ربما كان حزب الله شيطانا..
عرض الأخ والزميل صالح عوض في موضوعه قبل أسبوع في الشروق اليومي للأزمة السورية في موضوع صنف فيه الفريقان المتنازعات وفق تقسيم سماه “حزب الله وحزب الشيطان”، وتوصل في مقاله ذاك إلى أن حزب الله هوالنظام السوري وحزب الله اللبناني ومن نحا نحوهم، وحزب الشيطان هو الأمريكان وفرنسا وبلجيكا وقطر وتركيا.. “وهلم جريا”.
وهذا الكلام فيما أعتقد يعد تسطيحا للمسألة، أكثر منه دراسة تحليلا للأزمة، لمعرفة مخارجها وتقديم ما يمكّن الشعب من تجاوز أزمته، التي ذهبت بالأخضر واليابس، وإذا سلمنا جدلا بأن حزب الشيطان هو أمريكا وفرنسا وبلجيكا، فلا يمكن أن نسلم معه بشيطنة الأردن أو قطر أو تركيا، كما لا نسلم معه بأن النظام السوري أو حزب الله اللبناني هما حزب الله بالمفهوم الديني للمصطلح، والأخ صالح عوض يعلم جيدا أن السياسة والعلاقات الدولية تحديدا ليست علوما دقيقة، وإنما هي فرص للإغتنام ومساحات للخير قابلة للاتساع وأخرى للشر قابلة للتضييق، ومن ثم فإن حزب الله قابل لأن يصبح شيطانا في معيار السياسة والعلاقات الدولية، وحزب الشيطان قد ترتضي منه بعض الذي يفعل؛ لأنه يبحث عن مصالح تتقاطع فيها مصالح لك قومية بأخرى وطنية وإقليمية، في عشرة او عشرين بالمائة منها، او أقل أو أكثر.
فإلى عهد قريب جدا لم يكن يرى العالم الإسلامي في حزب الله إلا ذلك الحزب المقاوم الذي أرانا عجائب قدرة المقاومة في اليهود، ولم يكن يرى من النظام السوري إلا ذلك النظام المقاوم الممانع..، ولم يكن احد يسمع بالسنيورة ولا بالحريري ولا بعون ولا بغيرهم من رجال السياسة؛ لأن المسألة في أذهان الناس يومها لم تكن إلا فلسطين واليهود والمقاومة، فلا إيران على الخط ولا سنة ولا شيعة ولا أي شيء؛ لأن المعيار يومها كان المقاومة، فمن كان معها فعلى العين والرأس، وما كان خارج هذا الطرح فلا قيمة له، بمن في ذلك رجال الحركة الوطنية اللبنانية المناوئين لحزب الله اللبناني.
كانت الصورة التي لم يكن يريد العالم الإسلامي رؤية غيرها في الساحة، هي هذه الصورة، وحتى الذين كانت لهم آراء أخرى تخالف هذا التوجه، من الخبراء بمنطقة الشرق الأوسط وصراعاتها القومية والإقليمية، لم يكونوا يجرؤون على إظهار ما يعتقدون، سواء في موقفهم من حزب الله اللبناني غير الوطنية، ولا بما كان يفعل النظام السوري في لبنان، ما دام الأمر أو ما يظهر منه على الأقل في صالح فلسطين وفي صالح المقاومة وداعم لحزب الله وحماس والجهاد..
أما اليوم وقد اختلف الأمر ولم يعد النظام نظام مقاومة ولا حزب الله حزب مقاوم، وإنما وجهت مدافعهم وصواريخهم، في وجه الشعب السوري، وهجرت المقاومة الفلسطينية بلاد الشام حتى لا تقف في وجه الشعب، وحتى لا تتحول إلى طرف في صراع بين نظام وشعبه، انسحبت رغم صعوبة الحال وغموض المستقبل.
إن الأزمة السورية اليوم ليست في موقفها من اليهود، والذي يتكلم عن النظام السوري اليوم وعلى حزب الله معه، لا يناقش ماضي المواقف المشرفة من المقاومة أو فيما يظهر من حركية لحزب الله في منطقة الجنوب اللبناني، وإنما هي في نظام يبيد شعبه وحزب يناصر نظاما على شعبه، وهذا أقل ما نقول فيه نحن الجزائريون “ماهيش رجلة”، نظام استولى على قلوب الناس بسبب ممانعته، وحزب خطف عقولهم بسبب مقاومته الباسلة لجيش هزم جيوشا نظامية مجتمعة، هاتان القوتان تجتمعان على شعب أعزل بحجة انه مدعوم بفلول القاعدة ومدعوم من الأتراك والقطريين.. “هذه هي الحقرة بعينها”.
لنفرض جدلا ان مؤامرة تحاك ضد سوريا.. أليس من الحكمة والعقل أن ندعو الرئيس الأسد للتنحي، وإعطاء فرصة للمقاومة التي تناضل منذ سبعينيات القرن الماضي، ونفتح المجال للقوى السياسية الوطنية.. هل أخليت سوريا من الأوفياء ومن الصادقين.. وهل كل السوريين عملاء للأمريكان..؟
أستاذ صالح، لا يليق بك تغطية الشمس بالغربال.. وأربأ بك أن تدافع عن طروحات كان يمكن أن تفهم في الستينيات والسبعينيات، أيام كان يساق المرء إلى المشنقة بالشبة، أما اليوم فقد أصبح البيت بيتا كما قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي، وتدفق المعلومات على الجميع، ولم يعد خافيا على أحد ان الحركة في العلاقات الدولية لا تعدو ان تكون صراعات وموازين قوة، وهذه الموازين ليست بين حزب الله وحزب الشيطان كما يوحي به مقالك، وإنما هي قوى إقليمية تتصارع، وجميعها فيه من حزب الله شيء ومن حزب الشيطان أشياء.. فلا إيران جمعية خيرية ولا تركيا تعمل في سبيل الله ولا الأسد يدعو إلى الله.. ويضاف إلى كل ذلك الطائفية النتنة التي ظهرت في النظام السوري وعلاقته مع إيران، وعلاقة هذين النظامين بحزب الله، وعلاقة الجميع بما يقع في العراق والبحرين واليمن.. لماذا هذه المواقع بالذات دون غيرها؟ لأن هذه المناطق فيها الشيعة وإيران تحتضنهم وتحافظ عليهم كأقليات وتدعمهم.. فعلاقة إيران بالنظام السوري لم تنقطع منذ 1979 إلى يومنا هذا، ولم تدوم علاقتها مع جهة كما دامت مع سوريا، وعلاقتهما بحزب الله كعلاقة الأب بأبيه.. وهي علاقة استراتيجة قلما يوجد مثلها في العالم الإسلامي وهي جيدة في البناء السياسي الفعال، ولكنها بكل أسف استراتيجية مذهبية طائفية؛ بل إن مساعدات إيران للفلسطينيين، سواء لحماس أو الجهاد، لم تكن في سبيل الله وإنما في إطار استراتيجي إيراني محض.
لقد كنت أستغرب من تصريحات الشيخ الطفيلي وهو الأمين الأسبق لحزب الله عندما كان يقول إن احتكار حزب الله للمقاومة في جنوب لبنان هو حماية لإسرائيل؛ لأن هذا الاحتكار قد حرم غيره من مقاتلة إسرائيل إلا بإذن من حزب الله، وحزب الله لا يقاتل إلا بإذن من إيران.. كنت أستغرب من مثل هذا التصريح، ولكن اليوم عندما أستمع إلى تصريحات رجال حزب الله، وأعمالهم في سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي البحرين، أستسيغ ما كنت استغرب؛ بل وأكثر من ذلك، تعلمت أن السياسة والوطنية لهما معاييرهما المختلفة عن الانتماء الديني، كما قال المثقف الشيعي اللبناني الشيخ هاني فحص، “تعلمت وطنيتي في الحوزة العلمية بإيران”، وذلك عندما سافر إلى إيران منبهرا بالثورة الإسلامية سنة 1979، فانتقل إلى إيران مبتهجا بانتصار الثورة الإسلامية العالمية، وإذا به يرى أن الانتصار كان لثورة وطنية _ثورة شعب- على نظام مستبد وكفى.
فلا مكان هنا _يا سي صالح- لحزب الله او حزب الشيطان، وإنما هنا مكان لمعايير المصالح، والصراعات بين القوى الإقليمية، فقطر التي صنفتها في خانة حزب الشيطان، دولة صغيرة، ولو كانت في سنوات الستينيات، لأرسل إليها عبد الناصر أو بومدين أو صدام حسين أو الأسد الأب، فريقا من المظليين وأعلنها جمهورية مستقلة، ولكن هذه الدولة تعاملت مع الواقع باللغة التي تفهم، فخسرت المال وانشأت المؤسسات الإعلامية ودعمت التوجه الثقافي إلى أن أصبحت الدوحة التي لا يعرفها أحد، إلى عاصمة ثقافية سياسية تشد إليها الرحال، وذلك لأن رجالها آمنوا بـ”إمكانية الدولة الصغيرة الفاعلة”، وعملوا على ذلك، أما تركيا فلا يعقل أن تصنف هكذا في خانة حزب الشيطان، وهي الدولة ذات الثقل والمكانة.. صحيح أن لها علاقات مع إسرائيل واتفاقيات، ولكن وضعها قبل ثلاثين سنة غيره الآن، ومع ذلك لا أبرر مواقفها، وإنما أذكر فقط بأنها دولة من العيار الثقيل، ويباح لها بالضرورة، ما يباح لإيران في المنطقة.
فالقضية ليست في حزب الله وحزب الشيطان، وإنما هي منحصرة في حاكم يقتل شعبه.. لا أكثر ولا أقل، وإذا كان هناك من يخاف على سوريا من المؤامرات الدولية ومن حزب الشيطان، فليشير على الرئيس الأسد بالتنحي مثلا على الأقل استجابة لمطالب الشعب الذي فقد الآلاف من أبنائه.. ليفوت الفرصة على المتآمرين.
قبل أيام قليلة تشكلت مجموعة سميت بـ”لجنة المساعي الحميدة”، شكلها الإخوة الشيعة من جماعة الحوار بين المذاهب، لتقوم ربما بالوساطة بين المتنازعين، والسلطة والمعارضة تحديدا. ولكن بعد ماذا؟ ولذلك قال أحد المدعوين، لماذا تصرون على شخص في مقابل شعب؟ ثم عن أية مساعي حميدة نتكلم بعدما أزهقت الأرواح وسالت الدماء أودية..؟