-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ربَّانا لمثل هذا اليوم

ربَّانا لمثل هذا اليوم

عندما كان الشيخ الحاج عمر بن يحيى يحتضر في بداية العشرينيات من القرن الماضي، قال أحدُ طلبته وهو يذرف الدموعَ على الشيخ: “إلى أين نذهب إذا مات الشيخُ وتركنا؟”، فرد عليه صاحبُه الذي سيتحمَّل قيادة الحركة الإصلاحية في منطقة ميزاب الإمامُ إبراهيم بيوض، قائلا بلهجة الواثق “لا تخف، لقد ربَّانا لمثل هذا اليوم”. (أنظر كتاب: الشيخ عدون بأقلام أصدقائه وأبنائه. جمع وتعليق: محمد بوحجام، جمعية التراث ص 35).

وفعلا ففي اليوم الذي أمات اللهُ الشيخ عمر اجتمع تلاميذُه وائتمروا بينهم بمعروف، وهو أن يواصلوا السير على ما ربّاهم له شيخُهم، حتى يلتحقوا به… وقد جاهدوا، وصبروا، حتى جاء نصرُ الله وطُهِّرت الجزائرُ من رجس فرنسا، و”رجعت لمحمد”، وقد علّمنا أشياخُنا النُّجبُ أن “الحياة عقيدة وجهاد” فرحم الله هؤلاء العلماءَ العاملين، ورضي عنهم، وجعلهم من المكرَمين.
وفي سنة 1940 توفى اللهُ -عز وجل- الإمامَ عبد الحميد ابن باديس، وربما قال بعضُ تلاميذه مثل ما قاله تلميذُ الشيخ عمر بن يحيى، وقد ألقى أحدُ مريدي الإمام ابن باديس، وهو محمد العيد آل خليفة قصيدة أبَّنَ فيها الإمام، وجاء في آخرها قولُه:
نم هانئا فالشعب بعدك راشدٌ يختطُّ نهجَك في الهُدى ويسيرُ
لا تخشَ ضيعة ما تركتَ لنا سدى فالوارثون لما تركتَ كثيرُ
وفي سنة 1990 تشرَّفتُ بتمثيل الجزائر في الملتقى السادس للفكر الإسلامي في طهران، وكان الشيخُ الخميني لم يمض على وفاته إلا أيام قلائل، فكان كل من يتناول الكلمة يعدِّد مناقبَ الشيخ الخميني وأهمّها تحرير إيران من طاغيتها وعميلها رضا بهلوي، الذي رضي لنفسه أن يكون كلبا للغرب، كما رضي كثيرٌ من حكام المنطقة أن يرثوه في هذا الدور…

وممّن تناول الكلمة أحد الشعراء الإيرانيين، فذكَّرنا بما قيل عن الشاعر الجاهلي أمرئ القيس من أنه “بكى واستبكى”.. إذ كان هذا الشاعرُ يردد أنّ الشيخ الخميني ترك الإيرانيين كالأيتام، لا راعي لهم.. ما كان مطلوبا مني أن أتكلم في ذلك الملتقى، ولكن الشيخ محمد علي التسخيري، وكان دائما يحضر ملتقياتِنا للفكر الإسلامي ألحّ عليّ أن أتكلم، وأنه ما ينبغي أن يغيب اسمُ الجزائر وصوتُها في ذلك الملتقى المشهود.

فلما تناولت الكلمة ترحَّمت على الميّت، ثم ذكرت ما قاله محمد العيد في تأبينه للإمام ابن باديس، وقلتُ أخيرا إن شاعرنا الإيراني “هدم” ما قاله المتدِّخلون عن الشيخ الخميني، من أنه ترك الشعب الإيراني “قفة بلا ذرعين” كما يقول شعبُنا.. فكان ما قاله عن الشيخ الخميني “قدحًا لا مدحًا”..

جالت في ذاكرتي هذه الأمور وأنا أستقبل في يوم الأربعاء الماضي إخوة من مدينة القرارة يتقدمهم الأستاذ بكير شريفي، نجل الشيخ عدون، لتسجيل انطباعاتي عن ذكرياتي عن هذا الشيخ الشاب الذي بلغ العشرين خمس مرات، وقد كان للشيخ بيّوض كهارون لموسى -عليهما السلام- لولا أن هارون توفاه الله قبل موسى. رحم الله شيخَنا عدُّونًا، وجميعَ علمائنا الذين رفضوا وقاوموا مخطط فرنسا الصليبي وهو أن تستبدلنا “الفادي بالهادي”، كما يقول الإمام الإبراهيمي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!