الرأي

رفع سقف التطهر من الفاسدين

حبيب راشدين
  • 2565
  • 5

إحالة خمسة جنرالات وعقيد على القضاء العسكري بتهم يشتبه في أنها متصلة بالفساد والانتفاع باستغلال النفوذ، هو بلا شك سابقة محمودة لا نملك بعدُ عنها من المعلومات الدقيقة الموثوق بها ما يكفي لتصنيفها عملية تطهير ذاتي للمؤسسة من الفساد، أم هي جزءٌ من سياسة عامة للدولة تريد التأسيس لعهد جديد، يخضع فيه كبار رجالات الدولة وإطاراتها السامية للمحاسبة والمتابعة القضائية في جرائم الفساد والرشوة والمحسوبية والاتجار بالنفوذ، لن يسلم منها أحد: مدنيا كان أم عسكريا، وقد وضع لها هذا السقف العالي؟
المنطق الصرف يوجب الاعتراف بأن مثل هذه التغييرات والملاحقة القضائية لم تكن ممكنة لولا وجود إجماع واسع بين أركان النظام ومراكز صنع القرار فيه، وتحديدا بين مؤسَّستي الرئاسة وقيادة أركان الجيش، خلافا لكل ما كان يُسرَّب من باب المضاربة حول صراع بين أجنحة النظام، كما لم يكن بوسع النظام أن يبادر إليها في مثل هذه الظروف لو لم يكن يشعر بقدر من الثقة في النفس وفي ما يكون قد توفَّر له من إجماعٍ وتوافق.
كما يُفترض أن تسكت الأصوات التي ما فتئت تدندن بأرزوجة “شغور” فعلي على رأس الدولة، حيث لم يكن بوسع بقية مكونات النظام المجازفة بتدبير سلسلة من التغييرات الواسعة على رأس خمس نواح عسكرية وعدد كبير من الضباط السامين بمراكز المسؤولية بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ثم إحالة بعضهم على القضاء العسكري، لو لم يكن موقع الرئاسة مشغولا عامرا بصاحبه الذي يمتلك دستوريا قرار الإقالة والتعيين والإذن بالملاحقة.
الاستنتاج الثالث يحيلنا إلى الربط الموضوعي بين قرار الملاحقة القضائية وملف الكوكايين الذي وُظف فيه إعلاميا جانبُ الفساد للتعمية على ما توحي به معلوماتٌ اخترقت جدار الحماية والرقابة تحمل على الوثوق بصحة ما سُرِّب عبر بعض الوسائط لسيناريو “إفشال عملية استخباراتية مركبة موجهة من الخارج” كانت تستهدف أمن واستقرار البلد عشية استحقاق مصيري.
الاستنتاج الرابع له صلة بالدعوة التي وجَّهها رئيس الجمهورية لبناء جبهة وطنية ضد الفساد والاتجار بالمخدرات، لم نتوقف عنده كثيرا رغم صدورها أثناء جريان عملية التغيير، وقبيل إحالة ضباط كبار على القضاء العسكري بتهم يقال إن لها صلة بالفساد واستغلال النفوذ، وقد تكون الدعوة قد مهَّدت لما سيأتي بتوفير غطاء سياسي يقف بالمتابعة عند حدود الاتهام بالفساد واستغلال النفوذ، وتبعد الأنظار عن مآخذ أخرى ربما هي أخطر مما كُيِّف للضباط المحالين على القضاء العسكري من تهم.
الاستنتاج الخامس يقف بنا عند ما هو مستشرَف منذ الآن من حتمية انتقال مسلسل التغيير والتطهير الذاتي من الحقل العسكري والأمني ليطال الحقل المدني بشقيه العمومي والخاص، بفتح ملفات محاسبة لمن تحوم حولهم شبهة الفساد واستغلال النفوذ، بملاحقة وتعقُّب الحلقات الثلاث المتورطة في العادة في عمليات الفساد، حيث لا يوجد مرتش إلا ومعه راش وساع بينهما، ولا فاسد إلا بوجود طرف شريك مفسد، وآخر إما يكون ساعيا متطوعا أو طرفا سُخِّر لتنفيذ الصفقة، أو شارك بغض الطرف كـ”شاهد ما شافش حاجة”.
وفي كل الأحوال فثمة بابٌ قد كُسر، لتسقط معه حصانة المنصب، وحماية القرب من ذوي السلطان أو بالانتساب إلى زمرةٍ نافذة، وهي الشروط التي تضمن النجاعة والرضا الشعبي لأي حملة تطهير من الفساد تبدأ بصيد القروش والحيتان الكبيرة لردع صغار الفاسدين والمفسدين.

مقالات ذات صلة