-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ربيع الدم- القراطية!

محمد بوالروايح
  • 2907
  • 9
ربيع الدم- القراطية!

مهما تكن مساوئ الديمقراطية ومخالفتها للإيديولوجيا الدينية في نظر البعض، إلا أنها من حيث المعطى العام طريقة تكرس حكم الشعب وترفض منطق الاستعلاء الذي يمنح للأقلية الحاكمة حقّ التحكم في الأغلبية المحكومة، أو يمنحها حقا أكثر وأخطر من هذا، وهو حق التحكم في الأعناق والأرزاق ومعاملة الشعب على أنه قطيعٌ تابع لا يملك أمر نفسه ويحتاج إلى وصاية غيره.

إن الذين اعترضوا على الديمقراطية حكموا عليها من البداية على أنها أنموذجٌ غربي علماني جملة وتفصيلا من غير أن يراعوا بعض إيجابياتها إلا بعد أن ابتلي العالم في زمن ما يسمى الربيع العربي أو قبله بسنوات قليلة بجماعات دموية، لا تؤمن بقوانين الأرض ولا تراعي قدسية لحاكم ومحكوم، بل تصنف الكل في خانة الشرّ المستطير الذي لا أمل -حسب زعمها- في إصلاحه أو التصالح معه.

وسرت هذه الصورة الدموية في المجتمعات، ورسمت مناظرُ الأشلاء والدماء ملامح عالم عربي حزين يراوده الحنين إلى الماضي بعد أن آمن بأن بعض الشرّ أهون من بعض، وطفق حكماء الدين وعقلاء السياسة يبحثون عمن يتصدى لهذا البؤس الذي جلبه الربيع الموهوم للمجتمع المكلوم، ومن يبدد ثقافة اليأس التي امتدت في أوصال المجتمع فمزقته شرّ ممزق، أملا في إنقاذه من خطر حقيق ومكر محيق، فلما أحس الدمويون بذلك أوغلوا في التقتيل والتمثيل، وأضفوا على صور النار والدمار أسماء خادعة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبله العذاب، وادَّعوا الدفاع عن المضطهدين والمستضعَفين ضد ما سموه الدكتاتوريات الحاكمة والأنظمة المستبدة، واصطف بعض المتدينين والإعلاميين والسياسيين في الوطن العربي في صفّ المدافعين عن الربيع العربي المزعوم، وأوهموا الشعوب العربية باقتراب زمن المنِّ والسلوى، الذي تنتهي فيه آلامهم وتتحقق آمالهم، وبقيت هذه الشعوب تنتظر ساعة الخلاص ولكنها صُدمت في النهاية بربيع كاذب صنعه الصهيوني برنارد هنري ليفي، ورقص على أنغامه بعض المهووسين والمندسين والدمويين من جماعة قابيل التي تم استنساخها وترحيلها من الزمن الأول إلى هذا الزمن بكل أرجاسها وأنجاسها.

لقد أفسد ربيع الدم- قراطية الرابطة الدينية والوطنية في المجتمعات العربية وجعل شعوبها طرائق قددا، يتهم بعضُها بعضا بالخيانة، ويزايد بعضها على بعض في الوطنية والقومية وحفظ عرى الدين، بل وصل الأمر بقطاع منهم إلى تكفير المجتمع، وأشفعوا فيما بعد التكفير بالتفجير، وأصبحوا يتباهون على الفضائيات بالأشلاء المبتورة والرؤوس المقطوعة، ثم يبررون هذه الهمجية بفتاوى مشايخهم ومراجعهم، وتحوّل المجتمع العربي إلى ما يشبه ميدانا للثيران الهائجة التي توظف النصّ لتبرئة اللص، وتوظف الفكر لتبرير التكفير، ويمكن أن ننظر إلى أحوال العالم العربي لنقف على ما افتراه هؤلاء وفعلوه بالمجتمعات العربية المعاصرة التي تطوِّقها الفتن وتبرح بها الإحن، ينفخون في رماد الفجيعة ليبعثوا ربيعهم بعد موات ويجدّدونه بعد فوات.

لقد أفسد ربيع الدم- قراطية صورة الإسلام الإنساني وقدَّمه للعالم على أنه لا يختلف في دمويته -حسب زعمهم- عما فعله نيرون وتراجان، ربيع عربي مزعوم غذته بعض فتاوى النصيين اللصوصيين، التي تفرِّق بين الإنسان وأخيه، وبينه وبين بني وطنه، وتعرِّض قبل هذا وذاك الوطن لكل المخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى وتزداد وطأتها مع تعاقب الليل والنهار.

“وصل الأمر بقطاع منهم إلى تكفير المجتمع، وأشفعوا فيما بعد التكفير بالتفجير، وأصبحوا يتباهون على الفضائيات بالأشلاء المبتورة والرؤوس المقطوعة، ثم يبررون هذه الهمجية بفتاوى مشايخهم ومراجعهم، وتحوّل المجتمع العربي إلى ما يشبه ميدانا للثيران الهائجة التي توظف الفكر لتبرير التكفير.”

لست مؤمنا ولا متبنيا ولا وصيا على ما يسمى ثورات الربيع العربي، وأقول إن الإسلام دينٌ يحرص على صناعة الحياة لا على صناعة الموت، وعلى نشر الأمن لأنه من مقتضيات الدين، يقول الله سبحانه وتعالى ممتنا على قريش:  )لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف(، وقد يقول قائل: وما تفسير الحروب التي يخوضها الإسلام ضد الكفار والمخالفين؟ ونقول: إن الحرب في الإسلام شُرِّعت لحراسة الدين وصد العدوان وحماية الإنسان، وهي استثناء لا قاعدة في العلاقات الدولية بدليل قوله تعالى: ) كُتب عليكم القتال وهو كره لكم ، وبدليل أن الإسلام يأخذ بمبدأ الصلح والسلم كلما تهيأت أسبابه، يقول الله تعالى: )وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:) لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموه فاثبتوا(، ولو كان الإسلام دينا دمويا لحوَّل شوارع مكة بعد صراع مرير مع قريش يوم الفتح إلى سيل من الدماء ومعرض للأشلاء، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، فقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم جموع الكفار الخائفة والمتخفية قائلاً: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، فدلوني على قائد حربي في التاريخ فعل هذا بخصومه، إنها أخلاق النبوة التي أعجب بها نصر الدين ديني) إتيان ديني( فألف كتابه )حياة النبي محمد(، وأعجبت بها المستشرقة البريطانية كارين أرمسترونغ فألفت كتابها )محمد نبي لزماننا(.

إن ربيع الدم- قراطية في بعض جوانبه هو نتاج ما يسمى الربيع العربي، لأن التغيير في نظري لا يكون بالأسلوب الثوري وإنما يكون بالأسلوب الحضاري الديمقراطي والحوار المجتمعي والتوافق السياسي، فينبغي أن لا يكون المجتمع أتونا لحرب بينية قومية تحركها نزوة الحسابات وشهوة تصفية الحسابات لأن كل عنف من أي طرف سيدخل المجتمع في دوامة صراع مجتمعي نحن في غنى عنه، وحتى إذا فرضنا جدلا بأن الأنظمة التي ثارت ضدها ثورات الربيع العربي كانت أنظمة قمعية استبدادية، وأن الشرع يوجب تغيير المنكر، فإننا نقول إن هذا الشرع نفسه لا يجيز تغيير المنكر بمنكر أكبر منه، وفي الأخير نحمد الله سبحانه وتعالى نحن الجزائريين أنه أمننا من فيح ما يسمى الربيع العربي، وكل من يراهن عليه فرهانه خاسر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • أبو محمد

    ما أكثر الكتاب الذين تفوح من كتاباتهم رائحة الحكام الظلمة -وذيول أنظمة العار العربي الفاسدة السارقة وفلول الحركات المضادة للتحرر والكرامة والعدل في الأموال والأعمال والأقوال فلا تجد عندهم كلمة إنصاف أبدا ولذلك تكون تحليلاتهم منحازة وتغيب عنهم مضامين التوازن والعدالة والموضوعية فيما يكتبون فتراهم دائما يخطئون الشعوب وهي تعد بالملايين ويصوبون تصرفات العسكر وهم قلة لولا الدعم الخارجي... والله المستعان.

  • Lamis

    الآية واضحة ومعناها واضح وتفسيرك فاشل.

  • نصيرة/بومرداس

    وهل ما يحدث في بعض الدول العربية وصل الى مستوى الثورة ...هي مجرد احتجاجات .انت قلت ربيع الدم-قراطية انا اقول ربيع الدم فقط بدون اظافة كلمة اخرى او خريف سقطت فيه الارواح كما تسقط اوراق الشجر.

  • مراد

    تلك مقاتلة الحربيين منهم المعتدين والغاية هي الخضوع.إعطاء الجزية فقط والكف عن الأذى .وليس إجبارهم على الإسلام. لأن القرآن يقرأ كاملا فهناك آية "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".القرآن يؤخذ كاملا وليس آيات منفصلة في غير سياق..ولا يوجد أي نسخ في القرآن..فالنسخ المذكور هو نسخ الآيات الكونية المعجزات "وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها"

  • الجمعي

    وكيف تفسر الآية 29 من سورة التوبة: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ "

  • زائر-غراية

    يا اخ جعفر انطلاقا من كلامك فانت تنظر الى الواقع من زاوية واحدة, اما بالنسبة للاحكام التشريعية فتستنبط من القران والسنة وليس من اهواء حركات اسلامية مشبوهة, فعالمنا الحالي مخادع بتشويه صورة الاسلام الحق وتجميل القوانين و العيش العلماني الباطل, ووسائل الاعلام لها دور كبير في هذا,فالاصل هو اصلاح الانسان, وخذ مثالا لانتخاب نزيه جرى في بلدة اهلها فاسدون متبعين لاهوائهم مع قلة من اناس صالحين, فهل سوف تعير لنتائج هذا الانتخاب اهتماما والعكس صحيح. فنحن المسلمون نبحث عن الحياة وليس عيشا دنيويا زائلا.

  • جعفر

    الابتلاء الحقيقي هو الاستبداد ..هو الظلم ..هو إساءة استعمال السلطة التي بليت بها الدول العربية..إن أفضل ما يمكن أن تقدمة الديمقراطية هو البحث عن السعادة للإنسان وهي النظام الوحيد الذي يليق بالشعوب التي تقدس الحرية والكرامة...اليوم لدينا أحكام بشرية رائعة أثبتت جدارة في الواقع الحياتي للإنسان وأثبتت أنها الافضل في إحقاق الحق، وجميع الذين يسافرون إلى الغرب ينبهرون بقوانينهم البشرية، أما في القوانين الدينية فتجد المآسي..فلكم أن تقارنوا بين أحكام طالبان في أفغانستان وأحكام اليابانيون مثلا.

  • زائر- غرداية

    المسلم العاقل يتحرى الحق والعدل في دنياه على ما يوافق كلام الله وكلام نبيه, اما هذه المصطلحات: الديمقراطية, حرية التعبير,, وغيرها فلاتهمنا لانها في الاصل كطعم السمكة التي ما ان نلتقمه حتي نجد انفسنا في دوامة من المعيشة الضنكة التي لا تنتهي.فالذي ينطبق على الكافر ليس كالذي بنطبق على المسلم فهذا الاخير يبتليه الله اذا مال عن الحق حتى يرجع الى طريق الصواب وواقع الامة الاسلامية شاهد على هذا الابتلاء. لكن الملاحظ ان الصهيونية العالمية تريد تذويبنا في اناء عالمي الحادي واحد باتباع اغراءاتها المتعددة.

  • فوضيل

    كان من الطبيعي أن تموت الثورات العربية لان الثورة لم تكن وليد العقل بل وليد القلب،ثورة لم تضع مشروع واضح للإصلاح، كيف نتوقع أن الشعب يمكن أن يحارب من اجل حريته وكرامته وهو معلق من رقبته بسلسلة الخداع الديني ووهمية الخطاب الديني السياسي، ومن جهة أخرى أقدامه مقيدة بعقدة الرئيس البطل صانع المعجزات، عندما يشعر الشعب بأنه صاحب حق وكرامة وعندما يتيقن الفرد بأنه صاحب السلطة الأعلى و صاحب القرار في بلده وبأنه لا يحتاج إلى رئيس بطل أو رئيس يكلمه الله ..حينها فقط سيعرف الشعب بأنه هو من يصنع مستقبله.