-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رفح.. ورقة نتنياهو الأخيرة

محمد بوالروايح
  • 1225
  • 0
رفح.. ورقة نتنياهو الأخيرة

بعد فشله الذريع في تحقيق أيٍّ من أهدافه التي راهن عليها وهي: سحق حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة وجعل هذه الأخيرة منطقة منزوعة السلاح وتحرير الرهائن والمختطفين، أصدر نتنياهو أوامره لقيادة الجيش بإعداد خطة مزدوجة لإجلاء المدنيين الفلسطينيين من رفح وسحق من سماهم “الجماعات الإرهابية” التابعة لحماس والجهاد وحركات المقاومة.
ورغم تحذير الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، من مغبة الإقدام على هذه الخطة التي قد تنجرّ عنها عواقب وخيمة على المنطقة وعلى إسرائيل، إلا أن نتنياهو بقي مصرًّا عليها لأنها -في اعتقاده- الضربة القاصمة لحماس التي تتخذ –كما قال- من رفح منطقة تمركزها الكبرى.
لقد لقيت خطة نتنياهو بالهجوم الكاسح على رفح انتقاداتٍ كثيرة داخل إسرائيل، وهو ما كشفت عنه بعض الصحف الإسرائيلية التي قلّلت من فرص نجاح هذه الخطة بل اعتبرتها مغامرة غير محسوبة العواقب، قد تُغرق نتنياهو أكثر في “مستنقع غزة” الذي لن يخرج منه إذا كُتب له الخروج إلا بفاتورة باهظة في الخسائر البشرية والعسكرية.
يستند قرارُ الهجوم على غزة إلى معلومات استخباراتية وصلت إلى مكتب نتنياهو، ولكن يبدو أن هذه المعلومات الاستخباراتية لم تؤسَّس على إحاطة شاملة ودقيقة بمنطقة رفح، التي لن تكون هدفا سهلا كما يتصور نتنياهو لأسباب كثيرة، أوّلها أن رفح منطقة مفتوحة ومن شأن أي هجوم عليها أن يربك الجيش الصهيوني الذي قد تباغته المقاومة من حيث لا يحتسب، وخاصة بعد التجربة الميدانية التي اكتسبتها في التصدّي للمسيَّرات التي سيعول عليها الجيش الصهيوني في تنفيذ أي توغل داخل المنطقة، وثانيها أن المقاومة الفلسطينية في رفح -بحكم طبيعة المنطقة- تمتلك قدرة أكبر على حرية الحركة، وقد تنقل المعركة من رفح إلى العمق الفلسطيني المحتل عن طريق منفذ كرم أبو سالم. وقد يقول قائل إن منفذ كرم أبو سالم والمنافذ البرية الأخرى خاضعة لرقابة شديدة من جيش الاحتلال، وهو ما يجعل مرور المقاومة منها أو اختراقها أمرا مستحيلا.
هذه حسابات الوضع العادي أما الحرب فلها حساباتٌ أخرى، ولا أدل على ذلك مما تكبدته إسرائيل في السابع من أكتوبر في ملحمة “طوفان الأقصى”، التي أظهرت هشاشة أنظمة المراقبة الحدودية التي لم تغن عن إسرائيل شيئا، إذ باغتها رجال المقاومة واخترقوا أسوارها وأثخنوا في صفوفها، وثالثها أن منطقة رفح موزَّعة بين الجانب الفلسطيني والجانب المصري، وأي هجوم على رفح الفلسطينية قد تمتد آثاره -ولو بطريق الخطأ- إلى رفح المصرية، وهو ما يعدُّ مساسا بالسيادة الترابية لمصر واستعداً مجانيا لها. وهو ما سيدفع نتنياهو إلى إصدار أوامره إلى الجيش بوقف عملياته في رفح حرصا -وفقا للرؤية الإسرائيلية- على شعرة معاوية بينه وبين النظام المصري، ورابعها أن رفح هي منطقة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى القطاع عن طريق معبر رفح، وهي كذلك منطقة إجلاء المرضى والجرحى نحو المستشفيات المصرية وغيرها، ومن شأن أي عمليات عسكرية في رفح أن تجبر منظمات الإغاثة الدولية على وقف المساعدات الإنسانية، فرغم المعاناة التي سيسبّبها وقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين إلا أنه سيضاعف في المقابل من نسبة المتعاطفين مع غزة ويُفقد الكيان الصهيوني من تبقى من حلفائه، وخامسها أن المقاومة الفلسطينية لم تنتظر إلى اليوم حتى تحضِّر نفسها بل إنها جهّزت نفسها لهذا الهجوم على رفح منذ بداية العدوان على غزة لأنها تعلم بأن رفح تشكل هاجسا كبيرا للكيان الصهيوني الذي لن يدعها حتى يُحرق دورها ويغرق أهلها ويدمِّر بنيتها بحثا عن أنفاق المقاومة.
يبرِّر نتنياهو أمره بالهجوم على رفح برغبته ورغبة قيادة الجيش في اجتثاث المقاومة، وهذا ذرٌّ للرماد في العيون، فنتنياهو الذي عجز عن مواجهة المقاومة في غزة وفي خان يونس وبيت لاهيا وبيت حانون، سيكون أعجز عن مواجهتها في رفح وسيرى جنوده الويلات في هذه المنطقة التي كان أحرى بنتنياهو أن يقرأ تاريخها النضالي قبل أن يفكّر في خوض أيِّ مغامرةٍ غير محسوبة العواقب.

يبرِّر نتنياهو أمره بالهجوم على رفح برغبته ورغبة قيادة الجيش في اجتثاث المقاومة، وهذا ذرٌّ للرماد في العيون، فنتنياهو الذي عجز عن مواجهة المقاومة في غزة وفي خان يونس وبيت لاهيا وبيت حانون، سيكون أعجز عن مواجهتها في رفح وسيرى جنوده الويلات في هذه المنطقة التي كان أحرى بنتنياهو أن يقرأ تاريخها النضالي قبل أن يفكّر في خوض أي مغامرة غير محسوبة العواقب.

الهجومُ المنتظر على رفح هو بكل تأكيد ورقة نتنياهو الأخيرة، التي ليس له بعدها إلا جرّ أذيال الخيبة والاستعداد قبل يوم الحساب للحساب الذي ينتظره في إسرائيل، فاللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين. ستكون رفح هي الورقة الأخيرة التي يلعبها نتنياهو قبل أن يذهب إلى مزبلة التاريخ كما ذهب أسلافه “بن غوريون” و”شارون”. ستكون غزة هي نهاية حلم نتنياهو، الذي سيخرج من غزة بغير خُفَّيْ حُنين وسيجلس في بيته ملوما محسورا، يحصي إخفاقاته، ويعض أنامله من الغيظ.
لا يهمني الاختلاف بين نتنياهو وبين رئيس الأركان “هرتسي هاليفي” حول توقيت وشروط الهجوم على رفح، فكلاهما في النهاية “فرعون” و”هامان “، وهما متفقان على الهدف وهو الهجوم سواء كان قبلا أم بعدا، مشروطا أو غير مشروط، ولكن يهمني أن أعرف سر ربط هاليفي –كما ذكرت القناة 12 العبرية- الهجوم على رفح بالاتفاق مع مصر، وهو ما أذاعته هيئة البث الصهيونية بقولها إن الهجوم على رفح لن يبدأ قبل إجلاء واسع للمدنيين والتوصل إلى اتفاق مع مصر، فما الداعي إلى هذا الاتفاق؟ وما فحواه؟ وما دخل مصر في العملية؟
تريد إسرائيل من مصر قبول فكرتها بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وهي الفكرة التي ترفضها مصر رفضا قاطعا لسبيين: أولهما أن مصر أفصحت منذ بداية العدوان على غزة عن موقفها الرافض لمبدأ التهجير؛ لأنه من جهة محاولة صهيونية لاسترجاع سيناء وجعلها موطنا بديلا للفلسطينيين، ومن جهة أخرى يعدّ بداية تصفيةٍ فعلية للقضية الفلسطينية، ما يعارض سياسة مصر بحق الفلسطينيين في العيش على أرضهم وإقامة دولتهم.
يستعجل نتنياهو وبعض وزرائه تنفيذ الهجوم على رفح والتخلص من كتائب حماس في رفح قبل حلول شهر رمضان، وتفصح الوزيرة العنصرية “ميري ريغيف” عن رغبتها في حدوث ذلك في هذا الشهر المبارك لدى المسلمين بقولها: “هذه هي فرصتنا، مزيد من الضغط قبل شهر رمضان مباشرة، وكما هاجمونا خلال سمحات توراة، فمن المؤكد أنه في رمضان ينبغي أن لا نكون أكثر لطفا ورحمة معهم”.
يستمرّ مكتب نتنياهو في الكذب والتظاهر بتحكمه في المعركة وتمكّنه من خصمه واقترابه من القضاء على حماس مع أن بيانات الاستخبارات الأمريكية –كما جاء في صحيفة “نيويورك تايمز”- تؤكد بأن إسرائيل ليست قريبة من هذا الهدف. إن كذب نتنياهو حقيقة تجلت من داخل مجلس الحرب الصهيوني، كما قال “غادي أيزنكوت” عقب جلسة للمجلس: “يجب التوقف عن الكذب وإظهار الشجاعة بالتوجه إلى صفقة كبيرة تعيد الأسرى”، مضيفا: “لا يوجد سبب للاستمرار في الحرب بالطريقة ذاتها كالعميان”.
ستسقط ورقةُ رفح كما سقطت الأوراق التي سبقتها، وسيعقبها سقوط نتنياهو المنتظَر قبل شهر رمضان “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم” (الروم 2).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!