-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" ترافق أصحاب البدلة الخضراء إلى أعالي "تيكجدة"

رجال الدرك للحفاظ على الأمن السياحي في الجزائر

نوارة باشوش
  • 2094
  • 0
رجال الدرك للحفاظ على الأمن السياحي في الجزائر
الشروق

يخاطرون بحياتهم لضمان الأمن وراحة السياح الجزائريين والأجانب عبر الصحاري والجبال وفي كل مكان من ربوع الجزائر العميقة… يخضعون لقانون الانضباط والصرامة… أعينهم لا تنام فلا مجال للتقاعس.. والخطأ قد يعرض حياة الآلاف من الأشخاص للخطر…. مهمة صعبة يتقنها بامتياز أصحاب البدلة الخضراء، للحفاظ على “الأمن السياحي” في الجزائر.
“الشروق” رافقت رجال الدرك الوطني، في خرجة أولى من نوعها إلى واحدة من أشهر مناطق الجزائر السياحية في جبال جرجرة بولاية البويرة، وهي تيكجدة المعروفة بـ”عروس الجزائر”، والتي تعلو سطح البحر بـ1700 متر، أين تعانق أشجار الأرز، الفلين، البلوط، الصنوبر الحلبي والصنوبر الأسود الشامخة… وتصاحب النسر الملكي، وتداعب قردة الماغو، وتستمتع ببانوراما إلهية مزجت بين زرقة السماء وبياض الثلج وخرير مياه جبلية عذبة أبت إلا أن تقتل صمت المنطقة الخلابة.

من دخل البويرة فهو آمن


الساعة كانت تشير إلى التاسعة صباحا من يوم السبت 23 ديسمبر بتوقيت الجزائر، صقيع البرد بلغ ذروته القصوى..عندما وصلنا إلى مقر المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بالبويرة، رفقة المقدم عبد القادر بزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، أين استقبلنا العقيد لعبيدي حمدي، الذي شرح لنا خصوصيات الولاية التي بلغت فيها نسبة التغطية الأمنية مائة بالمائة مما جعل كل من دخل “ثوفريست” آمنا.
وباعتبار أن مهمتنا هي التغطية الأمنية للمحطة المناخية بتيكجدة، كشف العقيد لعبيدي حمدي أن مصالح الدرك الوطني، وضعت مخططا أمنيا محكما من خلال تسخير كافة الإمكانات البشرية والمادية بهدف توفير الطمأنينة والراحة للمواطنين والسياح الذين يقصدون هذه اللؤلؤة السياحية الساحرة، من كل حدب وصوب وحتى من خارج الوطن، على غرار ليبيا وتونس وموريتانيا، خاصة مع بداية العطلة الشتوية للتلاميذ والطلبة.
وأوضح الضابط الأمني أن المخطط الخاص بالعطلة الشتوية تضمن عدة إجراءات وتدابير احترازية من شأنها تحقيق الأهداف المسطرة ميدانيا، وذلك بالتنسيق مع مختلف المتدخلين من سلطات ولائية والحماية المدنية وممثلي قطاع السياحة بالولاية، مشيرا إلى أنه تم في هذا الإطار تسخير جل الإمكانات الضرورية لتوفير مناخ ملائم لزوار المنطقة، مع التركيز على قاصدي حظيرة تيكجدة وتكثيف الدوريات على مدار 24 ساعة على مستوى الطرق المؤدية إلى الحظيرة لتأمين المسالك، لاسيما في حالة تراكم الثلوج.
وأضاف العقيد لعبيدي حمدي أنه في حالة تساقط الثلوج بكثافة، فإن كل الجهود تتضافر من أجل فك العزلة عن المناطق النائية، وهذا عبر مخطط محكم مشترك بين عناصر الدرك والجيش الوطني الشعبي والحماية المدنية ومصالح الأشغال العمومية لفتح الطرقات المغلقة وتقديم يد العون للمواطنين، وإغاثة السياح الذين ضاعوا في الثلوج بسبب الضباب.

“كومندوس الدرك”.. حين تخاطبك الطبيعة في تيكجدة


بعد أن تلقينا جميع الشروحات من طرف قائد المجموعة الإقليمية لدرك البويرة، العقيد لعبيدي حمدي، كانت وجهتنا “أعالي تكيجدة” المشهورة بـ”عروس الجزائر”.. لأنها تشكل تحفة ربانية خلابة ولوحة عروس ترفل بجمالها الأخاذ سالبة عقول السائحين وملهمة ألباب الزوار، فسحر طبيعتها يمنحك فرصة لمعانقة السحاب والتحليق خارج دائرة الروتين اليومي، فعلى شرفات وواجهات القمم المكسوة ببياض الثلج تطل منطقة تيكجدة بثرائها وتنوعها السياحي والطبيعي والنباتي المتنوع كأشجار الأرز الشامخة التي تبدو للزائر وكأنها تعانق سماءها، وجبالها المكسوة بزيها الشتوي الأبيض الناصع وخرير مياه ينابيعها العذبة المتدفقة من أعالي قمم جبال جرجرة، مما جعلها قبلة للزوار والسائحين وهواة التزلج والمحترفين، حيث كانت تعد في الستينيات والسبعينيات ثاني مركز تزحلق في الجزائر بعد مركز الشريعة في ولاية البليدة، حسب ما أكده لنا قائد المجموعة الإقليمية لدرك البويرة.
عقارب الساعة تشير إلى تمام العاشرة والنصف، كل الوحدات والتشكيلات التابعة للمجموعة الإقليمية لدرك الوطني البويرة، على طول الخط الرابط بين ولاية البويرة، مرورا بحيزر وصولا إلى تكيجدة، جاهزة وعلى أتم الاستعداد لتأمين المواطنين السياح والزائرين لهذا القطب السياحي، تزامنا مع العطلة الشتوية ونهاية الأسبوع، أشعة الشمس كانت أقوى فوق المرتفعات العالية، إذ أخذت تبزغ على استحياء وتعانق أكوام الثلوج المتراكمة حتى كادت أن تقول لنا “أنا الملكة وأنا من يُطيّب يومكم بالدفئ”.
“الجميع… استعد.. عليكم بالانضباط والصرامة.. فلا مجال للتقاعس.. عليكم بتوخي الحيطة والحذر واحترام حقوق المواطنين وخصوصياتهم أثناء عملية تأمينهم، وعليكم بتوجيههم وإرشادهم حتى لا يتيهوا وسط أكوام الثلوج، خاصة هواة التجوال”… هي تعليمات أسداها قائدا الفرقتين الإقليميتين للدرك الوطني لكل من “بشلول” و”الأصنام”، المساعد رضا بوخرص، والمساعد الأول عمر تامي على التوالي، لعناصرهما العاملة في الميدان .
وفي هذه الأثناء ينطلق الجميع رفقة المقدم بيزيو، ورئيسة خلية الاتصال للمجموعة الإقليمية لدرك البويرة النقيب “كاملية قونان”، إذ تزامنت خرجتنا مع جحافل الزوار والعائلات التي قصدت المكان، قادمة من مختلف ولايات الوطن، ومع وصولنا إلى المنعرج المسمى “إيكولال” على مستوى الطريق الوطني رقم 33 الرابط بين ولايتي البويرة وتيزي وزو، وقفنا على انتشار كاسحات الثلج وفرق مديرية الأشغال العمومية للولاية بعين المكان لإزالة الثلوج المتراكمة، وذلك بالتنسيق مع عناصر الدرك الوطني، وسط استحسان وإشادة من المواطنين الذين عبر العديد منهم عن امتنانهم وتقديرهم لهذه الجهود.
وبالجهة المقابلة، ترى كرات الثلج وهي تتطاير بين المواطنين الذين جاؤوا لتيكجدة، وكأن همهم نسيان ضجيج المدينة الذي كان دائما عدوهم طيلة أيام الأسبوع، إذ كان “السيلفي” حاضرا بقوة لتوثيق لحظات الاستمتاع بمناظر جرجرة وهي ترتدي العباءة البيضاء، كأن صاحب الصورة يقول للآخرين: “تعالوا إلى هنا نحن في عالم آخر”، في حين غمر الأطفال المكان بصيحاتهم وأصواتهم العذبة وهم يتقاذفون بعضهم بكرات الثلج، ليضفوا عليه لمسة من البهجة والسرور.

“ألترا”.. باع طويل في الكشف عن المخدرات
في عين المكان، تدعمت وحدات الدرك الوطني بفرق، “سينو تقنية” المتخصصة في الكشف عن المخدرات والتدخل والإنقاذ، مرفوقة بـ”ألترا”، وهي كلبة لها باع طويل في الكشف عن المخدرات وإنقاذ هواة التزحلق.
وفي هذا السياق، كشف قائد الفرقة الإقليمية لدرك الوطني ببشلول “أنه تم تسخير جميع الوسائل المادية والبشرية من أجل فتح الطرقات المغلقة بسبب تراكم الثلوج، خاصة على مستوى الطرقات الرابطة بين ولايتي البويرة وتيزي وزو وهذا بالتنسيق مع فرق الأشغال العمومية بهدف فك العزلة عن مستعملي الطريق”.
وأردف المساعد بوخرص “أما بخصوص إقحام فرق سينو تقنية، فهذا يدخل في مجال مكافحة المخدرات والمهلوسات وشل نشاط الشبكات الإجرامية التي تروج لهذه السموم بمختلف أصنافها إلى جانب وضع حد للأشخاص الذين يشكلون خطرا على المنطقة”.
من جانبه، أكد المقدم عبد القادر بيزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، أن هذه العملية هي عينة لما تقوم به مصالح الجهاز عبر مختلف ولايات الوطن، مشيرا إلى أنه تم إسداء تعليمات لكافة الوحدات المنتشرة وطنيا من أجل السهر على أمن المواطنين وممتلكاتهم.
وأوضح المقدم بيزيو أنه تم وضع مخططات مماثلة على مستوى باقي الولايات، لاسيما تلك التي تتوفر على فضاءات ومقاصد سياحية تستقطب الزوار، مذكرا بأن قيادة الدرك أطلقت حملة تحسيسية لفائدة مستعملي الطريق أثناء التقلبات الجوية.

عروس الجزائر.. مقصد السفراء والسلك الدبلوماسي


وإلى ذلك، فإن الزائر لجبال تكيجدة الشاهقة، لابد أن يلتقي بالقردة، هذه الحيوانات التي تنقسم إلى مجموعات.. البعض يفضل الجلوس على حافة الطريق للظفر ببعض الأكل الذي يقدمه الزوار، فيما تبقى مجموعات أخرى تتدلى من أغصان الشجر وتراقب حركة الناس من بعيد بحذر.
وليست لؤلؤة الجزائر “تكيجدة” قبلة فقط للزوار والسياح الأجانب، بل هي مقصد للسفراء والقناصلة والسلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر، على غرار سفراء فرنسا وأمريكا وبريطانيا وإسبانيا وأنغولا وعدد كبير من الدول الإفريقية والآسيوية، حيث وجدوا في هذه المنطقة الخلابة أنفسهم وسط أجواء طبيعية ساحرة، زادت من رونقها حفاوة استقبالات الفلكلور الجزائري، وتأمين مصالح الأمن وخدمة رجال الحماية المدنية الذين تم وضعهم في خدمة هؤلاء.
وفي هذا السياق، أكد لنا الدليل السياحي “عمر.ب “، خلال دردشته معنا، أن رواد “تيكجدة” من السياح الأجانب، خاصة الأوروبيين، أجمعوا على أن مناظر المكان لا نظير لها في أوروبا، خاصة مغارة “أسول”، قائلا: “من لم يزر أزول لم ينل شيئا من زيارته للوجهة، لما لهذا المكان من جاذبية وإبهار”.
وهذه المغارة العميقة تستوقف المنبهرين بإعجاز الخالق في نحته لـ”هوة النمر” التي يصل عمقها إلى 1007 أمتار، وهي أعمق هوة في إفريقيا، وبالقرب منها مغارة الجليد التي يزيد عمقها عن 230 متر، وهي عبارة عن مغارات عمودية تحتفظ بكميات من الثلوج حتى في عز فصل الصيف، مما يبعث هواء منعشا وحرارة معتدلة، كما أنها تعد مصدر رزق لمن يعرفون بـ”تجار الثلج” في فصول الصيف.

تيكجدة.. قبلة للفرق الرياضية وهواة المشي
وبالمقابل، يعتبر المركز الوطني للتسلية والرياضة بتيكجدة، حسب ما استقيناه في عين المكان، بمثابة وجهة للفرق الرياضية لكرة القدم المنتمية للمحترف الأول والثاني، وكذلك الشأن بالنسبة للمنتخبات الوطنية، وذلك لما له من أهمية كبيرة في التحضيرات البدنية والجسدية للرياضيين خاصة، انطلاقا من موقعه الجغرافي الذي يرتفع بـ1500 م عن مستوى سطح البحر، فإنه يعد المكان الأنسب للتربصات والتحضيرات الجسدية والتقنية لرياضيي النخبة في مختلف الاختصاصات والمستويات الرياضية.
ويستقبل المركز كل سنة الرياضيين من مختلف المستويات وخاصة رياضيي الفرق الوطنية والفرق الأجنبية، إذ يتم توفير لهم كل الوسائل الممكنة، وذلك باستعمال واستغلال هياكل هذه المنشأة الرياضية من إيواء وإطعام لضمان تحضير جسدي وتقني وبسيكولوجي.
كما تعتبر المنطقة أيضا وجهة لهواة المشي في أحضان الطبيعة، حيث يزداد يوما بعد يوما عشاق هذه الرياضة، بعد تزويدهم بدليل يوزع من طرف رجال الحماية المدنية يحمل عنوان “نصائح وإرشادات لهواة التجوال” مزود بالأرقام الخضراء لكل من الحماية المدنية والدرك الوطني ومصالح الغابات ورقم النجدة، حتى يحميهم من “الضياع”، تحصلت “الشروق” على نسخة منه.
غادرنا “لؤلوة جرجرة” الشامخة وكلنا أمل في استقطاب أكبر عدد من السائحين من ربوع الوطن وخارجه لهذه “الهدية الربانية”، والتي تكتنز لوحات ومشاهد طبيعية نادرة يعجز كبار الفنانين عن استنساخها في لوحاتهم التشكيلية، تحمل أسرارها في ثناياها الساحرة التي تحتم على زائرها العودة إليها أو توجيه رفاقه لاكتشافها، في حين تبقى الحاجة ملحة إلى “انتفاضة” حقيقية للنهوض بتيكجدة سياحيا وتراثيا وطبيعيا والاستفادة من ريعها الأزلي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!