ومنطقا أن يسوى بشرائع خاضت فيها يد المحرفين والمنتحلين وجمع أكثرها من شتات الوثنيين والدهريين.

لا نجد للدعاة المعاصرين في الراهن اهتماما بالقضايا المصيرية للأمة إلا ما كان من قبيل الخطاب الدعوي الدي يدغدغ العواطف ولكنه لا يرقى إلى مستوى مواجهة الخطر الداهم الذي حذر منه الشيخ محمد الغزالي في كتابه “الدعوة الإسلامية في القرن الحالي” وكتابه “جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج” وكتابه “مستقبل الإسلام خارج أرضه” وكتابه “الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر”. قد يبدو لبعض القشوريين والسطحيين أن الفكر الدعوي عند محمد الغزالي رحمه الله، يقف عند رسم معالم الدعوة الإسلامية في الزمن الذي يكتب فيه ولكن المتمعن في هذه الكتب يلمح فيها من دون شك رؤية استشرافية لا تكتفي بتصوير المشهد الدعوي الآني بل تتعداه إلى استشراف معالمه المستقبلية وهي ليست معالم موحشة بالمطلق كما يصورها بعض الدعاة بل تتخللها جوانب مشرقة ومشرفة تنبئ بأن عمل الدعاة المخلصين لن يذهب سدى وبأن دين الله لن يزول وبأن المستقبل لهذا الدين مهما اشتدت الصعاب وكثرت العقبات، يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه “الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر” تحت عنوان “يوم الإسلام قادم”: “نحن نعتقد أن المستقبل لنا لا علينا وأن حكمنا الذي انهار سيقوم مرة أخرى شامخا عزيزا، وأن اليهود الذين يعربدون في منطقتنا، ولهم على حكام العرب صولة ستخمد نارهم وتذوب دولتهم، وأن المد الصليبي والشيوعي ستتبدد قواه ويعقبه جزر عميق .نعم فللإسلام جولة أخرى لا تقوم الساعة إلا وقد بلغت مداها ورفعت سناها”. إن كثيرا من كلام الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في هذه العبارة قد تحقق وما بقي سيتحقق في المستقبل القريب، فقد تنبأ الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في هذا الكتاب بزوال الشيوعية التي انهارت بانهيار الاتحاد السوفييتي في 1991 فلم تقم للشيوعية بعد هذا التاريخ قائمة، ونفس المصير ينتظر الكيان الصهيوني المحتل، فقد عاد بعض المهتمين بالشأن الإسرائيلي إلى إحياء فكرة زوال إسرائيل في ظل الأزمة العالمية الجديدة التي بدأت في أوكرانيا والتي ستمتد إلى ما وراءها وسيكون الكيان الصهيوني أول ضحايا هذه الأزمة في حالة اشتدادها وتوسع رقعنها بعد أن يتخلى عنها الجدار الداعم حينما تصير الأولوية الأولى لهذا الأخير حماية نفسه قبل التفكير في حماية غيره.

إن هناك لمسة استشرافية في فكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تتأكد من خلال تحذيره من المآلات غير الآمنة التي ستنجر إليها الأمة الإسلامية إذا هي تقاعست عن أداء دورها الرسالي الشامل في مواجهة الحرب الشاملة التي ستشن عليها من كل جانب، حيث يقول في هذا الصدد:” أنا أخشى من يوم قادم أقول فيه كما قال دريد بن الصمة لقومه :أمرتهم أمري بمنعرج اللوى..فلم يستبينوا الرشد إلا في ضحى الغد”..المعركة قادمة والثبات أمامها ليس ثبات عسكري بسلاحه، الحرب الآن في ميدان الاقتصاد وفي ميدان الإعلام وفي ميدان التعليم ،و في ميدان الحضارة وفي كل ميدان إذا لم تشكل الأمة الإسلامية في قوالب جديدة فإننا سنضيع وليست لنا عند الله وجاهة لأن الحالة خطيرة، المعركة لا بد منها، يوم الإسلام قادم وقد وعدنا بأن الغد لنا ولكن ما وعد الله كسولا بخير وما وعد مفرطا بخير”. وأقول عطفا على كلام الشيخ محمد الغزالي رحمه الله إن مستقبل الأمة الإسلامية مرهون بمدى قيام المسلمين بواجبهم الدعوي فالدعوة الإسلامية ينبغي أن تقتحم مناحي الاقتصاد والإعلام فكلما كانت دعوة شاملة كان حصادها عاما، وأقول أيضا إن المعركة القادمة تتطلب من الدعاة المسلمين إعادة تجديد وسائل الدعوة الإسلامية بالانفتاح على الإعلام الجديد والتكنولوجيات المعاصرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!